ً#لأني_بعلبكي يشرّع هجوماً على عباس جعفر

لوسي بارسخيان

الأربعاء 2019/01/30
لساعات، استعان ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بـ"الشخصيات البعلبكية"، الحزبية والسياسية والثقافية، لمواجهة أغنية "راسي بعلبكي" التي كتبها الشاعر علي المولى، وأداها الممثل الكوميدي عباس جعفر، في تجربة فنية هي الأولى له. وصارت، خلال أيام قليلة، الأوسع انتشاراً في تطبيق "أنغامي". 

وانقسم البعلبكيون حول الأغنية عبر هاشتاغ #لأني_بعلبكي الذي انتشر في "فايسبوك" و"تويتر". يرى الناشط حسين ياغي أنه، على الرغم من الانتقادات التي طاولت كلمات الأغنية، إلا أنها تعبّر عن الشخص البعلبكي الى حد كبير، والذي "يُعتبر صعباً في الحب، ومستعداً لأن يفعل المستحيل لإرضاء حبيبته"، تماماً كما جاء في نص الأغنية: "انا راسي بعلبكي، والبزعلك بمحيلك ياه، إنتِ بس قوليلي إيه".

لكن الكلمات تحمل الكثير من المبالغة، مثلما تفعل أمل طالب في تمثيل الشخصية البعلبكية المضخمة. وهذا ما لم يتقبله المتابعون البعلبكيّون، ولم يتفهموا الرابط بين كلمات الأغنية والصورة التي رافقتها في تطبيق YOUTUBE، ويظهر فيها جعفر بشكل كاريكاتوري، وهو يحمل على رأسه قلعة بعلبك، وسلاحاً، وقنبلة معلقة كحلقة في أذنه، بينما تبدو سيجارة الحشيش بين شفتيه.

إذاً، لم تخرج الصورة عن النمطية التي يحاول البعلبكيّون نزعها عنهم، مكررين بأن المرتكبين والمخلّين بالقوانين، لا يمثّلون إلّا ثلاثة في المئة من المجتمع البعلبكي الكبير. مجتمع، كما يقولون، يضمّ عدداً كبيراً من المثقفين، مثل خليل مطران وطلال حيدر، وفنّانين مثل ملحم زين وفرقة كركلا، وسياسيين من أمثال السيد عباس الموسوي والرئيس حسين الحسيني، وحتى من "شهداء المقاومة" الذين تداول ناشطون صورهم في صفحاتهم.

لكن يبدو أن هذه الصورة النمطية نفسها، هي التي ساهمت في رواج الأغنية. والمولى يعترف أنه من دون تلك الصورة، لكانت الأغنية ربما عملاً عادياً. ويعتبر أن كل شيء في الأغنية أتى من طريق الصدفة، بدءاً بالكلمات، التي خطرت له خلال محاولته كتابة لحن، إلى أن برزت شخصية عباس جعفر، ووجد فيها ما يتناسب مع الكلمات التي أرادها أن تصل بهزليتها إلى الناس. وناقش مع المولى مع جعفر تأديتها حتى قبل أن يظهر في برنامج CELEBRITY DUETS.

كان من المفترض أن تُطلق الأغنية مع "فيديو كليب" يصوّر في بعلبك، حيث طلب فريق العمل من ناشطين بعلبكيين المساعدة في الاستحصال على أذونات للتصوير في المدينة. لكن عندما اطلع هؤلاء على مضمون الفيديو الذي يصوّر ساحة مواجهة في حقل حشيشة الكيف، بين بعلبكيين والقوى الأمنية، رفضوا المشاركة. ولم تجد الشركة المنتجة مموّلاً للعمل من أبناء المدينة.

والواقع أنها ليست تجربة جعفر الأولى التي يعتبرها أهالي بعلبك "غير موفّقة" في التعاطي مع أبناء منطقته. فقبل ذلك تعرّض لموجة انتقادات مشابهة، عندما ارتدى زي بابا نويل في برنامج "شي أن أن"، وتوجه إلى أهالي بعلبك سائلاً عما يريدونه في العيد، ليختار من الإجابات ما يرسخ الصورة النمطية نفسها عن المدينة.

لكن جعفر نفسه ليس مسؤولاً هذه المرة عن الرسم الكاريكاتوري الذي رافق الأغنية. بل أن منفّذها، كما تبيّن، هو أيضا كاتب الأغنية علي المولى، إبن بعلبك، الذي يقول أنه أراد أن يرفق كلمات الأغنية بصورة تمثل "رأس البعلبكي"، فلم يخطر له سوى هذه الفكرة التي لاقت استحسان المنتج.

ويعتبر المولى في حديث إلى "المدن" أن رفض الصورة النمطية لا يعني أنها لا تمثل جزءاً من بعلبك. وحتى لو كان بسيطاً، فهو المسيطر على المشهد. ولو أراد البعلبكيّون أن يغيّروا هذه الصورة النمطية، فإن ذلك لا يكون بشنّ هجوم على من يظهرها، وإنما بالعمل على تشكيل صورة مغايرة. وإلى أن يتحقق هذا الأمر ستبقى تلك الصورة مسيطرة على عقول كل اللبنانيين. 

ويرى المولى أن الصورة، لو لم تكن حقيقية في أذهان الناس، لما وجدت رواجاً لدى اللبنانيين. فهو وجعفر من أبناء بعلبك، ولا صلة لهم بالفئة التي "وُسمت" المنطقة بارتكاباتها. لكنهما، في الوقت نفسه، ليسا مستعدين للتنكّر لواقع موجود ومسيطر، أو أن يدفنا رأسيهما بالرمل.

النقاش الذي دار حول "لأني بعلبكي" و"أنا راسي بعلبكي"، كشف عن نزعة أخرى لدى البعلبكيين، ترفض وسم مجتمعهم بإيديولوجية الرأي الواحد. ولعل أبلغ ما يعبّر عن ذلك ما كتبه أحد الناشطين عبر صفحته: "لأني بعلبكي لن أقمع حرية ممثّل أو فنّان كوميدي. ولا أضع بعلبك السيد عباس، وبعلبك حسّان اللقيس، وبعلبك خزّان الشهداء، بمقارنة مع أغنية عابرة".

ليأتي الرد على ما نشره من أحد المغردين أيضاً "بأن المقارنة لا تجوز، وخلط الأمور من خلال الهاشتاغات هو للتعمية عن واقع مرير تعيشه فئة واسعة من شبابنا، وبدلاً من أن نحاول إصلاح الأمر، نهاجم أغنية عمرها الافتراضي أسبوع وتموت".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024