الباحثة ألكسندرا سيغل لـ"المدن":تويتر العربي في زمن "مُعاداة" الشيعة

بتول خليل

الثلاثاء 2015/12/29
على الرغم من سعي الحكومات الأوروبية والأميركية الحثيث طوال العام 2015 للتصدي للدعاية الإرهابية ومكافحة الخطاب التحريضي في الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يشير مراقبون ومتخصصون في المجال الرقمي إلى أن الدول العربية، المعني الأول بأحداث العنف والصراعات المذهبية، لم تطلق أو تتخذ أي تدابير أو خطوات فعالة في إطار محاربة الإرهاب والتطرف الالكتروني، ما ساهم في أكثر من حدث ومرحلة خلال العام بتفاقم أصوات المتطرفين وانتشار الرسائل العدائية والصور العنيفة على مدار الساعة، وذلك بموازة تزايد أعداد القتلى في العراق وسوريا واليمن.

وتأتي دراسة الباحثة الأميركية ألكساندرا سيغل، والتي نشرت مؤخراً تحت عنوان "حروب تويتر الطائفية: الصراع والتعاون السني- الشيعي في العصر الرقمي"، لتعكس حجم غياب الأدوار الحكومية العربية الرادعة للخطاب الطائفي في الانترنت والمانعة لانتشاره، فيما خلصت سيغل إلى أن الغالبية العظمى من المحتوى الالكتروني الذي قامت الدراسة بتحليله، يتضمن رسائل ذات لغة معادية للشيعة، أرسلت بشكل كثيف من بلدان الخليج. ومع شيوع اللغة المعادية للشيعة مقارنة مع تلك المعادية للسنة أو المناهضة للطائفية، رأت سيغل أن ذلك يعكس وضعية الأقلية لدى الشيعة في المنطقة والطريقة التي يتم فيها تضخيم اللغة المعادية لهم من خلال مستخدمين نافذين في "تويتر" لديهم ملايين المتابعين.

وفي حين سهّلت وسائل الإعلام الاجتماعية التفاعل بين السنّة والشيعة في الانترنت، بما في ذلك التنسيق لاحتجاجات سياسية مشتركة، إلا أن الدراسة تشير إلى أنه "غالباً ما يتم إهمال اللغة المناهضة للطائفية أو إدانتها باعتبارها دعاية مؤيدة للشيعة، حيث تؤثر أحداث العنف في تقلبات اللغة الطائفية في مواقع التواصل، والتي تنتشر عبر كل من رجال الدين والمتطرفين ووسائل الإعلام والنخب". إذ إنّ "تصعيد الحرب السورية وتصاعد وتيرة العنف الطائفي في العراق وإطلاق عاصفة الحزم في اليمن(...)، ترافق مع انتشار كثيف للغة المتعصبة، خصوصاً خطاب الكراهية المعادي للشيعة، ممن يصفهم كثير من المتطرفين بـ"المرتدين" و"المسلمين المزيفين"، ليس في أوساط رجال الدين والمقاتلين على الأرض فحسب، بل أيضاً في أوساط المواطنين العاديين المتأثرين بتصاعد هذه الصراعات".

الاستنتاجات هذه خلصت إليها سيغل بعد تحليلها لأكثر من 7 ملايين تغريدة عربية، تم جمعها بالتعاون مع "مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية" في جامعة نيويورك، في الفترة الممتدة من شباط/فبراير إلى آب/أغسطس 2015، والتي عملت الباحثة على تحليلها والبحث في مدلولاتها وظروف نشرها ودوافعها، انطلاقاً من اهتمامها بشكل خاص بدراسة الخطاب المذهبي في المنطقة، عبر استخدام بيانات وسائل الإعلام الاجتماعية، نظراً لأن الموضوع له حساسيته من الناحية السياسية وله ارتدادات وعواقب جمة بالنسبة للسياسة المحلية الإقليمية والأمن العالمي على نطاق أوسع، فكان من الأفضل الابتعاد عن تحليل ديناميات هذا الخطاب باتباع أساليب المسح التقليدية، على ما تقول الكساندرا سيغل لـ"المدن".

إلى جانب أهمية موضوع الدراسة الذي اختارت سيغل العمل عليه، لن يصعب على المطلع على محتواها أن يلاحظ الدقة العالية في تحليل محتوى التغريدات والظروف المحيطة بنشرها، فيما قد يشكك البعض في أهداف اختيار الفترة الزمنية المذكورة، التي ترافقت مع عاصفة الحزم في اليمن وهجوم المسلحين الشيعة على تكريت العراقية لمحاربة "داعش"، والتفجيرات التي نفذها "داعش" في المساجد الشيعية في السعودية والكويت. إذ تأتي هذه الأحداث كرد فعل على أحداث وعوامل سابقة لم يسلط الضوء عليها، ما يدفع إلى السؤال عن إمكانية تغيّر النظرة العامة إلى ما توصلت إليه الدراسة في لو كانت قد تطرقت للخطاب الذي سبق الفترة الزمنية الخاضعة للرصد والتحليل.

في حديث إلى "المدن"، تعلّق سيغل على الملاحظات أعاه بالقول: "بدأت بجمع بيانات تويتر التي تتضمن صراحة عبارات طائفية وأخرى مناهضة للطائفية في شباط/ فبراير الماضي، فيما كنت مقيدة بموعد لتسليم ورقتي البحثية في نهاية آب/أغسطس 2015. لكن وبعد تسليمي للورقة قمت برصد وتحليل محتوى تغريدات أخرى، وكانت النتائج مماثلة تماماً لما توصلت إليه في الدراسة. والحقيقة أن تواتر أحداث العنف التي شهدتها المنطقة خلال فترة الدراسة، يمنح نظرة شاملة لكيفية تأثير الأحداث على الأرض في التعبير العلني عن المشاعر الطائفية أو تلك المناهضة لها في كافة أنحاء المنطقة وضمن مسار زمني أطول من الشهور المذكورة في الدراسة".

تحليل الأدوار التي تلعبها أحداث العنف والشبكات الاجتماعية، خصوصاً "تويتر"، في انتشار لغة التعصب في شبكة الانترنت، ركّز بشكل بارز على المحتوى الذي يبثه مستخدمون من دول الخليج، خصوصاً الخطاب المعادي للشيعة. علماً أن الدراسة تشير إلى أنّ السرديات الطائفية صادرة عن مجموعة متنوعة من مستخدمي "تويتر" بمن فيهم رجال دين بارزون، وقادة ميلشيات شيعية، وأنصار تنظيم "الدولة الإسلامية"، ورجال أعمال خليجيين نافذين ووسائل إعلام تحظى بالشعبية ومستخدمين عرب عاديين. لكن كيف يمكن الحديث عن صراع شيعي- سني، من دون التركيز أيضاً على الدور الإيراني، أو تجاهل اتهامات السُنّة إلى إيران بإشعال الصراع وتعزيز الخطاب المذهبي ، ضمن مساعيها لتوسيع نفوذها في المنطقة؟

تجيب سيغل بأن "إيران هي لاعب رئيسي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار خلال عملية تحليل أسباب وعواقب الصراع المذهبي في المنطقة"، لكنها توضح أنّ "الهدف من هذه الورقة البحثية كان التركيز على تحليل اللغة المذهبية في الفضاء التويتيري العربي، بما في ذلك الأحداث والفعاليات التي  لعبت دوراً مؤثراً في نشر هذه اللغة. وعليه، لم تدرج البيانات الصادرة عن النخب الإيرانية أو المواطنين العاديين ممن نشروا تغريدات بالفارسية".

ومع تركيزها على المحتوى العربي وتأكيدها وجود أطراف عربية فاعلة وبارزة في تسريع وتيرة انتشار اللغة المذهبية والطائفية، تشير الدراسة إلى أنه بوسع هذه الأطراف أيضاً أن تستخدم تأثيرها في شبكة الانترنت وبعيداً منها، للتخفيف من آثار الخطاب المذهبي والتحريضي، ما يجعل من الملّح هنا السؤال عن مدى تأثير تصنيف الحكومات العربية لتنظيم "داعش" بـ"الإرهابي" على شريحة من المغردين العرب، ولجمهم عن إعادة تغريد أو تداول ما يبثه التنظيم من رسائل ومواد في "تويتر" ومواقع اخرى. وكيف يمكن لغياب الخطط والتدابير الحكومية والاستخباراتية العربية لمكافحة نشر الخطاب الإرهابي والتحريضي أن يدفع بخطاب الكراهية إلى الواجهة في مواقع التواصل؟ وهل أدى عامل الخوف إلى لجم التأييد لـ"داعش" أم أنه تبلور من خلال تأييد الجمهور لمن يصنفون بـ"المتشددين" ممن لا علاقة لهم بالتنظيم؟

تعتبر سيغل أنّ "واحدة من أبرز النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة هي أن اللغة المستخدمة من قبل عناصر داعش او المؤيدين له، تشكل انعاكساً للغة المستخدمة من قبل رجال الدين السلفيين والمواطنين العاديين الذين يعبرون عن معاداتهم للشيعة"، مضيفة بأنّ "استخدام اللغة المتطرفة من قبل النخب والمغردين البارزين هو أمر مثير للقلق، إذ يضفي مصداقية على السرديات المتطرفة والتحريضية". وفي حين لم تركز هذه الدراسة على تحليل التغريدات المرسلة من قبل "متشددين" معروفين، إلا أنه سبق لسيغل أن قامت بالعمل في "مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية" في جامعة نيويورك على ورقة بحثية، أظهرت أنه بالرغم من أن "داعش" يحظى بشعبية واسعة في "تويتر"، إلا أن حجم التغريدات المعربة عن مشاعر معادية للتنظيم أكثر عدداً من تلك الداعمة أو المتعاطفة معه، خصوصاً عقب سلسلة من أحداث العنف التي شهدتها المنطقة مؤخراً.

ماذا عن الناشطين أصحاب الخطاب المتطرف في مواقع التواصل، هل هناك ما يشير إلى إمكانية انخراطهم في أحداث عنفية على الأرض؟ أم أن ما ينشرونه من تغريدات وتدوينات يندرج في سياق المزاج العام المحصور في صفحات مواقع التواصل؟

لا دراسة تسلّط الضوء على هذا الأمر بالتحديد، تقول سيغل، وتوضح بأن الدراسات الحديثة التي تستخدم بيانات Google Trends في الولايات المتحدة، تلمح إلى أنّ استخدام خطاب الكراهية في الفضاء الالكتروني، يتوقع أن يكون أحد الدوافع الرئيسية لنشوء أنماط التصويت العنصرية وارتكاب جرائم الكراهية، ما يدل على أن الخطاب البغيض والمؤذي في مواقع التواصل، قد يترجم إلى سلوك عنصري وعنيف على أرض الواقع.

من جانب آخر، تخلص سيغل في دراستها للصراع السني-الشيعي في المجال الرقمي، إلى أن بيانات الـ7 ملايين تغريدة، التي تم جمعها وتحليلها، توفر "دليلاً بارزاً على أن حجم اللغة الطائفية في الإنترنت يتزايد بصورة حادّة استجابةً لأحداث العنف على أرض الواقع. وبينما قد يبدو الأمر وكأن هذه النتائج ترسم صورة قاتمة لحالة العداء الطائفي في العالم العربي اليوم، تشير حقيقة تذبذب مستويات خطاب الكراهية المعادي للشيعة وللسنّة بسرعة، على الأقلّ في المدى القصير، وعودتها إلى التوازن عموماً في أعقاب أحداث العنف، إلى أن تصاعد العداء الطائفي قد يكون قصير الأجل".

لكن في مقابل هذا الاستنتاج الذي خلصت إليه سيغل، فإن معظم المؤشرات والمواقف السياسية تشير إلى ان المنطقة مهيئة لحرب مذهبية كبرى، بينما تشير هذه الدراسة إلى ان التفاعل مع أحداث العنف يبدو مرحلياً أو حدثياً. فكيف يمكن قراءة التفاوت بين هذه المؤشرات؟ وهل يمكن لهذا الأمر أن يؤثر في دقة رصد المزاج العام، أم أنه مرتبط بتفاعل الجمهور مع الأحداث؟ بمعنى أن الأحداث هي التي تقود الرأي العام، بحيث يسير الجمهور على وتيرتها ويتفاعل معها؟

تقول سيغل إنّها لا تسعى من خلال هذه الدراسة إلى التأكيد بأن التعبير الطائفي او التحريضي مرتبط بأحداث آنية، "بدلاً من ذلك، فإنني أناقش ما مفاده بأن التعرض لأحداث طائفية عنفية وخطاب تحريضي في مواقع التواصل ووسائل الإعلام من شأنه أنّ يزيد من بروز الانقسامات الطائفية والمذهبية في حياة المواطنين العرب، إضافة إلى أن النخب، بمن فيهم من رجال دين وسياسيين، يلعبون دوراً رئيسياً في هذه العملية، حيث يعملون على تأجيج الخطاب المذهبي والطائفي لتقوية موقعهم وتعزيز سلطتهم".

إذن، كيف يمكن الاستفادة مما تقدمه الدراسة للتخفيف من حدة الاحتقان الطائفي؟ وهل هي موجهة أساساً إلى طرف معين، كأفراد أو مؤسسات أو حكومات؟ ومن هو المسؤول عن تقديم حلول لانتشار الخطاب المذهبي التحريضي في الانترنت؟

الأخد بنتائج هذه الدراسة ستكون له انعاكسات عديدة على سياسات التصدي للطائفية والتطرف، تقول سيغل، شارحة "في حين تشير الدراسة إلى أن أحداث العنف تتسبب بتفاقم الخطاب المذهبي في مواقع التواصل، فإن أحداث العنف نفسها يمكن أن تكون فرصة لتوحيد الجهود والمواقف والتصدي للأحداث الطائفية والعنفية والمحتوى الالكتروني الداعم لها، على غرار ما فعل مغردون عرب عقب هجوم "داعش" الذي استهدف المساجد الشيعية في كل من السعودية والكويت. عدا عن ذلك، ينبغي على حكومات الخليج أن تبذل جهوداً متضافرة لوقف الترويج للخطاب الديني الطائفي والمذهبي عبر وسائل الإعلام، وهذا من شأنه ان يساعد في كبح انتشار هذا الخطاب في الانترنت، الذي غالباً ما يستغله أنصار داعش لجذب مجندين محتملين".

بموازاة ذلك، فإنّ "النجاح غير المسبوق الذي حققه تنظيم "داعش" في نشر دعايته في الفضاء الالكتروني، يصور إلى أي مدى يمكن للمحتوى الالكتروني أن يكون مؤثراً وفاعلاً على أكثر من صعيد. فيما استمرار انتشار الخطاب الطائفي والتحريضي في مواقع التواصل، يعزز إدعاء "الدولة الإسلامية" بأنها الخيار الصحيح لحماية المسلمين ومنع التعرض إليهم. وعليه، بدلاً من الانخراط في ألعاب لا نهاية لها من ملاحقة التنظيم الكترونياً، وفرض رقابة على المواد التي يبثها أو حذفها، لا بد من توسيع وتحسين البرامج وورش العمل التي تقدم أساليب مبتكرة لمكافحة التطرف في مواقع التواصل، بما فيها "يوتيوب"، على غرار ما قام به "معهد الحوار الاستراتيجي"، وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن".

وبرأي سيغل، فإن اقتراح وضع الحكومات الغربية والعربية والمنظمات غير الحكومية لخطط موحدة لمكافحة الخطاب الإرهابي والطائفي، من المرجح أن يكون غير كافياً، طالما أن أحداث العنف المذهبية التي تدعمها، وإن بدرجات متفاوتة، حكومات عربية من جهة، وإيران من جهة ثانية، والتي لا تزال محتدمة في العراق وسوريا واليمن، إلى جانب مواصلة قادة عرب رؤية الانقسامات الطائفية والتهديدات الوطنية وسيلة مريحة سياسياً لقمع المعارضة، فإن خطاب "الدولة الاسلامية" وغيرها من الجماعات المتطرفة سيبقى محتفظاً بقدر كبير من الطاقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024