ريمي درباس ونقاش الخصوصية: لسنا وحوشاً

نور الهاشم

الثلاثاء 2020/05/19
النقاش الذي فُتح اليوم حول حصول قناة "ال بي سي" على أرقام هواتف الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي، وزيارتهم في محيط منازلهم، يظهر الإعلام على أنه يخترق خصوصية هؤلاء الناس، علماً أن اختراق الخصوصية قائم في مكان آخر، في ضعف رقابة الدولة على المقرصنين والمسربين في كافة القطاعات. 
وبثت قناة "ال بي سي" تقريراً لمراسلتها ريمي درباس، تتصل فيه بأشخاص محجورين، لتزورهم وتصورهم عن شرفات منازلهم، بهدف التأكد من أنهم محجورون في منازلهم. 

أثار الفيديو اسئلة عن كيفية حصول القناة على أرقام العائدين ضمن طائرات الإجلاء من الخارج، وكيفية حصولها على "الداتا"، والجهة التي سربت لوائح بتفاصيل عودتهم.


وتبدو الأسئلة مشروعة، في حالت كانت محصورة في فرضية واحدة، هي تسريب أرقام العائدين، وهي الأرقام التي تمتلكها وزارة الصحة بشكل أساسي، وهي التي تتصل يومياً مرتين أو ثلاث مرات للتأكد من الحجر وعدم شعور المحجور بأي عوارض صحية اضافية. كما تمتلكها بطبيعة الحال أجهزة أمنية، وتمتلكها البلديات التي تزودها وزارة الصحة بأرقام الأشخاص الذين يفترض أن تتحقق البلدية من أنهم محجورون، لتقوم بدورها ضمن نطاقها.. كذلك تمتلكها جهات رسمية أخرى معنية باللجان المعنية بمنع تفشي فيروس "كورونا". 

وملاحقة المحجورين وداتا العائدين، يأتي في المرتبة الثانية بعد ممارسات أكثر أهمية وتأثيراً، مثل وجود تطبيقات تتيح للعامة الوصول إلى أرقام هواتف الناس وأسمائهم بناء على أرقام لوحات سياراتهم، وهو أمر شائع في لبنان منذ خمس سنوات على الأقل،يستوجب ملاحقته والقضاء عليه. 
 
وتعدد الجهات، يجعل تلقي الداتا سهلاً ويسيراً، في بلد يعتاش على النميمة والخدمات الشخصية. وهي من نظرة أمنية، نعمة، كونها تسهل وصول القوى الأمنية الى المعلومات التي تريدها عن المطلوبين والجرائم المرتكبة. 

أما من ناحية الصحافيين، فإن الوصول الى الأشخاص، ليس مهمة معقدة وصعبة، بدءاً من ملاحقة العائدين في المطار، إلى شبكات العلاقات مع الجهات الرسمية النافذة، وصولاً الى ترصّد مجموعات الواتسآب المحلية في القرى والبلدات والمناطق، فضلاً عن انتشار شبكات الصحافيين وعلاقات الأحزاب بالمراسلين... 

وعليه فإن الحديث عن "مؤامرة" في هذا الصدد، هو مبالغة، على ضوء عاملَين أساسيين يجب عدم تجاهلهما. أولهما، تعاون البلديات مع المراسلين في بلدات كثيرة حيث يجري الحديث في وسائل الإعلام عن أن مغتربين عادوا إليها في رحلات الإجلاء. وهو ما جرى عندما قادت البلدية، مراسلة "إل بي سي" نفسها، ريمي درباس، في قرية جنوبية، إلى منازل المحجورين لتصويرهم على شرفات منازلهم، الأسبوع الماضي.

أما العامل الثاني، وهو الأكثر تأثيراً، فيتمثل في أن التلفزيون مغرٍ ومؤثر، وفي أحيان كثيرة يجري التواصل مع وسائل الإعلام بغرض الظهور. وقد شاهدنا خلال تغطية الاحتجاجات في 17 تشرين الأول الماضي، كيف يُقبل الناس على الكاميرات بهدف التصريح، وكل ينوي أن يحول قضيته الخاصة الى قضية رأي عام. 

ومن يتعذّر عليه الوصول الى الكاميرا، يصوّر نفسه في منزله وينشر الصورة/الفيديو في مواقع التواصل وفي مجموعات "واتسآب". في عصر السوشيال ميديا، في لبنان خصوصاً، الناس تصالحت مع الكاميرا، خلافاً للسنوات الماضية، وخلافاً لتجارب دول لا تشهد تفاعلاً اجتماعياً واسعاً.

امام هذه المعطيات، صار واجباً التأكيد بأن تصوير المؤسسات الإعلامية أو الشركات التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي، على أنها وحوش تخترق الخصوصية، أمر مبالغ فيه، ولو أنه يحتاج الى ضبط أحياناً، فلم يعد ممكناً فرض وصايات على الناس، أولئك الناس الذين يختارون الظهور الإعلامي أو يتعاونون مع مراسلين. 

وبعد إثارة الضجة، أوضحت ريمي درباس، أن "إل بي سي آي" تستقبل، كل ليلة، شخصاً مصاباً بكورونا، أو أصيب وشُفي، أو مغترباً عائداً محجوراً، وذلك منذ بدء أزمة كورونا في لبنان، مضيفة: "بالتالي ليست المرة الأولى اللي منحصل فيها كمراسلين على أرقام". وأضافت: "انا سألت من اتصلت بهم قبل ظهورهم، ولم يعارضوا. وواجباتنا العمل على توعية الناس.. فاقتضى التوضيح". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024