محجبة تتزوج في كنيسة: لماذا إخفاء صورتها أمام الشيخ؟

علي سعد

الجمعة 2017/08/11
اجتياح صورة العروس مروة، وهي الفتاة المحجبة من جنوب لبنان، أثناء زواجها مكللة في كنيسة في تبنين، لمواقع التواصل في لبنان والتغني بها كصورة للتعايش الاسلامي - المسيحي، ليست بأي حال من الأحوال دليلا على الوحدة الوطنية والكليشيهات المشابهة لها، بقدر ما هي برهان على أن الطائفية لا زالت متجذرة، بدءاً من اختيار الصورة وليس انتهاء بطريقة معالجتها.

تداول الجميع صورة الفتاة المحجبة تقف أمام كاهن في الكنيسة لعقد قرانها على الشاب بطرس، لكن انتشار صورتها وهي تكتب كتابها عند أحد رجال الدين الشيعة بقي خجولاً، ذلك أن الصورة الأولى لها قدرة الصعق والجذب ثم الانتشار، أما الصورة الثانية فلا تحمل هذه القدرة كونها تبقى عرضة للتحليل والتشكيك، وهو ما لا تحتمله الصورة داخل الكنيسة.

طبيعة الانتشار تلك، تظهر طبيعة السوشيال ميديا وانتقائيتها في معالجة الأحداث لناحية اختيار الأكثر إبهاراً أو جذباً للمتابع. وهو في معظم الأحوال يهدف لكسب "لايك" من هنا أو تعليق من هناك يرضي غرور صاحب الحساب ويضعه في مصاف السباقين لنقل الأخبار المثيرة، ويرفع من شأنه في العالم الوهمي.

أبرزت السوشيال ميديا من الحدث نصف الحقيقة، وتغاضت عن النصف الآخر، وهذه ليست مؤامرة لخدمة صورة الكنيسة - التي تستحق الإشادة في معرض انفتاحها - في وجه المحكمة الشرعية، بقدر ما هي قلة اكتراث بالمضمون الذي غالباً ما يكون ضحية الإثارة، وهو ما تعمّده أيضا أحد أقرباء العريس الذي سرب الصور ورفع العروس مروة والعريس بطرس الى مصاف أيقونات الوحدة الوطنية.

الاحتفاء العريض بالحدث على السوشيال ميديا قابله تذمر من ناشطين لم يروا فيه أي تعبير عن الوحدة الوطنية بقدر ما هو تأكيد على طائفية مجتمع تغنى بزواج بين مسلم ومسيحية على أنه شيء مستغرب يستوجب الاحتفاء، علما أن مثل هذا التصاهر بين الطوائف في لبنان موجود منذ نشأته وبأرقام كبيرة.

والأسئلة حول جدوى استعراض هذا الزواج المختلط بالطريقة التي حصل بها جائزة، فهل تستطيع مثل هذه الأحداث أن تكون درعاً في وجه أي حدث يحمل بُعداً طائفياً في المستقبل؟ خصوصاً وأن تجربة الحرب اللبنانية لا زالت حاضرة في الذاكرة وهي لم توقفها آلاف الزيجات المختلطة ولا أثرت في أحداثها بأي من الأشكال.

هذه التجربة، تجرد الكنيسة والمحكمة الشرعية من مسؤوليتها في كبح جماح الطائفية، فهما بالتساوي يتقاسمان المديح باستقبال محجبة في الكنيسة وعقد قرانها على مسيحي، كما استقبال مسيحي في منزل رجل الدين الشيعي وعقد قرانه على مسلمة محجبة.

وبهذا، يبقى الاكليروس في مرتبة التعبئة واصباغ القدسية على الطائفية وما تخلفه من آفات تجر غالباً الى حروب، أما اشعالها وايقافها فيبقى حصراً في ملعب السياسيين الذين يجيدون استخدام الشارع لخدمة مشاريعهم التي غالباً ما تكون مكاسبها محصورة بهم، والدلائل كثيرة وحاضرة للاستخدام في أي وقت.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024