السيد خضرا يدخل على خط Mezza: إعلان وبلبلة!

بتول خليل

الأربعاء 2018/06/13
السجال الذي آلت إليه الشكوى المقدّمة ضد إعلان شراب الشعير "ميزا" Mezza، لا يستأهل الضجّة التي رافقته. وليس في شكل الشكوى ومضمونها ولا في شكل الإعلان ومضمونه ما يستحق أن يختلف الناس بسببه، أو حتى أن يشغلوا بالهم فيه. وذلك عقب ما بدر من بعض الأطراف التي حرّكت الشكوى، وبالغت بتحميل الإعلان ما لا يجب تحميله، ما ينفي أي داعٍ لمحاولة الايحاء بأن ثمة ما هو خطير في هذا الاعلان، ويستدعي التحرك الفوري لتغييره أو إيقافه تداركاً لأي تداعيات مفترضة.

المغالاة التي عكسها الأسلوب في التعاطي لم تقتصر على ما حمله مضمون الشكوى التي سلكت طريقها إلى "المجلس الوطني للإعلام" للنظر فيها، والتي اعتبرت أن "الاعلان يتضمن دعوة لتلاميذ المدارس من عمر 15 عاماً والنساء والحوامل والشباب وكبار السن والمحجبات للشرب بحجة أن المشروب غير كحولي، في حين أن كل من يشرب هذا المشروب يهزّ رأسه بطريقة غير طبيعية، مما يوحي أن المشروب يدفع لمثل هذه الحالة، ويدل على التنافض بين أن المشروب غير كحولي وبين النتيجة التي يؤدي إليها"، الأمر الذي استتبعه نشر السيد سامي خضرا، مقطع فيديو في حسابه الفايسبوكي، يدعو فيه إلى التحرّك الجدي لأخذ إجراءات بحق الإعلان، واضعاً ما يرد فيه برسم السياسيين والتربويين والأطباء والاعلاميين والجمعيات النسائية وحقوق المرأة والطفل والجمعيات الشبابية والكشفية!

قد تكون ردّة الفعل هذه مفهومة ومستكملة لكافة مبرراتها المنطقية، لو كانت العناصر التي ظهرت في الاعلان من تلامذة مدرسة ومحجبات وحوامل ورجال مطلقي اللحى، تسوّق لمشروب كحولي، أو مادة تنهى وتحرّم الأديان عن تعاطيها، أو أنها تؤدّي لضرر صحّي، أو تحمل تأثيراً ذا طبيعة إيحائية خليعة.

لكن في حالة إعلان "ميزا"، فإن القصد من جمع هذه العناصر مع هزة الرأس التي تومي بالموافقة، لا تعدو كونها تأكيداً على صلاحية شربها وفي كامل الظروف التي يشير إليها الإعلان. ما يجعله يعبّر تماماً وبأدق شكل ممكن عن طبيعة السلعة وتأثيرها وماهية الأشخاص الذين يمكنهم استهلاكها. في حين تبدو هزة الرأس التي استفزت المعترضين على الاعلان، ليست إلا حركة مكررة متوافقة مع الجمل الايقاعية التي تواكبها، كي توحي بالتجانس والتناغم اللازم بين المفردات والايقاع والموسيقى المرافقة للاعلان، والذي من حقه مثل معظم الاعلانات أن يكرر ما يشاء من الجمل، بصرف النظر عن جودتها أو رداءتها.


وللحقيقة فإنّ ماء الشعير، من مختلف العلامات التجارية، قد يختلط شكله ومحتواه عند بعض الناس الذين قد يخشون من كونه مضراً أو مسكراً أو محرماً، فجاء الإعلان ليوضح هذه النقاط بشكل صريح. بالتالي لا يجوز تقييمه بالتجزئة واستفراد عناصره وتجريدها من مضمونها خارج سياقها الكلي، التي توضح بالخلاصة بأن مشروب الشعير لا وجوب للتعامل معه ضمن المحرمات الدينية أو الممنوعات الاجتماعية، ما يجعله متاحاً لكل فئات الناس، وفي أي وقت يحلو لهم تناوله.

وفي حين اعتبر البعض أن الاعلان ذا طابع إيحائي يشجّع الأطفال على تعاطي البيرة والكحول، ما يجعله غير مناسب لأعمارهم، يبدو أنّ هذا الكلام خارج المنطق، إذ يمكن النظر إليه كتشجيع لبديل يتشابه في الطعم والشكل والمحتوى، لكنه رغم ذلك خالٍ من الكحول ولا يتعارض مع أي قيم دينية. وهذا الأمر يضع الاعتراض من قبل مقدّمي الشكوى ومؤيديهم،  الذين بدوا مستفزين من هذا الاعلان دون غيره، في خانة الاستهداف الانتقائي، الذي لا مبرر له، بالنظر الى الشاشات ووسائل الاعلام تذخر بإعلانات المشروبات الكحولية ومشروبات الطاقة التي تحتوي على الكحول، والتي يتخلل أغلبها مشاهد عريٍ وإيحاء جنسي. فما الداعي للتحرك ضد هذا الاعلان بالذات وترك غيره، في حين أن المشروبات غير الكحولية القائمة على الشعير أصلاً تلاقي رواجاً كبيراً في كل الأماكن والمناطق في لبنان على مختلف طوائفها؟

والخطورة في هذا النقاش تكمن في زاوية واحدة، وهي الاستنساب والتحرّك التصعيدي المزاجي، إذ لا يجب السماح لكل من أزعجته حركة أو جملة في إعلان أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، وأن يحرّض على التصدّي له ومحاربته دون أي مبررات منطقية.

كان من الأجدى الاعتراض على أماكن وتوقيت عرض وبث اعلانات المشروبات الكحولية التي تعرض في اللوحات على الشوارع وفي وسائل الاعلام وعلى شاشات التلفزيون، دونما مراعاة للفئات العمرية التي تشاهدها، وهو أمر يحتاج الى التنظيم والقوننة ضمن معايير معتمدة، تضبط توقيت وأسلوب الاعلان. وهذا ما يجب التركيز عليه وطرحه للنقاش العام ووضعه تحت الضوء، لا السعي لمحاربة طواحين الهواء وإثارة البلبلة التي لا داعي لها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024