إليسا تتمرد على السعودية أم تتفاوض معها؟

وليد بركسية

الثلاثاء 2019/10/01
يبدو أن النجمة اللبنانية إليسا، تتحول إلى رمز لتمرد الفنانين العرب على تركي آل الشيخ، رئيس "الهيئة العامة للترفيه" في السعودية، صاحب النفوذ الكبير الجديد في صناعة الموسيقى العربية المعاصرة، بضغوط يمارسها على شركة "روتانا" من منطلق تحكمه في سوق الحفلات الفنية التي باتت الرياض تستخدمها كوسيلة جديدة لتلميع صورة إصلاحات محدودة يروج لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رغم الانتقادات الموجهة لها من منظمات حقوقية عالمية.


وفيما كانت أسماء مثل راغب علامة ولطيفة التونسية، وبدرجة أقل نوال الزغبي وسميرة سعيد، تقترب وتبتعد من "روتانا"، خلال العقدين السابقين، من مبدأ رفض الاحتكار واعتبارات تخص الملكية الفكرية، فإن قضية إليسا مع هذه المنظومة التي لا يمكن فصلها عن سياسات الدولة السعودية، خصوصاً بعد أحداث فندق "ريتز كارلتون" العام 2017، باتت تأخذ شكلاً مشابهاً ومغايراً لذلك في الوقت نفسه، بالنظر إلى أن الخلافات بدأت تظهر للعلن إثر استياء إليسا (47 عاماً) من حذف أغانيها التي حصدت ملايين المتابعات، في تطبيق "أنغامي" والانتقال إلى تطبيق "ديزر" الجديد.

ويبدو أن هذه الواقعة جرحت كبرياء إليسا، التي كان يشار لها طوال سنوات بأنها "نجمة روتانا الأولى"، وحُكي كثيراً في الصفحات الفنية عن دلال إليسا وطلباتها التي لا ترفض، والتي وصلت إلى إشاعات تحكمها في التخلي عن التوقيع مع أسماء محددة لمنع "زعلها". لكن تلك الأيام الجميلة انتهت على ما يبدو. فإليسا هنا كانت امتداداً لقضية عالمية تتمحور حول حقوق الملكية الفكرية في حقبة الـ"ستريمنغ"، وتبرز فيها عالمياً أسماء مثل بيونسيه وتايلور سويفت التي أعلنت في آب/أغسطس الماضي، نيتها تسجيل أغانيها القديمة لرغبتها في امتلاك حقوقها.

وفيما أعلنت إليسا نيتها في وقت سابق، الاعتزال بعد ألبومها المقبل، بسبب المافيات الفنية، حسب تعبيرها، فإنها تراجعت عن ذلك القرار في وقت لاحق. ورغم أن الموقف ككل أثار سخرية غير واسعة وغير مبررة ترتبط بطيف طويل من التنمر ضد إليسا لأسباب مختلفة، إلا أن القضية كانت تتجاوز مجرد الرغبة في الإعلان عن الألبوم حسب وصف معلقين، وترتبط بطيف أوسع من الضغوط على النجمة الحاصلة على جوائز عالمية وتعتبر واحدة من أكثر الفنانات مبيعاً في الشرق الأوسط، وتعكس توتراً عاماً مع الدولة السعودية، وصل إلى حد إقصاء إليسا من برنامج "ذا فويس" الذي تبثه شبكة "إم بي سي" السعودية.

والحال أن إليسا المشهورة بذكائها، تدير القضية من دون انفعالات مجانية وتطلق تصريحاتها بذكاء في ما يبدو أنه لعبة مفاوضات علنية، محاولة ألا تثير استياء كبيراً ضدها، وكأنها "تحفظ خط الرجعة"، وتجلى ذلك بتغرديات لاحقة لإليسا من الرياض شكرت فيها الأمير الوليد بن طلال والرئيس التنفيذي لـ"روتانا" سالم الهندي على دعمهما من دون توضيح سبب الزيارة، علماً أنها طوال الفترة الماضية بقيت تتحدث بالعموميات من دون الإشارة إلى ما وصفته تقارير إعلامية ذات صلة، بأنه ضغوط على إليسا للمشاركة في حفلة التلميع السعودية التي يحييها العديد من النجوم العرب، من ممثلين ومغنين، والذين اكتسوا، بشكل يثير الضحك، باللون الأخضر في المناسبات ومواقع التواصل الاجتماعي، بمناسبة اليوم الوطني للسعودية، مؤخراً.


وسواء صحت الأسباب الواردة في تلك التقارير أم لا، فإن التوتر يبقى موجوداً، فإليسا اشتبكت مع آل الشيخ في "تويتر"، وبعده بدأت حسابات سعودية في "تويتر" بمهاجمة إليسا، على طريقة الذباب الإلكتروني ضد المعارضين السعوديين تماماً. ويمكن ملاحظة تغريدات تظهر "سكرين شوتس" لإعجابات وضعتها إليسا على أخبار حول قضية الصحافي المقتول جمال خاشقجي، أو تغريدات لها حول الحرب السعودية غير الإنسانية في اليمن. وتم وصف إليسا بأنها عميلة ومعادية للسعودية وتم ربطها بالأزمة الخليجية المستمرة، ووصلت الاتهامات إلى القول أنها لا تشرف السعودية وغيرها من العبارات التي تظهر الشعور القومي الناشئ في المملكة بدلاً من العصبية الدينية القديمة.

بالتوازي مع ذلك، تصدر هاشتاغ #اليسا_احنا_سندك لائحة الأكثر تداولاً في "تويتر" في السعودية ولبنان وعدة دول عربية، حيث عبر مغردون عن تضامنهم مع نجمتهم المحبوبة، إثر تداول أنباء في وسائل إعلام عربية، عن صدور قرارات بمنع إليسا من دخول السعودية وإحياء حفلات هناك، بموازاة تجميد بث أغاني إليسا في وسائل الإعلام السعودية، بالإضافة لمحاولة منع إصدار "روتانا" لألبوم إليسا المفترض طرحه نهاية العام الجاري، وسط وساطات لحل الخلافات.

إليسا هنا، تبحث عن علاقة أكثر مهنية في مقابل طلبات أكبر من قبل "روتانا" ومن خلفها الدولة السعودية. هي فنانة تريد فقط أن تقدم فنها من دون هذه الاعتبارات  السياسية المقززة، أو أنها تبحث عن عائد مادي أكبر حسب رأي مغردين أشاروا إلى أن المنطق السعودي يتعامل مع النجوم العرب بفوقية مطلقة ونوع من الاحتقار، حيث أن الولاء المطلوب من إليسا والنجوم العرب يقابله البقاء في "روتانا" فقط التي تحتكر الإنتاج الموسيقي العربي تقريباً ومن خلفه سوق الحفلات، في مقابل دفع ملايين الدولارات لاستضافة النجوم العالميين مثل مارايا كيري وآخرين.

ورغم أن إليسا لم تصل في موقفها من السعودية إلى حد نجمة الراب الأميركية نيكي ميناج، التي ألغت حفلاً لها في السعودية قبل أشهر وأصدرت بياناً عبرت فيه عن رفضها الغناء في دولة لا تتوفر فيها قيم المساواة للنساء والمثليين وغيرهم من الفئات الاجتماعية المضطهدة، إلا أنها تستحق الاحترام لأنها على الأقل رفضت تهجينها بشكل مماثل لعشرات من زملائها الناشطين على الساحة الفنية اليوم. ولا يمكن لوم إليسا على موقفها الخجول بالقول أنه موقف منافق وضبابي، لأن المشكلة التي تعيشها حالياً تبقى بدورها ضبابية، مثل أي شيء آخر في المنطقة العربية، بمعنى أنه يتم الحديث عنها من دون الإشارة إليها، ومن دون وجود ما يثبتها سوى الملاحظات والتسريبات والقرارات الشفهية والمناوشات في "تويتر".

وربما يجب التساؤل هنا عن مدة قابلية تطور موقف إليسا البسيط، مع مرور الوقت إلى موقف أكثر حدة وصراحة وتعبيراً. حول هذا الخلل المتمثل بتدخل السياسة في الصناعة الفنية. حيث تشكل إليسا اسماً مثالياً فهي مشهورة بتعليقاتها السياسية في "تويتر"حول الأحداث السياسية المحلية التي تحكمها علاقات دقيقة مع دول المنطقة، ومن ضمنها السعودية، كما أرشيفها يحفل بأغنيات ومواقف داعمة للحريات الفردية وحقوق المرأة العربية، فتحدثت في أغنياتها ومقاطعها المصورة، أكثر من أي فنانة عربية أخرى ربما، عن قضايا حساسة لا تتطرق لها الأغاني العربية مثل العنف الأسري، كما أنها تحدثت بانفتاح عن إصابتها بمرض سرطان الثدي ما تحول إلى حملة توعية واسعة النطاق في العالم العربي.

يقود ذلك بدوره للتساؤل عن مواقف إليسا، من القضايا الحقوقية في السعودية تحديداً، بوصفها الدولة المتحكمة بالإنتاج العربي، وتحديداً قضايا المرأة السعودية في وقت تعتقل فيه السلطات في الرياض الناشطات النسويات البارزات مثل لجين الهذلول، رغم الإصلاحات المحدودة التي أعطت النساء في المملكة حق قيادة السيارة وتخفيفاً في قيود الوصاية الذكورية. ومع ترجيح أن إليسا، الباحثة من دون شك عن الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، ترغب فقط في تقديم فنها من دون الدخول في هذه المتاهات، باعتبارها جزءاً من السيستم نفسه ولا تحاول هدمه، فإن الموقف السعودي ضدها يظهر أن الولاء المطلوب من الفنانين العرب يبقى غير مشروط، فيجب على أولئك النجوم دعم السردية السعودية حول الإصلاح، أما البقاء على الحياد فيعتبر تمرداً يستوجب العقاب.

بالتالي، يبقى ذلك التحول في موقف إليسا من فنانة تبحث عن علاقة مهنية أفضل، نحو فنانة تروج لقضية حقوقية، مثل حال نجوم البوب في العالم الغربي، غير مرجح، لأنه يعني انتحاراً ضمن شروط السيستم العربي القائم، قد يتجاوز المعنى الفني للكلمة، حيث تتبادر إلى الأذهان قضية الفنانة التونسية ذكرى التي عبّر البعض عبر الإنترنت عن اعتقادهم، الأشبه بنظرية مؤامرة، أنها قتلت على يد المخابرات السعودية العام 2003 إثر تسجيلها أغنية ناقدة بحدة للسعودية حينها، تماماً كقضية خاشقجي التي تقترب من ذكراها السنوية الأولى وأفلت فيها الجناة بجريمتهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024