المقاومة بالصيغة الإيرانيّة

عدنان نعوف

الأحد 2018/05/13
كان المشهد معبّراً لكن بطريقة يَصعُب ترجمتُها وتفكيك دلالاتها. عَلَم البرازيل إلى جانب راية "حزب الله" على سطح أحد المنازل في سوريا بعد نهاية حرب تموز ومعها كأس العالم في ألمانيا 2006.
رَايَتان متجاورتان بينهما قواسم لونيّة مشتركة. الأصفر والأخضر مع اختلاف الأشكال والرموز والمساحات، وبوجود فارق أساسي يتمثّل بطبيعة كل راية وسبب استخدامها من الأساس. 

لوهلةٍ قد يُنظَر إلى ذلك كإيجاز بصري يلخّص فكرة الولاء "المبتذَل" الذي يمزج بين المتناقضات الحسيّة، لكنّ الحقيقة أنّه خيرُ تعبير عن دعم وانتماء عفوي غير مشروط أو مبرمج. تلك هي شعبيّة المقاومة الجارفة التي ذهبتْ ولم تعُدْ! 

فرضيّة تراجع هذه الشعبيّة بين السوريين ستجِد ما يدحضها إذا اعتبرنا أن مشهد توزيع الحلوى ابتهاجاً باستهداف صواريخ - انطلقت من سوريا- لمواقع إسرائيلية في الجولان المحتل، هو مؤشر يُعوّل عليه.

لكن ماذا لو كان من بين المحتفلين بـ "الردّ" على مواقع التواصل الاجتماعي، سوريّون يَبوحون "على الخاص" بهواجس من نوع آخر؟ 

صديقة تعيش في مناطق النظام تتذمّر من فرض "لباس شرعي" عليها شرطاً لعملها كمُدرّسة مع إحدى المؤسسات التعليمية المدعومة من دولة الولي الفقيه في إحدى القرى السوريّة، وصديق آخر يقلّب خياراته الحياتيّة المتبقّية واليائسة بين "بَيعَتيّ" موتٍ محتمل: مغامرة اللجوء إلى الخارج عبر أحد مهرّبي البشر، أو الاستسلام للواقع والتطوّع في اللواء47 بريف حماة!
ليست هذه نماذج مطلوبة لبرهَنة أو تفسير ما هو ناجز وواضح، فالخروج باستنتاج حول مكانة "المقاومة" حالياً والمعايير التي تحكم الانخراط في مشروعها، لا يحتاج إلى سقوط "تفاحة" على رأس السوريين عموماً، والموالين منهم على وجه الخصوص.    

والواقع أنّ المرحلة التي وصلت إليها نظرة أبناء المنطقة حيال "القضايا المركزية" والفاعلين فيها، هي حصيلة أحداث ومتغيّرات واستنزافات طرأت عبر السنوات الماضية، وكان فيها الحدث السوري الأكثر تأثيراً سياسياً ومجتمعياً.

وعليه فإنّ انخفاض أسهم المقاومة (وفق النموذج الإيراني) كخيار شعبي ليس ابن اللحظة، ولا حاجة هنا لسرد توجّهات إيران ونظام الأسد وأذرعهما التي أوصلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم. وتأتي مساعي طهران لتحويل مناطق سوريّة إلى قواعد متقدّمة لها أو إلى "ضواحي جنوبيّة" لتفسّر الموقف من المقاومة، ولتضعه في ميزان واقعي محكوم بعوامل "المصلحة" وبفرص الخلاص.   

 وسواءٌ كان احتفاء الصفحات الموالية بالضربات الصاروخية عبر الإصرار على نسْبِها إلى "الجيش السوري" -لا إلى "فيلق القدس"- ناجماً عن حاجة آنية لاستعادة الثقة أو هبّة من هبّات الشعور الانتمائي الوطني الصادق، فإنه يُضمر فرزاً بين ما "لنا" وما لـ "الأصدقاء" والحلفاء الشركاء في "الإنجاز". 

وهؤلاء الحلفاء بالنتيجة هم جزء من فوضى "احتلالات" أو "انتدابات" يتزاحم فيها الغرباء على حجز دَور أو اقتطاع أرض، وبالتوازي تختلف ولاءات السوريين للقوى الأجنبية، لتصبح "المقاومة" وتالياً "الوطن" موضوعاً نسبيّاً ومسألة "فيها نظر"!.  

وفي هذا السياق يمكن الجزم ببساطة باستمرار عِداء الإنسان السوري المؤيّد والمعارض لإسرائيل (بعيداً عن بعض التحركات السياسيّة والإعلامية) حتى وإن تعالت أصوات وخرجت مقارنات بين "مُجرِمَين" اثنين صهيوني وأسدي، وحتى لو قوبلت الصفعات التي يتلقّاها نظام الأسد وحلفاؤه بالتهليل من قبل ضحاياهم. 

لكنّ شعبية المقاومة من ناحية ثانية لم تعدْ ذلك الحب الأعمى الذي لا يخضع للنقاش، أو الشعور الوجداني المطلق الذي يستهدف "عدوّاً أوحد" بعد أن تكاثر الأعداء وتوزعت الآلام والأحقاد. 

كما أنّ "المقاومِين" لم يعودوا بالنسبة للسوريين مجرّد مقاتلين فدائيين من جنسيات "أخرى" في المجمل، نتابع أخبارهم على الشاشات على وقع "إني اخترتك يا وطني" و"منتصب القامة أمشي"، فقد صار هؤلاء اليوم لاعباً محوريّاً على الأرض السوريّة يقرّر مصائر أبناء البلد في البقاء والهجرة، وخياراتهم في الحرب والسلم.

للمحلّلين السياسيين توقّع احتمال هدوء المواجهات الإيرانيّة الإسرائيليّة في المنطقة أو تصاعدها لتبلغ مرحلة "حرب تموز أو حزيران أو آب.." جديدة. في مطلَق الأحوال من المؤكد أن حالة التأييد السوري لميليشيات إيران "المقاوِمة" ستظلّ أقل صدقاً من تشجيع منتخبات كأس العالم 2018، فلهذه الفرق الرياضيّة بالحد الأدنى هويّة تتجسد بشعارات ورموز ثابتة، كـ "شمس مايو" الأرجنتينية، والكرة الأرضيّة البرازيلية. 

أما قِوى الممانعة كـ "فيلق القدس" و"حزب الله" فبات من السهل تغيير شعاراتها شكلاً وممارسةً وفق مقتضيات المرحلة، إما بتحويل اتجاه البندقية المرسومة على الراية من اليمين إلى اليسار، أو باستبدالها من الأساس ووضع "موتوسيكل" في مكانها مثلاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024