لقاء بوتين الأسد: قليل من البروتوكول.. كثير من الإهانات!

وليد بركسية

الثلاثاء 2021/09/14
في إحدى حلقات السلسلة الكوميدية الشهيرة "هومي هون" تعاني شخصية "صباح خانوم" التي أدتها الممثلة شكران مرتجى باقتدار من اكتئاب حاد لعدم احتفال عائلتها بعيد ميلادها، ما يجعلها تتصل بصديقة العائلة "الست جاكلين" التي تقترح عليها "إقامة عيد ميلاد مطنطن طنطنة" في منزلها لتعويضها من الحرمان العاطفي. ورغم أن الموقف ككل هزلي ووهمي إلا أنه يذكر إلى حد كبير، بالتهنئة التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره السوري بشار الأسد في موسكو، خلال لقائهما الأخير.


وبينما رد الأسد على بوتين بالروسية لا العربية، يمكن السخرية طويلاً من وحدة الأسد وعزلته إلى حد عدم الاحتفال بعيد ميلاده بين الموالين أنفسهم في مواقع التواصل الاجتماعي مثلما جرت العادة في السنوات الأخيرة حيث كان الحملات والهاشتاغات تنتشر في الصفحات والحسابات الموالية، فإن اللقاء الذي جمع الزعيمين كان بارداً ومملاً وخالياً من الإثارة التي حضرت في اجتماعات الأسد السابقة مع حلفائه، عندما كان بوتين يتعمد إهانة الأسد وتحجيمه وكأنه مجرد موظف حكومي روسي أو رئيس بلدية ريفية صغيرة يتلقى شرف لقاء المسؤولين الأعلى رتبة.

على أن اللقاء الخالي من الأحداث المثيرة كان مفاجئاً فعلاً، ليس من ناحية عدم الإعلان عنه مسبقاً أو تقديم مزيد من التفاصيل بشأنه لاحقاً عبر المنافذ الإعلامية الرسمية، فقط، بل من ناحية حضور قليل من البروتوكولات الدبلوماسية والتركيز على الاحترام المتبادل الذي يكنه بوتين للأسد، كمدخل يقود لمقارنة لا بد منها على عدة مستويات بين الولايات المتحدة وروسيا في العلاقة مع الحلفاء ونتائج التدخلات العسكرية.



فمن جهة، يظهر بوتين فارق التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ العام 2015 والذي قاد إلى انتصار النظام في الحرب على المعارضة، مقابل الانسحاب الأميركي من أفغانستان الذي لم يفض إلى نتيجة بعد 20 عاماً من الحرب على الإرهاب الإسلامي وعودة حركة "طالبان" المتشددة إلى السلطة. ومن جهة أخرى فإن بوتين الذي يظهر نفسه كرجل عطوف يعرف تفاصيل الحياة الشخصية لحليفه، كعيد ميلاده ونتائج انتخاباته، مقابل الغطرسة الأميركية التي تدفع واشنطن للتخلي عن أقرب حلفائها في لحظة من دون تنسيق ومن دون احترام.

هذه النوعية من البروباغندا تتكرر في السنوات الأخيرة وبالتحديد مع وجود رئيس مزاجي ومتقلب في البيت الأبيض مثل دونالد ترامب بين العامين 2016 و2020 والتوتر الذي أضفاه على العلاقات الدولية حتى مع أقرب حلفاء واشنطن بين ضفتي الأطلسي. وكان بوتين بالمقابل يصور نفسه من خلال زياراته إلى سوريا أو استقبالاته للأسد في موسكو، كقائد وزعيم سياسي وعسكري للقوة العظمى التي تدخلت في مسار الحرب السورية وقلبتها رأساً على عقب، كرمزية لاستعراض النفوذ الروسي المتجدد عالمياً بالتوازي مع توسيع نفوذ موسكو الجغرافي نحو البحر المتوسط.

وبالتالي كان هنالك دائماً تحجيم متعمد للأسد في الصورة الإعلامية التي تظهره يبادر بعناق بوتين في حميميم العام 2017 على سبيل المثال، أو استدعائه إلى قاعدة عسكرية روسية العام 2020، إلى جانب الخرق الروسي المتكرر للبروتوكولات الدبلوماسية المتعارف عليها بين الرؤساء، مثل الإصرار على إزالة كافة الرموز السورية كالأعلام والصور، مقابل تكثيف رموز السيادة الروسية، ولم يكن ذلك مجرد طريقة يظهر بها بوتين كيف يتعامل مع الاسد على أنه موظف لديه، أو حقيقة أن موسكو لا تعترف بالارض السورية كأرض ذات سيادة وتستدعي التعامل بالند، فقط، بل أيضاً طريقة لإظهار القوة على المستوى الدولي في مقابل الضعف الأميركي.

والحال أن روسيا ضمنت بقاءها في سوريا إلى أجل غير مسمى في البلاد، عبر قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس، وقواعد أخرى، بفعل الاتفاقية الموقعة مع النظام السوري والتي كشف عنها أواخر العام 2016. وتصبح سوريا، في هذه الصورة، تحت الوصاية الروسية في أقل تقدير، أو كأنها مقاطعة على أطراف الإمبراطورية الروسية. علماً أن مجموعة سياسيين وناشطين روس، قدموا اقتراحاً إلى بوتين مطلع العام 2017، لإنشاء كونفدرالية بين سوريا وروسيا، وضم دمشق رسمياً كجزء من الدولة الروسية، وهو خيار لم يلقَ صدىً لدى الكرملين، لكنه يعطي لمحة عن طريقة التفكير الروسية في الحليف السوري.

ومع الحديث عن الانتصار وتحرير الأراضي السورية من الإرهاب والتمييز بين الوجود الأجنبي الشرعي و"الاحتلال السافر"، فإن بوتين لا الأسد يوجه رسائل لواشنطن التي مازالت تحتفظ بحضور عسكري محدود شمال شرق البلاد، بضرورة الانسحاب على الطريقة الأفغانية. والفارق بين الطرفين هنا هو أن الروس يحتفظون بقوتهم المتمركزة في قاعدتي اللاذقية وطرطوس، اللتين تمتلكان "شرعية" بسبب المعاهدة الموقعة بين الدولتين الروسية والأسدية، بعكس أي وجود عسكري آخر، بما في ذلك الوجود الأميركي.

واعتبر بوتين في حديثه مع الأسد أن توطيد الدولة يعيقه التواجد غير الشرعي للقوات الأجنبية في سوريا. وقال: "في رأيي، إن المشكلة الرئيسية تكمن في تواجد القوات الأجنبية في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة، ودون إذن منكم، الأمر الذي يتعارض مع القانون الدولي ولا يمنحكم الفرصة لبذل أقصى الجهود لتوطيد البلاد والمضي قدما في طريق إعادة الإعمار بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية". ويصبح لذلك الكلام معنى إضافي في الدعاية الروسية بالنظر إلى ما جرى في أفغانستان.

بالتالي، فإن التركيز على البروتوكول وادعاء الاحترام والود يتحول فجأة إلى إهانة جديدة بحد ذاته، لأن بوتين وفق هذا المعطى يستغل "الرموز السورية المقدسة" بما في الأسد شخصياً كرمز أعلى للدولة الأسدية، من أجل إيصال رسائل خاصة به لا أكثر. ولا تعتبر تلك النتيجة مفاجئة، نظراً لانعدام وزن الأسد السياسي وفقدانه الشرعية بعد الثورة الشعبية ضده العام 2011، وهي حقيقة يعرفها حلفاؤه جيداً مثلما يدركها خصومه.

فإن كان بقاء الأسد على رأس السلطة في البلاد قد تحقق، إلا أن الثمن كان مكلفاً، حيث اعتمد النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة للسيطرة على البلاد، وقتل نحو نصف مليون سوري منذ انطلاقة الثورة السورية وتشرد نصف سكان البلاد بين لجوء خارجي ونزوح داخلي، فيما انهار اقتصاد البلاد. وفوق كومة الخراب المسماة سوريا، بقي الأسد مُكرساً صورته كديكتاتور دموي، لا أكثر.

يشكل ذلك مشكلة للروس أنفسهم لأن تدخلهم لإنقاذ النظام يستدعي الحفاظ على الأسد في السلطة بوصفه النظام نفسه، ويصيح وجود الأسد في السلطة دليلاً على فعالية التدخلات العسكرية الروسية والتحالفات التي تجريها موسكو على الصعيد العالمي. على أن حضور الأسد في الوقت نفسه هو المشكلة الأكبر لمستقبل سوريا مع تحوله إلى رئيس ميليشا تتسلط على الناس للحفاظ على مصالح شبكة الرعاة التي أسهمت في نجاته، ويحول ذلك البلاد إلى برميل من البارود ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار.

وبالطبع فإن هذا النوع من عدم الاستقرار ليس انتصاراً بأي حال من الأحوال. ويصبح الجمود الحالي في الشأن السوري، الذي لا يرضي الكرملين بدليل انتقادات روسية سابقة لـ"القيادة الحكيمة" في سوريا، مفتاحاً لتقديرات لا مفر منها، بأن العالم قد يشمت في المستقبل بالروس على إخفاقهم في سوريا مثلما يشمت الروس بالأميركيين اليوم على "هزيمتهم في أفغانستان. المسألة في الوقت فقط.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024