#قاطعوا_ام_تي_في: المحلل الفيّاض أكثر من اللازم

روجيه عوطة

الإثنين 2017/11/06
أنتجت البلاد مهزلة جديدة على وقع إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. وسرعان ما حظيت هذه المهزلة بمشهدها التلفزيوني. إذ استقبل وليد عبود "بموضوعيتـ"ـه، وإلى جانب النائب خالد الضاهر، المحلل السياسي حبيب فياض، وفي الوقت نفسه، تلقى اتصالاً من وزير الدولة لشؤون الخليج في المملكة السعودية ثامر السبهان.
تكلم ضيف الهاتف عن "حزب الله"، وصفه بالإرهابي، قاطعه فياض مرات، ولما استكمل السبهان حديثه، عاد فياض إلى مقاطعته قبل أن ينهي الرد عليه بعبارة " اخرس، انت شارب بول بعير وجايي"

قبل هذا وبعده، كان عبود قد حاول تهدئة فياض، لكنه لم يقدر. الضاهر أيضاً، لكنه لم يستطع. قال فياض أن الوزير السبهان "استفزه"، إلا أن هذا "الإستفزاز" فعلياً لا مبرر له. فموقف الوزير، ومعه مملكته، من "حزب الله"، معروف للغاية. لكن المحلل، الذي لا شك في أنه عليم بهذا الموقف، فيّاض بغضبه، الذي لا يعبّر عنه سوى بالإستقواء على المحيطين به، ولو كانوا يسعون إلى تسكينه، أو إلى إخماد حفيظته بالإستناد إلى ما يسمونه "أصول الحوار".
ضبط المحلل ذاته قليلاً، وانتظر انتهاء الضاهر من كلامه، حتى يستأنف غضبه، متنازلاً عن نبرته الحادة.

وفي تلك اللحظة، قاطعه حليفه جبران باسيل بمؤتمر صحافي، وبعد المؤتمر، فقرة إعلانية، وبعد الفقرة، بدا أن هناك قراراً أخذته إدارة المحطة بإبعاده عن هوائها، فطلب منه عبود أن يترك الإستديو "لأنو ما بتخلي حدا يحكي، بتشكرك". وعندها، انتقل النزاع بين المحلل والوزير إلى نزاع بين المذيع والمحلل، الذي استفهم منه عن الثمن "الذي قبضه"، قبل أن يقلع الميكروفون من بدلته، وينصرف.

تتجسد المهزلة الجديدة في هذا المشهد التلفزيوني. محلل سياسي من "حزب الله" وبوق لمحور "المقاومة والممانعة"، لا يتوانى عن الإستقواء تحت حجة "إستفزازه" بموقف معروف جيداً من جهته. الأخير، أي الموقف، يطلقه وزيرٌ، مملكته تستدعي رئيس حكومة وتقيله تحت حجة "المواجهة".

الأخيرة، أي المواجهة، هي التي لوحت قناة "أم.تي.في" بها للمملكة، لكي تستحصل على الدعم المالي منها. ومذيع يعمل في هذه المحطة، يقدم برنامج "حواري"، ما عاد، ومنذ وقت طويل، بإمكانه أن يجذب الأنظار إليه من دون أن يسير من الرصانة إلى الصراخ، ومن الرجاحة إلى الجلبة، ومن الكلام إلى التلاسن، ومن الجلوس إلى التضارب بالأيدي والكراسي. 

فقد كان كل شيء جاهز ليسير البرنامج من ألفه إلى يائه على هذا النحو التصاعدي، وبالتالي، يحقق بغيته الأولية، وهي ليست "الحوار" طبعاً، بل التفرج عليه. ولربما توقع المذيع أن حلقته سيتخللها توتر، أو صدام، بين ضيفيه في الإستديو، وهو جاهر بذلك. لكن نزوعه إلى الحصرية، التي تمتنها "سياسة" المحطة، جعله يستقبل إتصال الوزير، الذي أدلى برأيه، فحدث ما حدث: أفسد فياض اللعبة "الشاشاتية"، أخذ عبارة من قاموس الإزدراء اللبناني للخليج باعتباره غير متحضر، مجرد صحراء وإبل، ليرد بها على موقف السبهان. 

يدرك المذيع أن إفساد اللعبة جزء من اللعبة، يسعى إلى تهدئته، وفي سره أن فيض الغضب والإستفزاز سيشد المتفرجين أكثر، ولاحقاً تعود السكينة. لكن إدارة المحطة تقرر أن إفساد اللعبة يجب أن يتواصل، فتطلب من المذيع طرد ضيفه، فيطرده، وفي أثناء ذلك، يحاول أن يشرح السبب بالإرتكاز إلى "أصول الحوار"، إلا أن المحلل يصعّد في إفساد اللعبة، ويستفهم عن "القبض" بهدف الإنتقال من إفساد اللعبة إلى فضحها.

على أن اللعبة، وإفسادها بوصفه جزءاً منها، لا يتوقف هنا. فبعد الشاشة التلفزيونية، هناك الشاشة الإنترنتية. انطلق في "تويتر" هاشتاغ #قاطعوا_أم_تي_في. روج له المشتركون، الذين ينتظرون واقعة تنشط فعاليتهم الميديوية. ولكي ينخرطوا فيها، لم يتكئوا سوى على تطابق بين "حبيب فياض" و"حبيب الشرتوني"، فسجلوا، وبلاسامية مبتذلة، أن "لكل وليد يهود حبيب"، وأن "قناة إم تي في هي قناة اليهود بلباس عربي". 

تتكاثر التغريدات التي تدعو، وبإضافة شتيمة بين كلمة وأخرى، إلى مقاطعة "أم تي في". ذلك، أنه يجب معاقبتها لأنها لم تستمر، وبمعية ضيفها، في اللعبة، التي ابتغتها وعمد إلى تكريسها، قبل أن تتخلى عنه عندما كان فياضاً أكثر من اللازم، أي مفرطاً في إفساد اللعبة إياها. 

لكن شاشة الإنترنت لها لعبتها أيضاً، التي تبدأ بهاشتاغ، غير أنها لا تنضبط فيه. فبين المشتركين الداعين إلى مقاطعة المحطة، مَن يستعين بالتهكم، وهو سمة من سمات اللعبة حين تشرع في الدوران على نفسها، فيكتب: "نقاطع.. بس يعني ما منشوف إلا المنار؟"، أو يذهب غيره إلى التغريد بـ"لازم توقف هالمحطة بس المشكلة وين بدنا نحضر الدوري اللبناني؟".
 
هرج ومرج، واللعبة تتعاظم من شاشة إفسادها إلى شاشة فضحها، وتتمادى في جذب المتفرجين عليها، وهم الذين يضحون مشتركين فيها. وهذا إلى أن يطل قائد "حزب الله" ويأمر بالتوقف عنها. فهو "الأكثر مشاهدة" فيها، أو "السوبر ستار"، على ما قدمته زينة خليل في تلك اللوحة أزيلت من معرض بيروت للفنون في العام 2012. 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024