#ناجي_الفليطي.. من الموت إلى الموت

المدن - ميديا

الإثنين 2019/12/02
يمثّل انتحار ناجي الفليطي تعبيراً صارخاً عن فقدان الأمل أكثر مما هو انعكاس لوجع معاناة الواقع. فالرجل الأربعيني، الذي قرر إنهاء حياته، لعدم امتلاكه ألف ليرة طلبتها ابنته مصروفاً للمدرسة، جاء انتحاره لينقل صوت صرخات الفقراء والمحتاجين بالشكل الأقصى، والتي كانت نتيجة للإحباط من أن وضعه لن يلاقي أي تحسّن أو تغيير.


صرخات الثوار ومطالبهم والمشهديات اليومية التي صنعوها في مختلف المناطق، كلّها لم تحرك أياً من المسؤولين في السلطة، الذين ما زالوا مصرين على تجاهل أي مطلب بالتغيير، مسخّرين قدراتهم لإعادة فرز أنفسهم والتشبث بمواقعهم وحصصهم، وماضين في التعنّت والتعامل مع لبنان وكأنه مزرعة وليس وطن، يعيش فيه شعب لديه حقوق. أما رأس السلطة، الذي كان يعول عليه البعض، باعتباره "بيّ الكل" الساعي إلى جمعهم وتحصيل حقوقهم، أصابت دعوته، كل من لا يرى في السلطة أوادم إلى ترك البلد والهجرة بعيداً، الأوادم من الطبقات الفقيرة والمسحوقة، أمثال ناجي الفليطي، الذين بدا من الواضح أنه لا يرى معاناتهم ولا تعنيه مآسيهم.

فالفليطي، ونصف الشعب من أمثاله، باتوا لا يملكون ثمن لقمة عيشهم، في حين أن الرئيس يطالبهم بشراء تذكرة سفر والاستحصال على فيزا تعبر بهم الى جنة خلاصهم من الوطن الذي آل جحيماً بفضل الطبقة الحاكمة.

انتحار الفليطي هزّ ضمائر الشرفاء من اللبنانيين، وأشعل سجالاً في مواقع التواصل، حيث عبّر كثيرون عن غضبهم من "بئس البلد الذي ليس بمقدور مواطن فيه أن يشتري منقوشة لابنته". وفي السياق كتب الناشط أسعد ذبيان: "في وطني شخص ينتحر من أجل ألف ليرة، ورئيس البلاد يهمه ألا تحكي بالسوء عن الألف ليرة". كما علّق الناشط علي فخزي قائلاً: "ناجي الفليطي مات لأن النظام الطبقي الرأسمالي المتوحش سحقه، مات لأن الزعيم سارق يلي من حقه وكرمال يعبي جيوبه حرم مناطق بأكملها من الانماء، مات لأن معاشه يا بده يكفيه علاج زوجته من السرطان لأن ما في ضمان صحي للجميع، يا بدهم ياكلو فيه. مات لأن ابسط مقومات الحياة ذل يومي. لا ابنته ولا زوجته قتلوه، الي قتله هو النظام. العالم بتنهي حياتها من الاكتئاب، من الزهق من صحة نفسية تعبانة، بلبنان الناس بتنهي حياتها من الجوع".

بدورها تساءلت الاعلامية نجوى قاسم: "يا مسؤولي لبنان وسياسييه هل جلستم اليوم الى مائدة الطعام مع اولادكم؟ هل استطعتم؟". وضمن هاشتاغ #ناجي_الفليطي، الذي تصدر قائمة الاكثر تداولاً في "تويتر"، علقت احدى المغردات قائلة: "بدلاً من التمعّن في مدى الاحباط واليأس الذي دفع الفليطي إلى هذا المصير، وتوجيه اللوم والغضب نحو المسؤولين الفعليين المستهترين، الذين يرون ان حياة الناس او موتهم سواء، طالما انهم متربعون على عروشهم ويعومون فوق ثرواتهم، إلا أن بعض المغردين قاربوا مسألى انتحار الفليطي من نظرة دينية بحتة، من حيث تحريمها لقتل النفس. الأمر الذي ردّ عليه آخرون بالقول إنّ "أغلب المنتحرين لا يريدون الموت.. كانوا فقط يريدون أن ينتهي الألم". وكتب آخرون:"لا غرابة كيف ما زلنا نراك..[ناجيا] من الموت للموت"، وناجي لم ينتحر..ناجي قُتل..والجميع يعرف القاتل أيّها اللبنانيون".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024