"لُعبة الاستفزاز": إسرائيل تردّ على لبنان بحُدود موسعة!

أدهم مناصرة

السبت 2020/11/07
أظهرت مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، الجارية في قاعدة "يونيفيل" بالناقورة، أن تغطية الصحافة العبرية لمجرياتها إما منقوصة نتيجة قلة المعلومات، أو موجهة من المُستوى السياسي والأمني الإسرائيلي.

فبعد أيام على حملة إسرائيلية تصدرتها القناة "12" ضد قائد جيش لبنان جوزيف عون، بذريعة أنه أوعز لوفده المُفاوض تقديم خريطة "استفزازية ومفاجئة" تطالب بحدود بحرية موسعة بناء على تقسيم العام 1923 خلال فترة الانتداب بين فرنسا وبريطانيا، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل كما لبنان هي الأخرى قدمت طرحاً "استفزازياً ومتطرفاً في مقابل الطرح اللبناني".

وبحسب المراسل السياسي للصحيفة العبرية، أريئيل كهانا، الذي كتب التقرير حول مستجدات المفاوضات المذكورة، فإن صعوبات جوهرية نشأت، بسبب "طروحات الجانبين المتشددة"، خلال الجولة الأخيرة للمحادثات الجارية بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم خط الحدود البحرية بينهما، بوساطة أميركية ورعاية أممية.

وطرح لبنان في المحادثات الأخيرة، بحسب "اسرائيل اليوم"، خطاً حدودياً جنوبياً أطول من الخط الذي أودعته لبنان لدى الأمم المتحدة العام 2010 (الخط الأخضر في الخريطة التي نشرتها الصحيفة الإسرائيلية)، وذلك بهدف زيادة منطقته الاقتصادية والاقتراب أكثر من مستودعات الغاز التي تم اكتشافها في حقلي "كريش" و"لفياتان" الإسرائيليين.

والواقع، أنّ الخرائط التي وصفتها صحيفة "إسرائيل اليوم" بـ"الاستفزازية من الجانبين"، بدت لُعبة متوقعة بينهما، رغم الزعم الإسرائيلي بأن "خريطة لبنان كانت مُفاجئة"، إذ أن إسرائيل استعدت مسبقاً، وحتى قبل الجولة الثانية للمفاوضات، لما أسمته "الاستفزاز اللبناني الرامي إلى الحصول على مساحة تنشط فيها إسرائيل منذ عقد من السنوات".

وردّ رؤساء الوفد الإسرائيلي على اللبنانيين قائلين "إن وزير الطاقة يوفال شتانيتس خوّلنا صلاحية التفاوض فقط حول المنطقة الواقعة شمالي الخط الأخضر وليس ما وراءه". لكنّ الرد الإسرائيلي لم يتوقف عند هذا الحد، فبعدما طرح الوفد اللبناني موقفه بشأن الحصول على منطقة لم يطالب بها بتاتاً في السابق، كما تزعم إسرائيل، طرحت الأخيرة خطاً من جانب وفدها "يُكشف النقاب عنه هنا للمرة الأولى". وهذا الخط الحدودي (الخط الأسود في الخريطة المنشورة) يقع إلى شمال الخط الذي أودعته إسرائيل في الأمم المتحدة العام 2010 (الخط الأزرق في الخريطة).

وهنا، حاول الوفد الإسرائيلي أن يتبع تكتيكاً مفاده "وأنا أيضاً أمتلك خريطة موسعة"، عندما عرض "تسويغات قانونية" تبرر مطلب إسرائيل حيال المنطقة الموسعة، لكنه ادعى "سخاءه وكرمه"، حينما قال: "إنهم غير معنيين حقاً بالخط الأسود بل يريدون إجراء مفاوضات فقط حول المثلث المعروف مسبقاً بأنه موضع خلاف". ورغم ذلك، يقول كهانا أن الوفد الإسرائيلي "أوضح أنه في حال قيام اللبنانيين بعرض مواقف متطرفة بإمكان إسرائيل أن تفعل ذلك أيضاً".

وكدلالة على التحضير الاسرائيلي المسبق لتكتيكات التفاوض الساعية إلى إرباك الخصم اللبناني والضغط عليه، كشفت "اسرائيل اليوم" أنه خلال المداولات المسبقة التي جرت في إسرائيل استعداداً لجولة المحادثات الثانية، عُرض أمام الوزير شتاينيتس خطان حدوديان محتملان يشكلان "استفزازاً مضاداً للاستفزاز اللبناني"، مشيرة إلى أن "الاحتمال الأول هو الخط الأسود الذي اختاره شتاينيتس لعرض موقف أكثر اعتدالاً". والاحتمال الثاني المُسمى أزيموت 310 (الخط الأحمر) يقضم مساحات أكبر من المياه الاقتصادية اللبنانية.

غير أن دولة الاحتلال لم تهمل ايضاً الاحتمال الثاني، حيث نقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصدر رفيع المستوى بصفته مطلعاً على التفصيلات في الطاقم الإسرائيلي قوله أنه "يمكن إيجاد مسوغات جديرة أيضاً لخط 310، لكن وزير الطاقة أوعز إلى الوفد بطرح الخط الأكثر اعتدالاً". وشدّد المصدر نفسه على أنه فقط في حال تبنّي الجانبين اللبناني والإسرائيلي "توجهاً براغماتياً" يمكن التقدم إلى الأمام وحل نقاط الخلاف، مكرراً الجملة المعروفة وهي "أن إسرائيل لن تناقش أي خط حدودي جنوبي الخط الأخضر الذي عرضه لبنان في الأمم المتحدة العام 2010".

إذاً، هي لعبة "الخرائط الموسعة" التي يمارسها الوفدان اللبناني والإسرائيلي. ولعل مبادرة وفد لبنان لهذه اللعبة، على افتراض أنها وسيلة للحصول على كامل المساحة الخلافية المعروفة منذ 2010 والبالغة 860 كيلومتراً مربعاً، تظهر مهارات تفاوضية لوفد لبنان تستفز إسرائيل أكثر من الخريطة اللبنانية الموسعة بحد ذاتها. فقد بدا وفد لبنان متخصصاً وخبيراً وقادراً على المُناورة والمُفاجأة النابعة من المعرفة الجيدة للعقلية الإسرائيلية ومُقايضاتها.

وذهبت أوساط إسرائيلية إلى تسمية ما يجري بـ"استفزاز مقابل استفزاز" وأن خريطة إسرائيل الموسعة ما هي إلا رد فعل على الخريطة اللبنانية الجديدة، مدعية أن الوفد اللبناني قدم خريطة تمثل تراجعاً اصلاً عن الموقف اللبناني العام 2010، وأن إسرائيل وضعت خريطتها بناء على ما تم الاتفاق عليه مع لبنان قبل عشر سنوات، متهمة الوفد اللبناني بأنه "يناور بين موقف حزب الله والمصلحة اللبنانية في إنجاح المفاوضات"، وأن "مصلحة الحزب هي أن تتقدم المفاوضات ببطء شديد".

من ناحية ثانية، تساءلت قراءات إعلامية وسياسية إسرائيلية حول مصير "مفاوضات الترسيم" ومآلاتها، في ضوء نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ أن أوساطاً سياسية وأمنية في تل أبيب تعتقد أن إمكانية نجاحها لو بقي ترامب، نظراً لسياسة الحسم والضغط التي يتبعها، تكون أكبر، لكن دوائر استراتيجية إسرائيلية أخرى ترى أن الملف اللبناني وترسيم الحدود، يبقى على سلم اهتمام السياسة الخارجية الأميركية بغض النظر عن هوية واسم رئيس الولايات المتحدة المقبل. 

"الخريطة 1": الخريطة الأصلية باللغة الإنجليزية، تم تقديمها مع انطلاق المفاوضات بحسب "إسرائيل اليوم".



"الخريطة 2" نشرتها "إسرائيل اليوم" وفيها:


الخط الأحمر: المطالب الموسعة التي خططت اسرائيل لعرضها.
الخط الأسود: المطالب الإسرائيلية في المحادثات.
الخط الأزرق: الحدود التي قدمتها إسرائيل للأمم المتحدة العام 2010.
الخط الأخضر: الحدود التي قدمتها لبنان للأمم المتحدة العام 2010.
بين الخطين الأزرق والأخضر: المنطقة المتنازع عليها فوق الخط الاحمر منطقة بحرية لبنانية. وتحت الأخضر منطقة اسرائيلية.
النقطة الحمراء مدينة صور. وتحتها باليابسة كلمة معناها لبنان وتحتها إسرائيل.
في الزاوية إلى اليسار بجانب الخط المتقطع الأسود: منطقة تابعة لقبرص.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024