"المستقلون الشيعة".. حيث لا يُصرَف شعار "صفر خوف"

نذير رضا

الجمعة 2021/02/12
شعار "صفر خوف" الذي رُفع بعد مقتل الباحث والناشر لقمان سليم، لا يتعدى كونه شعار الأمل والأمنية، وجميل المظهر في وسائل الاعلام، لكنه أعجز من أن يكون شعاراً سياسياً لمرحلة جديدة، بدأت باغتيال أحد أبرز الوجوه الشيعية خارج اطار الثنائي الشيعي المتمثل في "حركة أمل" و"حزب الله". 

ومن الظلم وسمُ الناشط والباحث والناشر، لقمان سليم، سليم بأنه مجرد "معارض شيعي"، فهويته الوطنية اللبنانية تتجاوز الطائفة التي يتحدر منها، وتكوينه الثقافي ليس بالقليل أو الهامشي. في السياسة، لعل الدقة تفرض وصفه بمعارض سياسي للسلطة، يتّصف بدراية عميقة بالبيئة الشيعية كونه على تماس معها، ويستطيع تفكيك منطقها السياسي.

هذا الجانب العميق في لقمان، لم تكترث له وسائل إعلام كثيرة، قبل اغتياله، إذ أمعنت في تسليط الضوء عليه كمعارض للثنائي الشيعي وحشرته في هذا الكادر فقط، ربما لأغراض سياسية، ما دفعت أصدقاء له إلى مفاتحته في الموضوع، بالإشارة إلى أن بعض الإعلام يستثمر في هويته الشيعية لغرض سياسي، وصولاً الى وصفه بـ"الانتحاري" و"الشهيد الحي"ّ. 

على أن هذه الإضاءة الإعلامية، هي نفسها مثار تردد وخوف عند الكثير من المستقلين الشيعة، الذين لا يلتقون مع "حزب الله" في الخط السياسي، أو يعارضون توجهاته. والخوف اليوم، يتأتّى من أن تكون إضاءة مشابهة، تمهيداً لتهديد يأتي، على الأرجح، من مناصري البيئة نفسها... أو تفتح شهية جهة، أي جهة (انطلاقاً من الاتهامات في الاتجاهين والسرديات الشائعة منذ اغتيال لقمان سليم)، على استثمار التشظي وعدم الحماية السياسية للقيام بفعل قتل، بعد تسجيل سابقة باغتيال سليم، الذي سُجّلت بمقتله أول عملية اغتيال لشيعي منذ 2005 أو قبل ذلك، وهذا ما لا يمكن اعتباره تفصيلاً. 

هذا الجانب من الخوف المبرر، يتمدد واقعاً، ويُثار بعد انتشار لوائح بأسماء وصور معارضين شيعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما عبّر عنه الزميل محمد بركات في إطلالته ضمن برنامج "صار الوقت"، مساء الخميس، وإشارته الى مفاتحة وزير الداخلية محمد فهمي، بموضوع طلب الحماية، وأنه ملف يجب أن يُطرح في المجلس الاعلى للدفاع. 

والخوف، يُضاف الى إحباط يعانيه المستقلون الشيعة، منذ العام 2005، إثر فشل "اللقاء الشيعي" المعارض لحركة "أمل" و"حزب الله" في تشكيل جبهة قادرة على تحقيق دفعة سياسية مختلفة خارج إطار الثنائي الشيعي، وتعرضها لضربة في الصميم إثر التحالف الرباعي في انتخابات العام 2005، رغم أن قوى وجماهير 14 آذار، في ذلك الوقت، كانت الأقدر على دعم حالة شيعية ثالثة، وانتهت في تسويات أحزاب السلطة وأطرافها. 

منذ ذلك الوقت، تعرض الشيعة المستقلون للمقايضة وعمليات البيع والشراء في بازار التسويات السياسية الداخلية، وهي حال معظم الأطراف السياسية التي تغرد خارج خطاب طوائف تتحدر منها.. وربما اختبر المستقلون الشيعة مقايضة دولية، كون الغرب يتعاطى مع أمر واقع، بما يتجاوز المبدئية، على الأقل في الزمن المنظور. 

هذه الاعتبارات، تجعل من شعار "صفر خوف" على مستوى المستقلين الشيعة، غير قابل للصرف، خلافاً لما هو عليه لدى أطراف أخرى، خصوصاً المسيحيين الذين تتنوع قياداتهم ومرجعياتهم، وتتنافر وتتصارع، بما يتيح علو صوت وخفوت آخر. فلا يوسم المستقل، إذا كان معارضاً لـ"القوات"، على انه "تيار وطني حر"، ولا يوسم بصبغة "التيار" إذا اختلف مع شعار "القوات"... 

ولا تزيل مشهدية "الرعاية الدولية" لتكريم لقمان سليم، تلك الالتباسات والمخاوف، على الأقل بعد اسبوع على اغتياله. فمن يشعر بأنه متروك لمصيره، يلوذ بالصمت، أو ينكفئ سياسياً وجغرافياً عن بيئته، وهو حال مستقلين عن "الثنائي" ويختلفون معه، تجنباً لـ"وجع الرأس". 

منذ 16 عاماً، طبعت ثلاث تسميات مسيرة المستقلين الشيعة. "شيعة 14 آذار" و"المعارضة الشيعية"، وفي مقابلهما تسمية "شيعة السفارة". انفجرت تلك التسميات في وسائل الإعلام، وازداد هؤلاء انكشافاً وترهيباً. فالأمر لم يعد مجرد حملات إلكترونية تستدعي تأييداً ومؤازرة. باتت مجبولة بالدم، وهو ما يجعل المستقلين الشيعة الآن في أكثر اللحظات ضعفاً، ولو أرادت وسائل الإعلام غير ذلك!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024