العيد الوطني للسعودية: الاحتفالات المختلطة.. "وطنية المعاصي"!

المدن - ميديا

الإثنين 2017/09/25
أظهرت الاحتفالات الواسعة باليوم الوطني في السعودية، وما رافقها من جدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صعوبة المهمة التي تنتظر ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، من أجل تنفيذ حزمة الإصلاحات التي يريد من خلالها تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً من النفط وبث شيء من الحيوية في المجتمع السعودي المحافظ.


وتصدّر هاشتاغ #الوطنيه_ليست_بالمعاصي، موقع "تويتر" على الصعيد العالمي، ومازال تداوله مستمراً حتى اللحظة، مع احتجاج مئات الآلاف من السعوديين لما يعتبرونه "معصية" بعد ظهور مقاطع مصورة تظهر الاحتفالات الصاخبة بالعيد الوطني يوم السبت، والتي تم تنظيمها في شوارع المملكة وقام فيها الشباب بالرقص والغناء على أنغام موسيقى عربية وغربية، في مشهد غير مألوف وقد يكون صادماً في البلاد التي عرفت طويلاً بأنها واحدة من أكثر الدول انغلاقاً ورجعية.

وقال كثيرون أن الاحتفال بالعيد الوطني لا يكون "بالمجاهرة بالمعاصي والرقص والاختلاط" بل عن طريق خدمة الوطن والدفاع عن أراضيه، وقارنوا بين الدول المحيطة بالسعودية التي تشهد اضطرابات وحروباً مع المشهد معتبرين أنه "مجاهرة بالمعاصي عبر الرقص والاختلاط" وأن المصير قد يكون واحداً مع البلاد الأخرى خصوصاً أن المشهد ترافق مع "صمت العلماء".


يأتي ذلك بعد ساعات قليلة من سماح السلطات السعودية للنساء بدخول استاد الملك فهد الدولي في الرياض والمشاركة في الاحتفالات، للمرة الأولى في تاريخ المملكة التي تمنع النساء من المشاركة في النشاطات العامة أو حضور المباريات الرياضية، من أجل "منع الاختلاط بين الجنسين"، حيث تعتبر السعودية واحدة من أكثر البلدان التي تفصل بين الذكور والإناث في المدارس والجامعات وكافة مجالات الحياة الأخرى.

وتحدث المغردون عن أمور مثل مسألة الاختلاط بين الجنسين والعروض وحفلات موسيقية التي لم تكن بهذا الحجم في السابق والتركيز على مسألة الوطنية أكثر من الدين. وحصد الهاشتاغ أكثر من 100 ألف تغريدة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، مدفوعاً باحتجاجات من رجال دين محافظين، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وروجت وسائل الإعلام السعودية للاحتفالات بما في ذلك المهرجان الغنائي الكبير في ملعب الجوهرة في مدينة جدة وعدداً من المسرحيات ولوحات الأوبريت وفعاليات مختلفة ونشرت صوراً لرجال ونساء وهم يحملون الأعلام السعودية في الشوارع وفي السيارات، ويعطي ذلك انطباعاً بأن السلطات سمحت بكل تلك المظاهر بشكل رسمي رغم عدم وجود نص صريح بذلك.



ومنذ الإعلان عن خطة الإصلاح التي تعرف باسم "رؤية 2030" كان من الواضح أن الأمير البالغ من العمر 31 عاماً ويوصف بأنه الرجل الأقوى في المملكة، سوف يواجه معارضة شرسة، ليس فقط من داخل العائلة المالكة، بل بالتحديد من طرف الشعب السعودي وطبقة رجال الدين التي تقود الشريحة المحافظة الأوسع في البلاد، بسبب تضررها بشكل واضح اقتصادياً وعلى مستوى النفوذ أيضاً، لأن حزمة الإصلاحات تتضمن إصلاحات اجتماعية وتخفيف سلطة رجال الدين وقوة الشريعة الإسلامية فيما يخص الحياة الفردية.

وفي مطلع شهر تموز/يوليو الماضي شهدت المملكة للمرة الأولى في تاريخها نقاشاً عاماً حول السلطة الدينية في البلاد، وتم عرض المناقشات المتعلقة بالسياسات الخارجية والآراء المعارضة للسلطة الدينية بشكل أكبر عبر وسائل الإعلام المحلية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك فيها سياسيون سعوديون، حسبما تؤكد صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، اتي ترى أن الجدل ككل جزء من صراع الأمير محمد بن سلمان مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تراقب القيم الأخلاقية والدينية في الأماكن العامة بصرامة.


ومنذ العقود الأولى لتشكيل الدولة السعودية، فرضت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفسيرها للضوابط الإسلامية على السلوك العام. ويعرف أفرادها أحياناً باسم المطاوعين الذين يحاربون "ألرذيلة" بالتعصب الديني، مع التركيز بدرجات متفاوتة على مر السنين على الاختلاط بين الجنسين، وإغلاق أماكن العمل خلال أوقات الصلاة والممارسات الصادقة في الأسواق العامة.

وعلى الرغم من أن تسميتها تشير إلى أنها لجنة مكونة من متطوعين إلا أن الهيئة في الواقع هي منظمة إدارية مستقلة ذات سلطة بيروقراطية عالية مرتبطة مباشرة بمجلس الوزراء، وتقدم نفسها على أن تنوب عن الملك للاضطلاع بواجباته في إنفاذ الشريعة الإسلامية، كما تستشهد أيضاً بسلسلة من اللوائح الرسمية لطبيعة سلطتها وهيكليتها، ورغم ذلك يتصرف أعضاء الهيئة وفقاً لفهمهم الخاص للشريعة الإسلامية، لدرجة أنهم أحياناً يتعرضون لانتقادات من المؤيدين المتدينين أنفسهم عندما تتمادى الهيئة في التعصب والتشدد.


وقبل عام واحد قصت الحكومة السعودية أجنحة الهيئة بتخفيض صلاحياتها، ويقول سعوديون في "تويتر" أن أفراد المؤسسة باتوا أقل ظهوراً، وعندما تتم رؤية أعضائها لا يظهرون نفس اهتماهم القديم بالحياة العامة مثلما كانوا طوال العقود الماضية، فيما انتشرت شائعات في الأشهر القليلة الماضية عبر مواقع التواصل بأن أيام الهيئة باتت معدودة، لكن ذلك لم يتحقق بعد ولم يتم اتخاذ خطوات رسمية علنية بهذا الصدد، لكن في شهر تموز/يوليو الماضي، أوصت الجمعية الاستشارية السعودية، وهي هيئة لا تتمتع بسلطة تشريعية كاملة لكنها تقوم باستعراض ومناقشة السياسات والإدارة العامة، بأن يتم ضم الهيئة لوزارة الشؤون الإسلامية، كما تم اقتراح أن يتم ضمها إلى وزارة الداخلية، وسيكون ذلك خفضاً كبيراً في مرتبة الهيئة ضمن أجهزة الدولة السعودية، لكونها تتمتع حتى الآن بسلطة كبيرة واستقلال ذاتي كهيئة لا تتبع لأحد.


يأتي ذلك كجزء من جهود الدولة السعودية لتعزيز نفسها، حيث يعيد حاكمو البلاد ترتيب "الإقطاعيات" في البلاد لتناسب احتياجاتهم الجديدة، مع استبدال القوانين القديمة بأخرى جديدة، مثل مناقشة إلغاء قانون الإعدام بصورة متزايدة في الفترة الأخيرة، وستكون هذه الخطوات المتطرفة جداً والجذرية في التغيير مدهشة إن حصلت، خصوصاً أن الهيئة تمتلك العديد من المؤيدين لبقائها ودورها في المجتمع، خصوصاً أن أفرادها ينتمون للفئات الأكثر تديناً في السعودية والتي فقدت تأثيرها القديم على سياسات الدولة، لكن التخلي عن طبقة رجال الدين بشكل كامل قد يكون مكلفاً لأنه يعني حرمان تلك الطبقة من الوظائف والعمل ما قد يخلق لديها ردّ فعل مضادة، وهو ما يبرز في الهاشتاغ المعارض للاحتفالات باليوم الوطني رغم عدم تحول المشهد إلى نوع من العنف على الأرض على سبيل المثال.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024