12 أيلول عيد العشاق الجديد

فرح سكرية

الأربعاء 2018/09/12
وما بين حبٍ وحبٍ أحبك أنت، أحبك كما يحبك آلاف غيري وكما استلمت بريد شوقهم. تخطيت كل العصور وكل الأزمنة واستوطنت مسراتي..

61 عاماً، تكللت بعشرات الأغاني وملايين كلمات العشق ْالتي جعلت من كاظم الساهر قيصرًا حقيقيًا للحب، والملاك الحارس لكل العلاقات.

منذ بداية ايلول تجتاح صور القيصر، مواقع التواصل. وكثُرت التهاني والاحتفالات الرمزية بعيد ميلاده. صورٌ تعلوها ألقاب، وأخرى مع اقتباساتٍ من أغانيه. غزل في كلامه، شكله، حركاته، حتى أن البعض تغزّل بعائلته. فأبو وسام، على ما يبدو، لم يعد فنانًا عادياً، بل وصل الى حد الجماهيرية المجنونة، التي انتهت بأن يطالب الجماهير - وأوّلهم أنا - بتغيير تاريخ عيد العشاق إلى 12 أيلول.

علاقتي به وراثية. كما أنا، كانت عمتي، وما زالت تطرب لأغانيه وتبكي شجنها الضائع، وعلاقاتها التي انتهت بالفشل. تستثني كاظم وتلعن كل الرجال. تُحرّم على نفسها الأغاني وتشدو ألحانه فقط.

كان من فروض حياتنا، كالعيد والمعمول. كان احتفالنا بألبومه الجديد وشريط الكاسيت الذي يحمل تفاصيل الأغاني بالكلمات، موسم عيدٍ آخر. في كل مرة يصدر له شريطٌ غنائيٌ، كنا اول بيت في القرية ينال شرف اقتنائه، ليستمر العيد حتى قبيل صدور الألبوم التالي.

كنا نجتمع في "الأوضة الصغيرة"، غرفة نوم عمتي، ومعنا ذلك المذياع الصغير، نسمع الأغاني كلها دفعةً واحدة، نبكي لبكاء عمتي، ونردد بعض ما حفظنا. أذكر أول اغنية حفظتها، وكنت أبلغ من العمر ستة أعوام، "بعد الحب وبعد العشرة نلتقي مثل الأغراب.."، ولشدة صعوبتها اضطررت أن أنسخها عشرات المرات قبل أن تمليها عليّ أختي لتتأكد أني حفظتها.

كنت لسذاجتي أظن أنه قريبي، شبّهته كثيراً بوالدي، لكن عمتي كانت تؤكد أنه عراقيٌ وليس لبنانياً. كنت أسألها كثيراً عما إذا كان يأكل مثلنا ويشرب، وترد في كل مرة ضاحكة أنه بشر وكل ما نفعله يفعله. لم اقتنع حتى الآن بفكرتها، وما زلت أجزم أنه خيالي. فحتى لو كان يأكل ويشرب، فإنه يملك تأثيراً في الروح ليس من صنع الإنسان.

لم يكن ذلك كله مجرد إعجاب بفنان. هذا ما أصبحت متأكدةً منه. إنه المرض الجميل في حياتي، الإدمان الغريب. لا أضع صوره على حائط غرفتي ولا أرسل له رسائل المعجبات. أحضر حفلاته كلما سنحت لي الفرصة. لكني أعلم أنه دوائي حين لا تنفع مسكنات الصداع، ولا الأدوية المنومة. علاقتي به غريبة، فهو يضحكني ويبكيني في آن. يحدثني في كل مرة يراني فيها حزينة، يحدثني عني، يغنيني، يغازلني وأكثر ما أحب حين يعاتبني.

اليوم تتكرر طفولتي مع كاظم بإبنَي أخي، خصوصاً ابن الست السنوات. حين علم أني ذاهبة لحضور حفلة لكاظم في إهدن، إتصل بي باكياً يعاتبني "كيف بدك تروحي من دوني، عنجد زعلت منك كتير". لم أكن أعرف أن حالتي مستعصية إلى هذا الحد الذي جعل طفلاً صغيراً يحب فناناً يكاد لا يفهم حتى ما يقول. عاودت الاتصال به بعدما استفقت من الصدمة وسألته عن سبب رغبته في حضور الحفلة، فأجابني: لأني أحبه، فقلت له: لماذا تحبه؟ هل تعرف ما يغني؟ فردّ بوضوحٍ: أحبه لأنك تحبينه ولأنه يبتسم كثيراً. سكتُّ طويلاً قبل أن أغلق الهاتف، وطبعاً اشتريت له بطاقة واصطحبته معي، ورأيت في عينيه لمعة عيني حين كنت في سنه وفرحتي بأغنية "ها حبيبي".

ربما أصبحت عمةً كعمتي، وربما سينتهي بي المطاف أستثني كاظم من كل الرجال. فهو العادل العاشق الوسيم الصادق، وكل رجال الأرض ذرات رمال.

حالتي ليست فريدة حتى لو دافعت عن فرادتها حتى الصباح. فلقد تحول اسمه رمزاً لكل معاني الحب، وصارت أغانيه هدايا العشاق والمتخاصمين على حدٍ سواء.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024