شبيحة لبنان يحتلون دراما رمضان

نذير رضا

الأربعاء 2019/05/15
"بقول للشباب يأدّبوه...؟"

"لأ.. مش هلق". 

جملتان وردتا في مسلسسل "خمسة ونص" على لسان البطلين نادين نسيب نجيم، وقصيّ خولي، يعرض خلالهما قصي على نادين "تأديب" صديق صديقتها السكير، الذي يضرب حبيبته كلما شرب الكحول. 

وقصيّ هنا، هو وريث زعيم سياسي، نافذ، ومحاط بالمرافقين والحراس. وهو ابن رئيس حزب، يسعى لتوريث ابنه في الحزب نفسه. 

تلك "الطبخة" من الحراس، واستعراض القوة، و"التشبيح" والسيارات بزجاج داكن، تنسف المبدأ الاساس بقكرة حضور الدولة، ووجودها كمرجعية قانونية وضابطة أمنية للاخلال بالقانون، والموكلة تحصيل الحقوق الفردية وردع المخلين. 

الصورة المتكررة في العمل، تنسحب على أعمال أخرى. ففي "الهيبة" ثمة مظاهر تشبيح تتخطى بيئة المناطق الحدودية النائية. في قلب المدينة، ثمة رجل نافذ (ثروت، ويلعب دوره جوزيف ابو نصار)، لا يُعرف ما إذا كان جزءاً من السلطة أم لا، يستعين بالحراس.

في احدى حواراته مع مدير اعماله المختص بالترتيبات الامنية، يزجره لأنه فشل بمعرفة استئجار جبل شيخ الجبل (الممثل تيم حسن) لشقة ملاصقة لمنزل تسكنه عشيقته (سيرين عبد النور)، ويصف جبل بأنه "من أخطر المجرمين". يقول للمسؤول الامني عنده: "سيارات وفيميه ورجال وما عرفتو فيه وهو ساكن من اسبوعين.. جيب رجال تانيين وانت اشرف على توظيفن". 

النموذجان سابقا الذكر، تم اقتطاعهما من مسلسلين لبنانيين. يروج العمَلان لصورة قائمة في البيئة اللبنانية، وينقلانها بحذافيرها. فظاهرة التشبيح الامني، كالاستعانة بمرافقين، واعتماد سيارات المواكبة بزجاج داكن لمواكب غير رسمية، لم تنتهِ مع نهاية الحرب، ولم تذعن لحضور الدولة. وجودها، بات جزءاً من تركيبة النفوذ، وارتبط بها الى حد وجودها بات مقبولاً، بوصفه "ضرورة أمنية". 

لكن الخطير في ترويج الصورة، أنه عوضاً عن ادانتها، وإبراز الجانب القويّ في الدولة كمسؤولة عن أمن المواطنين، يتم الترويج لها بصورة انسانية، وكضرورة حتمية للأمن الذاتي، مما يخلق تألفاً بين المواطن والظاهرة المرفوضة التي تتمدد من مواقع نائية يتسم فيها حضور الدولة بالخجول، الى داخل العاصمة. 

يتم تصوير التشبيح كحضور رديف للدولة، لا يتعارض مع صورتها وحضور رجالاتها. في مسلسل "الهيبة"، يحضر المسؤول الامني ليتابع مجريات صدمة سيرين عبد النور، ويحاول منع الشرطة من الحصول على افادتها. تحدث بالنيابة عنها، بعد هروب "الطافر" من الدولة، والملاحق والمطلوب للقضاء. 

ثمة تعزيز درامي لحيثية الامن الرديف. وتختلق الاعذار والمبررات لوجوده، بصرياً. فرجل السياسة، يجب أن يحظى بهذا الحضور المرافق له. وحتى لو كان مسؤولاً، فإن المرافقين ليسوا من رجال الدولة، بل رجال أمن خاص، وهو ما أظهره مسلسل "خمسة ونص" عندما عرّف عن الغانم (رفيق علي أحمد)، الزعيم السياسي والحزبي، على انه من اصحاب المعالي. وبالتالي، لا يرافق الغانم رجال امن رسميين. 


والحال إن تكريس هذه الصورة، بواقعيتها، هو ما يعقد مهمة الدولة للامساك بمفاصل الامن، ومنع "التشبيح" حتى لدى النافذين أو رجال السياسة. فجعل الظاهرة مألوفة، يعتبر غير واقعي، بدليل الصراخ الذي ظهر في فيديو تناقله اللبنانيون أمس في مواقع التواصل، يظهر "شبيحة" في منطقة السان تيريز في الحدث، يطلقون النار في الهواء قبل أن يغادروا سياراتهم بسلام. 

مشهد تحلل الدولة واقع لا شكوك حوله، أما الجديد فهو تكريسه درامياًظن بذريعة نقل الحقيقة عوضاً عن اي جهد لادانته، رفقاً بصورة لبنان في الخارج. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024