#FreeBritney: ماذا يحصل مع بريتني سبيرز؟

وليد بركسية

الأربعاء 2019/06/05
في العام 2000 أطلقت المغنية الأميركية بريتني سبيرز أغنيتها الشهيرة "Lucky" التي تتحدث عن نجمة شابة تعيش في هوليوود ويحسدها الجميع على حياتها الكاملة التي تجمع فيها بين الشهرة والثروة والحب، بينما تعاني في أعماقها من الخوف والعزلة والاكتئاب والوحدة. ورغم أن الأغنية لم تكن تحاكي تجربة شخصية ولم تكن مجرد ترديد لكليشيهات عن أن المال لا يجلب السعادة، إلا أنها تحولت بعد 19 عاماً من إطلاقها، إلى تمثيل مباشر لحياة صاحبتها، على الأقل في نظر آلاف من معجبيها المنضوين في حملة "حرروا بريتني" (Free Britney Movment) التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي منذ شهر نيسان/أبريل الماضي.


وتحت هاشتاغ #FreeBritney يمكن تتبع أغرب نظرية مؤامرة تحيط بسبيرز، النجمة الأيقونية في ثقافة البوب المعاصرة والتي تعتبر حتى اليوم أكثر الفنانين تحقيقاً للأرباح (عندما كانت) تحت سن العشرين، حيث باعت بين العامين 1997 الذي شهد إطلاق ألبومها الأول "Baby One More Time" والعام 2001، 37 مليون نسخة من أغانيها حول العالم. ولا تأتي الغرابة من المزاعم التي يتحدث عنها معجبو سبيرز، بل من وجود إمكانية لأن تكون تلك المزاعم صحيحة في الواقع.

وتتمحور الحملة حول المطالبة بتحرير سبيرز من الوصاية القانونية المفروضة عليها من قبل والدها جايمس سبيرز، الذي امتلك هذا حق رعايتها منذ العام 2008 إثر انهيارها العصبي الشهير العام 2007. علماً أنه يتم منح هذه النوعية من الوصاية عادة، للمسنين أو المصابين بأعراض مزمنة كالخرف مثلاً.

وفيما كان المقصود بالوصاية هو رعاية سبيرز نفسياً وصحياً لفترة قصيرة، بحدود شهر تقريباً، من أجل تأهليها للعودة للحياة الطبيعية، توسعت شروطها لتمتد 11 عاماً كاملاً من دون أفق واضح لنهايتها، لم تمتلك طوالها سبيرز الحق في أي شيء تقريباً، من قيادة السيارة إلى توكيل محام إلى التصويت في الانتخابات إلى رعاية أطفالها وصولاً لإدارة ثرواتها الضخمة التي تقدر بأكثر من 215 مليون دولار أميركي. وكل ذلك بحجة أن سبيرز (37 عاماً) مصابة بأمراض عقلية ولا تستطيع اتخاذ قرارات سليمة بنفسها.

وهنا، يجادل معجبو سبيرز بأن مسيرتها الفنية خلال مدة الوصاية شهدت ازدهاراً مذهلاً، بما في ذلك 4 ألبومات وجولات عالمية، وإقامتها لأربع سنوات في لاس فيغاس لتقديم عروض حية هناك بعنوان "Piece of me"، حققت فيها نحو 138 مليون دولار أميركي، وصولاً لتوقيعها أواخر العام 2018 على إقامة ثانية في لاس فيغاس تتقاضى على كل حفل من حفلاتها نصف مليون دولار!، تعطي انطباعاً بأن صاحبتها قادرة على العناية بنفسها جيداً بعكس ما تدعيه الوصاية التي حولت حياة سبيرز إلى نمط تعيس أقرب للعبودية في القرن الحادي والعشرين.

وتتهم الحملة والد سبيرز، بإساءة استخدام السلطات في يده من أجل التحكم في حياتها بغرض امتلاك ثروتها، بما في ذلك تهديده بحرمانها من طفليها، ومنعها من الغناء والتلويح باعتزالها، وصولاً لزجها في مصحة للأمراض النفسية، في شهر نيسان/أبريل الماضي، بشكل خارج عن إرادتها، وهو أمر لا تتيحه شروط الوصاية القانونية في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وغيرها من الاتهامات التي نفتها سبيرز شخصياً في فيديو قصير بثته عبر "أنستغرام"، قال المعجبون أنها أجبرت على القيام به، نظراً للحالة المزرية التي ظهرت فيها خلاله، بالإضافة لتحليل كلماتها والرموز التعبيرية (إيموجي) التي استخدمتها عند نشر الفيديو.

المثير للاهتمام، أن الجدل انطلق من بودكاست (بث إذاعي عبر الإنترنت) متخصص في متابعة أخبار سبيرز بطريقة كوميدية، قبل أن ينحرف عن مساره نحو زوايا داكنة في حياتها، وجمع البودكاست المسمى (بريتنيغرام) رسائل بريد إلكتروني يقال أن سبيرز كتبتها بنفسها وصوراً وتسريبات صوتية محزنة تشكو فيها من الوصاية المرهقة، وصولاً لتلقي البودكاست خلال بث حي، اتصالاً من شخص زعم أنه من فريق بريتني القانوني، وسرب معلومة حبسها في المصحة النفسية قسراً من طرف والدها الذي قام بإلغاء إقامتها الثانية في لاس فيغاس أيضاً مطلع العام.

وفيما خرجت سبيرز من المصحة النفسية قبل أيام، فإن القضية لم تتوقف، حيث انضم نجوم عالميون مثل المغنية الشهيرة مايلي سايرس للحملة، بترديدها شعار "Free Britney" في أحد حفلاتها، كما أن والدة سبيرز، لين إيرين، تبدي إعجابها في "تويتر" بالمنشورات التي تتضمن هاشتاغ الحملة، في وقت مازال فريق سبيرز في "أنستغرام" يحذف أي تعليق يتضمن الهاشتاغ في حسابها الرسمي هناك. مع الإشارة لتوجه سبيرز إلى المحكمة مع والدتها لتقديم طلب في إعادة النظر بمسألة الوصاية، وهو أمر لا يمكن النظر فيه إلا بعد إجراء تقييم نفسي مستقل على سبيرز.

على الأغلب، لا يمكن الوصول إلى الحقيقة هنا وسط كل هذه الشائعات المتضاربة والأقاويل التي تخلق في منصات الثرثرة والنميمة قبل نقلها إلى مواقع التواصل الاجتماعي وبثها على نطاق واسع. لكن ما يثير الاهتمام فعلاً هو حجم النجومية التي تمتلكها سبيرز، والتي تدفع آلاف، أو حتى ملايين، الناس لتخصيص وقت طويل من حياتهم للاهتمام بشخص لا يعرفونه معرفة شخصية. رغم أن هذا المستوى من الإعجاب (Fandom) يجعل أصحابها متورطين عاطفياً في حياة النجوم بطريقة قد تكون تتجاوز الواقعية، وهو ما قد يكون عليه الحال في قصة سبيرز، التي تمتلك سجلاً في الأمراض العقلية فعلاً، مهما كان الاعتراف بذلك محزناً، ما يجعل الوصاية عليها في هذه الحالة أمراً لصالحها.

هذا الإعجاب، يحيل لنقاش مواز حول الاهتمام بالقضايا الإنسانية الملحة. فمسألة الوصاية مثلاً تعاني منها آلاف من النساء مثلاً في الشرق الأوسط اللواتي تمنعهن الأعراف أو حتى القوانين من امتلاك أبسط حقوق حياتهم، كما هو الحال في السعودية مثلاً، لكن عدم وجود عامل الشهرة العالمية، يجعل قضيتهم غير جذابة ولا مثيرة، بقدر الاهتمام الذي تخلقه قضية سبيرز بين معجبيها، ولا يعتبر ذلك أمر ليس سلبياً بالضرورة، بل قد يكون صحياً من وجهة نظر مجتمعية وإنسانية، في حال تطورت القضايا من قصص المعجبين لتشمل جدلاً أشمل.

ويتخطى هذا الإعجاب حدود الواقع الافتراضي، حيث شهدت مدينة لوس أنجلوس منذ نيسان/أبريل تظاهرات واعتصامات نفذها معجبو سبيرز في عدة أماكن للمطالبة بحريتها. كما باتت الحركة، بغض النظر عن مدى صحة قضية سبيرز، منطلقاً لنقاش مهم في الولايات المتحدة حول الجانب المظلم لحياة المشاهير، الذين تنتفي فيها مفاهيم الخصوصية، بتأثير صحافة التابلويد والفضائح ومصوري الباباراتزي، وتأثير ذلك على الصحة العقلية والتوازن، بالإضافة لنقاش مواز حول مفاهيم التنمر الإلكتروني والتنمر في المقالات الصحافية والإعلام وثقافة الإنترنت المعاصرة.

وفي حالة سبيرز، لا يمكن القول أنها عرفت يوماً معنى تلك الخصوصية أو التمتع بحياتها بسلام، فمنذ طفولتها اشتركت في برنامج "ديزني" الشهير "نادي ميكي ماوس" إلى جانب كريستينا أغيليرا وجاستن تيمبرليك، قبل أن تصبح في سن السادسة عشرة فقط أشهر نجمة بوب على الكوكب. لتتحول حياتها فجأة إلى نمط من الشك من أن كل المحيطين بها يريدون استغلالها لأنها مصدر الثروة. ويلقى باللوم على انهيارها العصبي الأول العام 2007 إلى كل تلك الظروف مجتمعة، بالإضافة لعدد من المشاكل الشخصية، وهو أمر تشاركه مع نجوم اشتهروا في طفولتهم، مثل ليندساي لوهان وأماندا باينز.

وبحسب إيميلي ياهر، محررة شؤون الترفيه في صحيفة "واشنطن بوست"، فإن قضية بريتني سبيرز العام 2007 كانت بسبب دفع الجمهور والرأي العام والإعلام والمجتمع لها في ذلك الطريق. فقد كانت سبيرز منذ اليوم الأول لشهرتها، نجمة غير تقليدية، ورغم وصفها بأنها "أميرة البوب" إلا أنها أبعد ما يكون في شخصيتها عن صورة الأميرة اللطيفة، وحتى صورتها كمغنية تمزج بين البراءة والشهوانية في وقت واحد. ومن هنا تم وصفها بشكل علني عدة مرات بالجنون، وتم تهديدها بالقتل من قبل أمهات محافظات بسبب أغانيها "الفاسدة"، وصولاً لهوس في تتبع أخبارها، ثم السخرية منها بقسوة عند الانهيار العصبي، بدلاً من التعاطف معها بوصفها مريضة فقط.

هذا الواقع تغير اليوم بشكل واضح، فالتعاطف مع سبيرز يأخذ شكلاً جدياً ليس فقط في مواقع التواصل بل أيضاً في وسائل الإعلام الرزينة، والتي إن لم تتبنى نظرية المؤامرة التي يروجها "تويتر"، إلا أنها تتبنى خطاباً داعماً لحق سبيرز في امتلاك حياة سعيدة، لأنها قبل كل شيء إنسانة تستحق امتلاك إرادة حرة كأي شخص آخر، بالإضافة لكونها طاقة إبداعية أدخلت السعادة لقلوب الملايين حول العام طوال مسيرتها الفنية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024