"كُن متأكداً أن الـ ATM تُملأ لأجلك"..المصارف تسخر منّا!

يارا نحلة

الجمعة 2019/12/13
"ركوب" الإنتفاضة اللبنانية ليس حكراً على السياسيين والمسؤولين، إذ يبدو أن المؤسسات والشركات اللبنانية تتسابق أيضاً لنيل حصتها من سوق الثورة التي يتمّ التعامل معها كصيحة إعلامية.

والواضح أن هذه المؤسسات، وأوّلها المصارف، لم تسمع -أو أنها تغافلت عن- هتافات الشعب اللبناني الداعية إلى "إسقاط سلطة رأس المال" والتي تردّد صداها في كافة الشوارع اللبنانية. وراحت تستثمر هذه الثورة، بل والأزمة الإقتصادية حتى، وتوظفها من أجل الدعاية والترويج لمنتجاتها.

تحفل الإعلانات التلفزيونية، وكذلك إعلانات السوشال ميديا، بشعارات مستقاة من الإنتفاضة اللبنانية، إلا أن معظمها مستخدم بطريقة مبتذلة، غير خلاقة ومن دون أي سياق منطقي. منها دعاية شامبو "mp4" التي تعلن أن "كلّن يعني كلّن وحمامك واحد منن"، من دون أن يكون لهذه العبارة أي معنى مفيد. كما يلمح الإعلان إلى الأزمة الإقتصادية داعياً إلى دعم "عملتنا اللبنانية وصناعتنا" عبر شراء الشامبو لبناني الصنع. 

أما شركة Tree Ad الإعلامية فإستعارت أنشودة الإنتفاضة وركّبت على "الهيلا هو" عبارة "هيلا هوب" التي إستعرضتها على لوحاتٍ إعلانية، من دون أن تُفهم الرسالة الماثلة خلفها.

من جهته، إستخدم مطعم "سندويش ونص" الإنتفاضة كمادة فكاهية فشارك في الصيحات الفايسبوكية المستوحاة من الأزمة، مثل صيحة "ماما رايحين عل انهيار" وهاشتاغ "بليز يارا". كما نشر "بوست" يشجع التداول بالعملة الوطنية معلناً أنه "قوّى الليرة على الدولار عبر تسعير الدولار الواحد بـ1000 ليرة" لزبائن المتجر، كي لا يتشجع أحد على إستخدامه. 

وفي حين أن غالبية الإعلانات التي لمّحت إلى الإنتفاضة، تناولتها بشكلٍ إيجابي ومؤيد بغية إستقطاب الزبائن، إتبع بعض منها نهجاً معاكساً. على سبيل المثال، إرتأى أصحاب منتج علكة "مستكة" توجيه السخرية إلى الإنتفاضة في حملتهم الإعلانية الأخيرة، عبر المباركة للشباب بالـ"ثورة" في ملصق إعلاني وضعت فيه عبارة ثورة بين هلالين للإستهزاء. 

وقد كان مدير الحملة الإعلانية قد نشر في وقت سابق، وفي خضم الثورة، عدداً من الدعايات التي تحمل خطاباً متعالياً ومهيناً بحقّ كلّ من لا يستطيع تحمّل كلفة 20 ألف ليرة لقاء علبة علكة واحدة، اي ما يشكّل السواد الأعظم من الشعب اللبناني. وقد جاءت هذه الدعايات على شكل ملصقات إعلانية تقول "الغالي بدو غالي" وتصف العلكة التقليدية التي يتناولها جميع الناس والتي يتراوح سعرها بين 250 ليرة وألفين بعلكة "الفلاحين". 

ولربّما "مستكة" بخطابها الطبقي المتكبر، تظل أحسن حالاً وأقلّ إستفزازاً من المصارف بخطابها الوطني المنافق. فالمصارف التي إلتزمت الصمت ولم نسمع حسّها منذ بداية الإنتفاضة، كسرت صمتها في عيد الإستقلال وسارعت إلى إعلان ولائها للوطن عبر إعلاناتٍ مصوّرة في التلفزيون والسوشيال ميديا. 

تتجسّد قمة الهزل في إعلان يظهر شاباً واقفاً أمام ماكينة الصراف الآلي محاولاً، بل متوسلاً، الحصول على بضعة أوراق نقدية. وعند إستجابة الماكينة لطلبه "التعجيزي"، تظهر فجأة فرقة طبول لتحتفي والشاب بهذه اللحظة المجيدة. علاوةً على إستيلائه على مدّخرات الناس وإجبارهم على تسوّل رواتبهم، يسخر المصرف من عدم قدرة اللبنانيين على سحب مبالغ ضئيلة من حساباتهم المصرفية، وكأن ذلك يحصل بقدرة قادر وليس بأمرٍ من البنوك نفسها.

يذهب الإعلان أبعد من ذلك في "تمنينه" اللبنانيين عبر الشعار الذي يزين هذه الدعاية وهو "كون اكيد انو الـATM تعبِّت كرمالك". أما مصرف آخر فلم يبدِ أي خجل إزاء الحديث عن "الثقة" بين المصرف وزبائنه، فيقول في إحدى ملصقاته الحديثة "نجاحنا يأتي من ثقتكم بنا". 

والحال إن المصارف التي تعدّ اليوم المسؤول الأول عن أزمات الناس المعيشية، ذهبت بها الوقاحة إلى حدّ طمأنتهم بل والتضامن معهم حيناً، وصولاً إلى مطالبتهم في أحيانٍ أخرى بتحمّل أعباء الأزمة متمثّلةً في الحجز على أموالهم وإقفال أبواب البنوك أمامهم، لتعود وتشكرهم على "صبرهم".

في هذا الشكر وحده كمّ كبير من الإهانة والإستخفاف بحراك اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع لكي يعلنوا نفاد صبرهم ونيتهم قلب الطاولة. إن المصارف، بإشارتها إلى هذا "الصبر" المكره وغير الطوعي، وكأنها تقول للشعب اللبناني أنها لا تصدّق ثورته ولا تأخذها على محمل الجدّ. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024