أولئك الموشومون بتوقيع ميشال عون

قاسم مرواني

الثلاثاء 2021/05/25

موسيقى حماسية، تعطيكم الانطباع بأن شيئاً ما سيحدث وتدفعك لمتابعة الفيلم الدعائي، البالغة مدته 25 ثانية، إلى النهاية، وخلالها، لا شيء مهماً يحدث، مجرد شبان يقومون بتعليق لافتة على أحد الجسور، لا تستطيع أن تعرف ما المكتوب فيها، أقله في الثواني الـ15 الأولى. اليد الممسكة باللافتة تحمل وشماً على معصمها، أرزة لبنان وتحتها توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون... ثم تتضح اللافتة أكثر، صورة مرفأ بيروت مع شعار "شو عملت يا غسان"، وقد عُلّقت على جسر للمشاة مطلٍّ على المرفأ، حيث  تنتقل الكاميرا في النهاية، لتستقر على ما تبقى من أهراءات القمح، مع ارتفاع صوت الموسيقى، لتدل على فداحة ما اقترفه "غسان" في حق وطنه.


لم تؤد العراضات التي افتعلتها القاضية غادة عون، أمام فروع شركة مكتف، وتحديها للإجراءات القضائية ومجلس القضاء الأعلى، إلى شيء. عاد اللبنانيون إلى الانشغال بكيفية النجاة في ظل ظروف حياتية صعبة، وطغت على تحركات القاضية عون، طوابير السيارات أمام محطات الوقود وانقطاع الدواء، وغيرها من المشاكل. شعر "التيار الوطني الحر"، اليوم، أنه لا بد له من إعادة تحريك الملف، والطريقة الوحيدة هي إعادة استعمال مهاراته الإعلانية، وهكذا ظهر هاشتاغ "شو عملت يا غسان"، حيث غرد مناصرو التيار، كما طُبع على بعض الجدران في بيروت وعُلّق أمام المرفأ، والغرض منه مساءلة المدعي العام التمييزي غسان عويدات عن ملفات الفساد التي يدعي التيار أنها نائمة في مكتبه، خصوصاً ملف المرفأ، الجرح الذي ما زال حياً في ذاكرة الجميع، ويشكل مادة إعلامية وعاطفية دسمة.

 
أجاد العونيون، خلال السنوات الماضية، لعبة الإعلام. نجحوا من موقعهم المعارض، في الترويج لأنفسهم كحزب لبناني، محارب للآفة التي عانى منها اللبنانيون طويلاً، وهي الفساد. تيار يفترض أنه علماني، عابر للطوائف، أتى ليحقق حلم كل لبناني في الدولة المدنية. امتلكوا ماكينتهم الإعلامية، ومعرفة تامة بنقاط الضعف اللبنانية. لكن، هناك مبدأ مهم يعرفه كل من عمل في مجال الإعلانات، وهو أن الإعلان الجيد قادر على الترويج لتفاحة جيدة، أما التفاحة المهترئة فلا يقدر أقوى إعلان في العالم على تحسين صورتها. وبعدما تسلّم التيار السلطة، مع حلفائه، وبعد 17 تشرين وكل ما حدث بعدها، أصبح التيار عبارة عن تفاحة مهترئة.


ربما، لحسن حظ اللبنانيين وجزء كبير من العونيين، انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية العام 2016، توقيت مثالي قبل أن تهترئ التفاحة كلياً. فلو انتخب سليمان فرنجية في ذلك العام، وحصل الانهيار في عهده، لكانت الماكينة الإعلامية للتيار اليوم، تنخر رؤوسنا بفداحة خطئنا، وجعلتنا نعض أصابعنا ندماً لأننا لم ننتخب الجنرال، المنقذ من الإنهيار. ولكان العهد العوني  ليبدأ في العام 2022 حينما يُنتخب عون كمخلِّصٍ لنا من بؤسنا.

انقسم العونيون بعد 17 تشرين إلى فئات ثلاث. الفئة الأولى أدركت مدى تغلغل العفن داخل التيار، فقررت الانشقاق. لم ينضموا إلى "القوات اللبنانية" ولا إلى أي حزب سياسي آخر، بل ظلوا ضائعين، بين لبنانيين غير منتمين، وبين من انضم منهم إلى تيارات معارضة للتيار تشكلت حديثاً، وبقيت هويتهم وسبب وجودهم معلقتَين بالتيار الأصلي وحوله تدور حياتهم. بشكل عام، عناصر التيار كلهم يكرهون "القوات"، القدامى منهم خصوصاً. ومن يكرهها بشدة، شكّل الفئة الثانية، أي الذين بقوا في التيار فقط لأنهم يكرهون "القوات"، وهؤلاء تدور حياتهم  حولها وتشكل هي سبب وجودهم.


أما الفئة الثالثة، فهم أمثال الفتى أو الفتاة في الفيديو. الموشومون بتوقيع ميشال عون على معاصمهم. هؤلاء المؤلِّهون، ينظرون إلى ميشال عون كإله-أب، قديس، مخلِّص. بقوا ثابتين على صورة الرجل الذي لا يقهر، الجبل، مجد لبنان، الشمس التي لا تأتي من الشرق بل من  مكان آخر يعرفونه جيداً. هؤلاء لا حل معهم.

ربما يملك العونيون الكثير من الحق في اتهام المدعي العام التمييزي، غسان عويدات، تماماً كما كانوا محقين في أماكن أخرى. لكن المشكلة هي في كيفية التعاطي مع الملفات والدولة والقانون، الاستنسابية التي يتعاملون بها وتنزيه الذات عن الخطأ، الاتهامات التي تُكال لمصالح سياسية ضيقة. مشكلة العونيين أن اللبنانيين باتوا يعرفونهم جيداً. هم، مثل أي حزب آخر مشارك في السلطة، يتحملون المسؤولية ويشاركون في خراب البلد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024