أسماء الأسد.. الديكتاتور الحقيقي في سوريا

المدن - ميديا

الثلاثاء 2020/05/12
نشر موقع "ديلي بيست" الأميركي تقريراً مفصلاً عن أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، ودورها الناشئ ضمن النظام السوري، منذ وفاة أنيسة مخلوف، زوجة الرئيس السابق حافظ الأسد العام 2016.

وقال الموقع في مقال للكاتب جيريمي هودج، أن أسماء، منذ تعافيها من السرطان، باتت تقدم نفسها كملكة منقذة لبلد سيطرت عليه ثم فقدته العام 2011. ووصفها بأنها "سيسرسي لانيستر" السورية، في إشارة إلى مسلسل "صراع العروش"، التي عادت من الموت وتريد انتقاماً حقيقياً بوصفها "الديكتاتور الحقيقي" في البلاد.

وأشار المقال إلى سلسلة من الأحداث التي تشكل في مضمونها ملفاً رصدته "المدن" خلال السنوات الماضية، حول دور أسماء الناشئ ضمن النظام، بما في ذلك نظرة الإعلام العالمي إليها، بعدما أطلقت عليها مجلة "فوغ" الشهيرة لقب "زهرة الصحراء" قبل أن تضطر المجلة لسحب المقال مع اعتذار من الصحافية الشهيرة أنا وينتور على ذلك كله، وكشفها أن المقال كان جزءاً من حملة دعاية سياسية مدفوعة أبرمت قبل الثورة السورية.

وبحسب المقال، فإن أسماء وبعد وفاة أنيسة مخلوف (والدة بشار)، أصبحت الآن القوة الحقيقية وراء عرش زوجها. وأشار إلى أن مزاداً للفن الحديث عقدته دار "سوذبي" في لندن بيعت فيه لوحة للفنان البريطاني ديفيد هوكني بمبلغ 23.1 مليون جنيه إسترليني، ارتبطت في التقارير الإعلامية بعائلة الأسد، قبل أن تكشف تقارير أخرى أن المشتري الغامض هو ديفيد غيفين الذي باع بيته في بيفرلي هيلز للملياردير جيف بيزوس بمبلغ 165 مليون دولار.

ورغم أنه لا يُستبعد قيام الأسد بعمل نافر مثل إهداء اللوحة لزوجته، فيما شعبه يتضور جوعاً، فإن ذلك يعيد للأذهان صورة عائلة الأسد في الإعلام العالمي، حيث تم تصويرهما في مجلة "فوغ" كزوجين كشابين (46 و36 عاماً حينها) حيويين وكقوة ممكنة للإصلاح بين ديكتاتوريات وملكيات العالم العربي، انطلاقاً من كون أسماء جذابة ومتعلمة في لندن. وكان من السهل تخيل قدرتها على الحد من نزعات زوجها الديكتاتورية ثم حرف بلادها نحو الانفتاح، مع عملها في خدمة قضايا إنسانية مع منظمات غير حكومية.

وبالطبع لو كانت أسماء تنفق على المجوهرات والملابس، لما اهتم أحد خارج حدود سوريا بذلك، لكن ذلك تغير بعدما تعامل بشار الأسد مع المتظاهرين بوحشية قادت إلى حرب أهلية قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وهجرت نصف السكان وأدت إلى أكبر أزمة لجوء في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وساعدت بالضرورة على ولادة تنظيم "داعش" البربري.

وبحسب الموقع، كان هناك نوع من التشكك داخل سوريا من حالة التملق الدولية مع السيدة الأولى التي تعرضت للانتقاد حتى قبل الحرب بأنها منفصلة عن حياة الناس العاديين. ونظر إلى أسماء كمشكلة لا كحل ضمن دوائر النظام، تماماً مثلما كانت نظرة أنيسة مخلوف لها، فوالدة الأسد نشأت مع زوجها في جو متواضع ضمن عائلة تنتمي لطائفة علوية تتهم من قبل الطوائف الإسلامية الأخرى بالزندقة، وحتى عندما استطاع زوجها ضابط الطيران الاستيلاء على السلطة في سوريا العام 1970. وبعد وفاة حافظ الأسد العام 2000 وصعود بشار إلى السلطة، تحولت أنيسة الى قوة حقيقية وراء السلطة وحاولت منع أسماء اللندنية من الوصول إلى مفاصل السلطة لأنها لم تكن تثق بها أو تحبها. إلا أن أنيسة توفيت العام 2016، ومنذ ذلك الوقت نظر إلى أسماء على أنها القوة الصاعدة. وبنت قاعدة قوة لها ولعائلتها المباشرة، مستقلة عن العائلات العلوية التي ينتمي إليها الأسد.

واسترسل التقرير مطولاً في استذكار ما كشفه فيلم وثائقي قدمته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" العام الماضي، حول عائلة الأسد. وتوصل إلى نتيجة مفادها أن عدم استلطاف أنيسة مخلوف لزوجة ابنها نبع من غياب الدعم الشعبي له وداخل طائفته والطبقة الحاكمة. فهو معروف بالوداعة ولم يكن يثير اهتمام من يراه. وعرف عنه فقدانه القدرة على النظر بشجاعة لمن أمامه، علماً أن بشار لم يكن مشروع رئيس قبل العام 1994 حيث كانت والدته تهيئ شقيقه باسل الذي توفي في حادث سيارة العام 1994، للرئاسة. كما ظل بشار بعيداً من الأضواء عندما جاء إلى لندن لدراسة طب العيون، حيث التقى أسماء.

ومع وصول بشار للرئاسة وبداية الانفتاح الاقتصادي في البلاد الذي كان رامي مخلوف، ابن خال الأسد، المستفيد الأول منه مع سيطرته على 70% من اقتصاد البلاد، بقيت أسماء على الهامش. وقال الصحافي المعارض إياد عيسى: "قبل الثورة لم يكن الرقيب يسمح لنا بالإشارة إلى أسماء بالسيدة الأولى. ولم يسمح لنا بوصف أسماء كزوجة الرئيس"، خلافاً لأنيسة التي كانت توصف بالسيدة الأولى أثناء حكم حافظ الأسد.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم تكن أسماء، التي تنتمي الى عائلة تجار تعود جذورها إلى حمص ودمشق، لاعباً مهماً. لكنها في رسائل إلكترونية، تم تسريبها، وصفت نفسها بـ"أنا ديكتاتور حقيقي"، لكنها لم تتحرك لتصبح قوة يحسب لها حساب وتقرب عائلتها إلا بعد وفاة أنيسة، حيث حانت الفرصة لها لمواجهة منافسيها في عائلة مخلوف، وتحديداً رامي الذي يضيق عليه النظام الخناق حالياً، ما أدى الى ظهوره مؤخراً في مقاطع فيديو تحدى فيها بشار الأسد شخصياً. ويرى الكاتب أن مركز الخلاف هو السيطرة على شركة "سيرياتل"، التي تملك الدولة فيها حصة 50%.

والحال أن استهداف أرصدة رامي مخلوف، أتى في وقت بدأ فيه تأثير المقربين من أسماء بالنمو، فبعد وفاة أنيسة مخلوف بفترة قصيرة أخذ أقارب أسماء بالسيطرة على جزء من قطاع الخدمات الأساسية، وجاء بعد إصدار البطاقات الذكية لشراء المواد الأساسية مثل الأرز والغاز والشاي والسكر وزيت الطعام. ومنح العقد لشركة "تكامل" التي يملكها أحد أشقاء أسماء وابن خالتها محمد الدباغ. وكشفت تحقيقات ذات صلة، أن الموارد المالية من البطاقات الذكية تم وضعها في حسابات تعود إلى مجلس "تكامل" الذي يديره أقارب أسماء.

وفي الوقت الذي تم تجميد فيه حسابات رامي مخلوف، قامت وزارة المالية بالإفراج عن حسابات عم أسماء، طريف الأخرس، التي جمدت لأكثر من عام. واستخدم طريف الذي كان يملك شركة شاحنات صغيرة قبل الحرب في حمص، صلات ابنة أخيه بالسلطة ووسعها. وبدأ بالمشاركة في شحن الطعام والبضائع عبر سوريا إلى العراق ضمن ما عرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء قبل الغزو الأميركي العام 2003. وتوسعت تجارة الأخرس في ما بعد لتشمل الشحن البحري والبناء والعقارات واللحوم وقطاع التعليب. وهو وأقاربه يجنون الآن الثمار.

وتزامن دخول أسماء القطاع الاقتصادي بعد معركتها الطويلة مع سرطان الثدي. وأعلنت السيدة الأولى عن تعافيها في آب/أغسطس الماضي تزامناً مع وضع رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية. ومنذ ذلك الوقت زادت من ظهورها في المشهد العام ووثقت عمل جمعياتها في أنحاء سوريا. ويبدو أنها مصممة على تحضير أبنائها، مستخدمة قوتها الجديدة، لأخذ مكانهم داخل عائلة الأسد التي تحكم سوريا منذ 50 عاماً، وعادة ما يرافق حافظ وكريم وزين والدتهم في جولاتها على المستشفيات لزيارة الجرحى وافتتاح المدارس الجديدة للموهوبين. وبدأ الحديث في وسائل إعلام النظام حول قدر الابن الأكبر حافظ، لخلافة والده، خصوصاً انه نفسه بدأ القيام بجولات لزيارة مواقع البناء ومناطق أخرى أسوة بوالدته.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024