جريمة نيوزيلندا.. النقل المباشر كصدى لفيديوهات "داعش"

المدن - ميديا

الجمعة 2019/03/15
لا يختلف البث المباشر للقاتل في أحد مهاجمي المسجدين في نيوزيلندا عن فيديوهات تنظيم "داعش". ولا يختلف المتضامنون مع الضحايا، في كل الأحداث المدانة الاخرى منذ سنوات. هنا، يتشابه المسلمون، وغير المسلمين، بإدانة الجرائم ضد الآخر، والتبرؤ منها. ويتشابه المجرمون، من كافة الاديان، في تبرير الجرائم التي يرتكبونها ضد الآخر. كلاهما ضحية تطرف ديني عنيف، وكلاهما مسؤول عنه. 
أظهر المسلمون اليوم مظلومية اثر واقعتي إطلاق النار بمسجدين في نيوزيلندا اليوم الجمعة التي زهب ضحيتها 49 قتيلاً من المصلين في مسجدين. وألقى البعض بالمسؤولية على تنامي "الإسلاموفوبيا". وفيما أدان زعماء العالم هذه الجريمة المستنكرة، بدا المسلمون أكثر ميلاً لاعلان أنفسهم ضحايا في هذا العالم، وهو خطاب يتشابه مع ما ظهر خلال الهجمات التي نفذها المسلمون ضد مدنيين في دول اوروبية كثيرة. 

وبينما سارعت حكومات في آسيا والشرق الأوسط لمعرفة عدد مواطنيها الذين سقطوا ضحية إراقة الدماء في مدينة كرايستشيرش، ساد الغضب أيضا من استهداف المهاجمين للمصلين أثناء صلاة الجمعة.

وقال رئيس وزراء باكستان، عمران خان، عبر مواقع التواصل الاجتماعي "ألقي بمسؤولية هذه الهجمات الإرهابية المتزايدة على ظاهرة الإسلاموفوبيا الحالية بعد أحداث 11 سبتمبر، إذ يتحمل 1.3 مليار مسلم بشكل جماعي اللوم عن أي عمل إرهابي". 

وذكر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن الهجوم شيطنة متعمدة للنضال السياسي للمسلمين. وكتب في تويتر: "ليس فقط مرتكبو هذه الجرائم البشعة، بل أيضا الساسة ووسائل الإعلام الذين يغذون ظاهرة الإسلاموفوبيا المتنامية بالفعل والكراهية في الغرب يتحملون نفس القدر من المسؤولية عن هذا الهجوم الشنيع". 

وندد الأزهر في القاهرة بالهجوم ووصفه بأنه "هجوم إرهابي مروع". وحذر الأزهر في بيان من أن ما حدث "يشكل مؤشرا خطيرا على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا".

وأضاف البيان "الهجوم الإجرامي... يجب أن يكون جرس إنذار على ضرورة عدم التساهل مع التيارات والجماعات العنصرية التي ترتكب مثل هذه الأعمال البغيضة". 

ونشر أحد مهاجمي المسجدين في نيوزيلندا الجمعة بياناً عنصرياً في "تويتر"، قبل أن ينقل مباشرة مقاطع من الاعتداء، بحسب ما توصلت إليه وكالة فرانس برس.

وطلبت الشرطة من الناس عدم نشر المقاطع التي يظهر فيها المهاجم وهو يطلق النار على مصلين من مسافة قريبة. وكتبت في "تويتر": "الشرطة على علم بصور مؤلمة جداً مرتبطة بحادث تشيرش كرايست يجري تداولها في الانترنت". وأضافت "توصي بشدّة عدم مشاركة الرابط. نعمل على سحب تلك المقاطع".
وقامت "فرانس برس" بتحليل مقطع من الفيديو الذي نقل عبر "فيسبوك لايف" يظهر رجلاً أبيض بشعر قصير يصل بالسيارة إلى مسجد النور في تشيرش كرايست ثمّ يبدأ بإطلاق النار لدى دخوله إليه.

وتحققت وكالة "فرانس برس" من صحة الفيديو بفضل تقنية رقمية تسمح بمقارنة المشاهد التي ظهرت في الفيديو مع الصور المتوافرة على الإنترنت للمسجد.

ونُشر "بيان" يشرح دوافع الهجوم، صباح الجمعة، في حساب في "تويتر" يحمل الاسم نفسه والصورة الشخصية لحساب "فايسبوك" الذي نقل الهجوم مباشرةً.

وعنوان البيان الذي سماه "مانيفستو"، "الاستبدال الكبير"، يشير نصه الممتد على 73 صفحة إلى أن المعتدي أراد مهاجمة مسلمين. ويبدو عنوانه مستوحى من نظرية للكاتب الفرنسي رونو كامو بشأن اندثار "الشعوب الأوروبية"، التي "تستَبدَل" بشعوب غير أوروبية مهاجرة. وباتت هذه النظرية منتشرة بشدة في أوساط اليمين المتطرف.

ويخبر المهاجم في النصّ أنه مولود في أستراليا من عائلة عادية ويبلغ من العمر 28 عاماً.
وأعلن أن إحدى اللحظات التي دفعته إلى التطرف كانت هزيمة زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن في انتخابات 2017 الرئاسية، وهجوم بشاحنة في ستوكهولم في نيسان/أبريل 2017 قتل فيه 5 أشخاص بينهم طفلة في الحادية عشر من العمر.

وأكد رئيس الوزراء الأسترالي أن مطلق النار في الهجوم أسترالي. وتحدّثت السلطات النيوزيلندية عن توقيف 3 أشخاص وتوجيه تهمة القتل لرجل.

وتحققت "فرانس برس" من صحة الفيديو المباشر الذي نشر في "فايسبوك" عبر التأكد من عناصر في المسجد، موجودة في صور في الانترنت، بينها صندوق بريد وباب المدخل وسجادة.

وبالنسبة للطريق التي سلكها منفذ الهجوم بالسيارة ونقلها مباشرة أيضا، يمكن سماع صوت نظام الملاحة الإلكتروني في الخلفية وتتبعت "فرانس برس" طريقه عبر استخدام "غوغل ستريت فيو".

وظهرت في الفيديو أيضاً، الأسلحة التي استخدمها مطلق النار بعض كلمات مشابهة لتلك الظاهرة في صور نشرت في وقت سابق في حساب "تويتر" الذي نشر عبره الإعلان. ونشرت صور الأسلحة في ذلك الحساب في 13 آذار/مارس، وكتبت عليها خصوصاً أسماء باللغة الإنكليزية وباللغات الأوروبية الغربية لشخصيات عسكرية تاريخية، من بينهم أوروبيون قاتلوا القوات العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وقامت "فرانس برس" بحفظ الفيديو قبل أن يتم إيقاف حساب "فايسبوك" الذي نشره، بعد الاعتداء بقليل، وقامت بأخذ لقطات لحساب "تويتر" قبل تعليقه.
وحذر متحدّث باسم وزارة الداخلية النيوزيلندية أن من المرجح أن يعتبر الفيديو مستهجناً بالنسبة لقانون البلاد ومشاركته غير قانونية. وقال: "محتوى الفيديو مزعج وقد يكون له آثار غير مرغوب فيها على الناس"، متابعاً "إنها مأساة حقيقية مع ضحايا حقيقيين وعلينا أن نشجع الناس على عدم مشاهدة أو مشاركة هذا الفيديو".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024