"القناة الأولى"..عودة الإنتاجات الساخرة المعارضة للنظام

وليد بركسية

الأحد 2019/01/06
لا يعني انحسار الثورة السورية سياسياً وإعلامياً بعد انتصارات النظام العسكرية خلال السنوات الأخيرة، نهاية الحس المعارض في البلاد، فمواقع التواصل الاجتماعي، بدأت تشهد انطلاقة مشاريع معارضة، يعبر فيها أفراد، لا مؤسسات، عن استمرار معارضتهم للنظام، بطرق مختلفة، بين الكتابة والتدوين، وصولاً إلى مشاريع فنية، من أبرزها سلسلة "القناة الأولى" التي تحاكي التاريخ السوري، سياسياً واجتماعياً، بسخرية بارعة.

وفي كل حلقة، يتناول البرنامج موضوعاً محدداً رائجاً في لحظته، كالدستور السوري أو منتخب النظام لكرة القدم، لتقديم رؤية شاملة عنه خلال 100 عام، ترصد بشكل ساخر كيف أسهم نظام البعث وحكم عائلة الأسد للبلاد، في تغيير حياة السوريين عموماً، إضافة لرصد ملامح الخلل التاريخي في المجتمع السوري، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فيما يتم التحضير لموسم ثان يقوم بإعداده مختصون في مجالات عديدة عن طريق تفنيد المشاكل وطرح حلول عملية لها مع الحفاظ على الأسلوب الكوميدي بالطرح.


والحال أن البرنامج يعيد الأسلوب الساخر الذي بات رائجاً في محطات التلفزيون التقليدية مؤخراً (باسم يوسف، جو شو، ..) إلى منصات السوشيال ميديا التي انطلق منها هذا الأسلوب. ويستفيد مقدم البرنامج سمير المطفي، من نشاطه الساخر طوال سنوات الثورة السورية، في مواقع التواصل وفي برامج تلفزيونية معروفة، لتقديم محتوى مختلف، أقرب للكوميديا السوداء، من دون الميل للتهريج أو الوعظ على حد سواء، رغم صعوبة تلك المهمة.

وفي حديث مع "المدن"، قال المطفي أن فكرة البرنامج أتت قبل عامين، لكن انشغاله في العمل مع برنامج "جو شو" عبر "التلفزيون العربي"، بصفته مدير المحتوى للفقرة العربية، جعلت إطلاق العمل يتأخر حتى اليوم، لكن ذلك أكسب المطفي خبرة عملية واسعة صقلت مواهبه السابقة التي أظهرها في نشاطه ضمن مشاريع مثل سلسلة كارتون "سياسة نص كم" أو صفحة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" التي واكبت الثورة السورية بسخرية غير معهودة وحظيت بشهرة واسعة.

ويضيف المطفي أن فكرة السلسلة أتت "بعدما لمستُ حنين الناس، للماضي خصوصاً أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. ولكوني من جيل الثمانينيات أحببت أن تكون الهوية البصرية للبرنامج هي الهوية البصرية للتلفزيون السوري قديماً حيث كانت هذه القنوات هي وسيلة الاتصال الوحيدة لنا مع العالم، وكانت تدار من النظام، فأحببت أن أعود بالزمن للوراء وأن أنتقد النظام من خلال هويته البصرية نفسها".

والحال أن هذا التناقض بين بصريات النظام التقليدية والمحتوى المعارض، يخلق فوراً جواً من الفكاهة والألفة، ويساعد في إيصال الكثير من المعلومات حول أحداث تاريخية وراهنة في جو مسل. ورغم أن التدوين والفن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو جامداً في المشرق مقارنة بتجارب غربية رائدة، إلا أن تجربة المطفي تبرز بهذا المزيج الساخر الذي يقدمه منذ أيام " الثورة الصينية ضد طاغية الصين"، خصوصاً أن "النفس البشرية بطبعها تنفر من الجدية الكاملة وتنجذب للمرح، لذلك اخترت الأسلوب الدرامي الكوميدي لأضيف بعض السكر لمرارة الواقع الحالي".

وعن سر نجاحه في تقديم كوميديا بسيطة من دون مبالغات أو تهريج، قال المطفي: "خلال 8 سنوات في الثورة تعلمت الكثير عن الكوميديا السوداء فأصبحت بالنسبة لي أسلوب حياة لأنني أدرك أن الخبر الجاف ثقيل على النفس لذا أحاول دائماً إيصال المعلومات الثقيلة عبر تخفيف حدتها وذلك عن طريق مزجها بالقليل من الكوميديا، ولكن ليست أي كوميديا، بل يجب أن تكون كوميديا سوداء غير منفصلة عن الواقع وبعيدة عن الابتذال مع التركيز على إضحاك الناس بدلاً من توعيتهم".


وهكذا، ضمن غرفة مكتب مستأجر بتقنيات مقبولة بالنسبة لبرنامج "يوتيوب"، يتم تصوير الحلقات بعد أن يتم تطوير الأفكار وكتابتها. وبما أن الموسم الأول هو محاولة لربط أحداث حالية مع تجارب من الماضي، قام المطفي مسبقاً بتحديد المواضيع التي سيتطرق لها، وفي كل حلقة يقوم بعملية بحث عن المصادر والمعلومات والأحداث الملائمة، ثم صياغتها في قالب كوميدي لا تتجاوز مدته 7 دقائق، وتضاف لاحقاً الصور وغيرها من المؤثرات التي تخلق مزيداً من الكوميديا عبر المونتاج.

ويشارك المطفي في المشروع كل من المونتير إياد أبو شهاب وشاب يدعى فهد لإدارة السوشيال ميديا، فضلاً عن بعض الأصدقاء الذين يساعدون في التصوير وإعداد بعض الحلقات، مع الإشارة إلى أن المشروع فردي وغير تابع لأي جهة على الإطلاق حتى الآن، "ولكن الاستمرارية بهذا المنوال صعبة للغاية لذلك قد نضطر للاتجاه نحو جهات راعية للإعلام البديل على ألا نضطر لتغيير أفكارنا وتوجيهها حسب الجهة الممولة وإلا فإيقاف البرنامج أفضل من استمراره".

وعلى عكس كثير من المشاريع الشبابية المشابهة التي ظهرت مؤخراً، يركز البرنامج على القضايا السياسية والجدلية أكثر من القضايا الاجتماعية والحياتية والتفاصيل اليومية، فيما يحدد أصحاب البرنامج جمهورهم المستهدف بـ"جمهور الثورة الذي ابتعد عن أخبار السياسة آخر سنتين بالإضافة للفئة المحايدة التي لا تناصر النظام ولكنها ليست مع الثورة، وسيكون استهداف هذه الفئة بالحجة والمنطق لا بالعاطفة".

إلى ذلك، يرى المطفي أن "جميع مشاكلنا سببها جهلنا في السياسة ما جعلنا لقمة سائغة لأي مستبد أو عميل يبيع البلد مقابل منافع شخصية، لذلك فإن نشر الوعي السياسي كفيل بتوعية الشعب ضد أي مخططات تحاك لسلب مقدرات البلد وتحويلنا جميعاً لعبيد ليس لنا من الحياة سوى ما يمنه علينا الحاكم ليبقينا على قيد الحياة".


والواقع أن البرنامج يأتي في مرحلة دقيقة من عمر الثورة السورية، وإعلامها، حيث شهدت السنوات الماضية إغلاق العديد من وسائل الإعلام المعارضة، واختفى الناشطون تدريجياً من صفحات مواقع التواصل العامة نحو المجموعات المغلقة، ولم تعد هنالك الكثير من المشاريع التي تقدم وجهة نظر مختلفة عن بروباغندا النظام، أو تعبر عن آراء ملايين السوريين المعارضين والمهجرين، أو حتى الفئات الصامتة.

وإذا كان إعلام النظام السوري والدراما السورية بالتحديد، يعملان كمسكنات لغضب البيئة الموالية أو السوريين عموماً، افتقدت المعارضة السورية إلى مشاريع فنية على درجة عالية من الحرفية، وإنحسر الفن المعارض، بالسوشيال ميديا والنشاطات الفردية، ويضيف المطفي هنا: "هناك شعرة فاصلة بين الفن الهادف والفن الترفيهي. نحن في سوريا بحاجة لفن ذي مغزى يساهم في تغيير وتطوير أفكار المشاهدين ولسنا بحاجة لفن يرفه عنهم فترة من الزمن ويسكّن آلامهم".

ولفت المطفي أن الفن السوري في مواقع التواصل، مالَ للسخرية بشكل كبير في سنوات الثورة الأولى، حيث كان السوريون بحاجة ماسة لتحطيم هالة الرعب حول النظام و"كان لا بد من استخدام السخرية والتهكم لقتل الخوف داخل نفوس الشعب وتعويدهم أن هذا النظام أوهن من بيت العنكبوت، أما اليوم فالمرحلة التي نمر فيها خطيرة جدا ًوتحتاج لقدر عال من الوعي لدى الناس وبالتالي فإن الاستهزاء والسخرية بشكل مجرد تعتبر مضيعة للوقت".

ويرى المطفى أن "إطلاق المشروع هي مجازفة مادية قررت الخوض فيها لحاجة الساحة السورية لبرامج تزيد من وعي الناس وأرجو ان يكون برنامجي من هذا النوع"، لافتاً أنه "لمعرفتي بالوضع الإعلامي ومآلاته حيث سيتم التضييق لاحقاً على جميع المشاريع الإعلامية الثورية قررت بناء البرنامج على أساس ميزانية ضئيلة لأتجنب العاصفة القادمة والتي ستطال الإعلام الثوري، وأسأل الله أن أنجح في هذا".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024