هواجس "حزب الله".. وخطته الثالثة

نور الهاشم

السبت 2021/01/09
يتّجه "حزب الله" الى خطة العمل الثالثة لمواجهة وسائل الإعلام المعارضة له، عبر تحركات "شعبية" تسعى للضغط على الإعلام لإيقاف ما يعتبرها حملة ضده. الخطة، هي الثالثة بعد استراتيجية النفي والتوضيح، وبعدها استراتيجية الدعاوى القضائية التي تقدم بها ضد متهميه بتفجير المرفأ. 

ولجوء الحزب الى هذه الاستراتيجية، التي أعلنها أمينه العام السيد حسن نصر الله مساء الجمعة، ليس تفصيلاً عابراً. صحيح إنه يؤشر إلى عمق الأزمة بين الحزب والقواعد الشعبية المعارضة له، والتي يسعى الحزب لاحتوائها باستراتيجية مختلفة عن تلك التي سلكها خلال الأشهر الخمسة الماضية، لكنها في الواقع تحمل مؤشرات إضافية على حجم الانقسام اللبناني الذي تعكسه وسائل الإعلام، والتي طالت صورة الحزب في الداخل، وهو واحد من الهواجس الكبيرة التي تنتاب الحزب، ودأب على محاولات "علاجها".
 

منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي، ولدت مرحلة سياسية جديدة في لبنان، تواكبها مرحلة إعلامية، ينقسم فيها البلد الى ثلاثة أطراف: مؤيد لحزب الله، معارض له، ومحايد. يبدو صوت الأخير الأقل حضوراً في الإعلام، فيما لا يبدو صوت الأول، وهو المؤيد، عالياً بما تستطيع أصداؤه أن تتجاوز البيئة السياسية المؤيدة للحزب، أو القريبة منه. 

الصوت الثاني، المعارض، هو الأوسع انتشاراً لدى عامة اللبنانيين، وخصوصاً البيئات غير الشيعية، ويأخذ كل خبر مرتبط بالحزب حصته الكبيرة من الانتشار والتأثير، حتى بات الجمهور غير الشيعي ينظر الى ملفات "القرض الحسن" أو "اتجار الحزب بالمخدرات"، أو "دور الحزب في عرقلة تشكيل الحكومة"، أو "دوره في التسبب في انفجار المرفأ" على أنها وقائع لا تقبل الدحض. وقد فشل الحزب، من خلال استراتيجيتي "النفي التوضيح" و"الدعاوى القضائية" في تغيير ذلك الاعتقاد.


عمل الحزب على الملف السياسي، لكنه لم يستطع تخفيف الحملة، ذلك أن الانقسام الحاد الداخلي، لا يتيح هدنة سياسية. ولجأ الى القضاء في ملف تفجير المرفأ عبر دعاوى ضد شخصيات سياسية ووسائل إعلام وضيوفها، لكنه لم يتمكن من احتواء الزخم الإعلامي المتنامي ضده. ويتجه الى خطة العمل الثالثة الآن، لتطاول الإعلام نفسه، في محاولة لاحتواء ما يسميها بـ"الحملة الممنهجة" ضده، وهو تعبير تكرر على لسان عدد من مسؤوليه. 

والتركيز على وسائل الإعلام اللبنانية، مردّه حجم تأثيرها في الجمهور الخصم للحزب، الجمهور غير الشيعي، وتحديداً المسيحي المعنيّ بتفجير المرفأ بما يتخطى أي جمهور آخر. فأي خبر يمكن أن يصدر في وسائل إعلام عربية، يستطيع الحزب دحضها أو السخرية منها والتقليل من مصداقيتها، بوصفها "تمارس بروباغندا تعكس الانقسام السياسي" الإقليمي، وخصوصاً في ظل الصراع العربي–الايراني، أو الصراع المفتوح بين إيران والغرب. كما أن تأثيراتها الداخلية أقل، بالنظر الى امتداداتها، خلافاً لوسائل الإعلام المحلية.
 

هواجس الحزب الداخلية، لجهة نخر "نزاهته"، وبناء صورة إعلامية عنه كفصيل يتاجر بالمخدرات، أو يستخدم مرافق رسمية لتسليحه بما يرتّب مخاطر على اللبنانيين، أو يعرقل تشكيل الحكومة للقبض على السلطة وخلط التوازنات الداخلية،.. تطيح الصورة التي لطالما حاول تكريسها كفصيل مقاوم لإسرائيل، ومسهِّل للحكم، يحيّد المؤسسات اللبنانية عن أنشطته. وهو صراع مفتوح على الخيارات والبناء الإعلامي. صراع شرس، تضطلع وسائل الإعلام وحدها في تثبيته أو زرع نقيضه في ذاكرة اللبنانيين. 

واللافت أن مقاربة الحزب في خطته الثالثة، صٍدامية، تعتمد القاعدة الشعبية لتغيير منحى إعلامي متصاعد. هي محاولة ترويض بالقوة، لوسائل الإعلام، وتخفيف حدة الهجمات عليه، وتتنافى، في المبدأ، مع كل أشكال حرية الإعلام والرأي. الهجوم المقبل، القائم على عنف الطبقات الشعبية (الموجَّه)، يهدف لإطاحة مبدأ التداول الحر وحرية الرأي والتعبير، كما يثير اتهامات للحزب باستخدام قاعدته لتغيير واقع إعلامي.. وشعبي أيضاً. 

غير أن الحزب، لا ينظر الى الأمر بهذه الطريقة، ويعتبر أن وسائل الاعلام لا تمارس حرية، بقدر ما تنفذ "أجندة سياسية". فلدى تفكيك مضمون المادة الخبرية في بعض وسائل الإعلام المعارضة للحزب، يتضح له أن ثمة رواية واحدة. غالباً ما لا تعتمد وسائل الإعلام النهج الصحافي القائم على مصدَرين لكل رواية (Double Source)، وهو ما ينظر إليه الحزب على أنه تسعير سياسي، وفرض مفاهيم واتهامات بالقوة، تستدعي التعامل معها بردّ فعل بالمنطق نفسه. 

قد تشابه المرحلة الراهنة، مرحلة ما بعد أزمة العام 2005 سياسياً، بيد أنها تحمل عنواناً واحداً الآن: تهدئة مع الخصوم السياسيين، ونهاية الهدنة غير المعلنة بين الحزب ووسائل الإعلام المعارضة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024