"الحمرا" التي لا يحبها الحريري

مريم سيف الدين

الأحد 2020/01/19


لا يعرف الحريري شارع الحمرا ولا يحبه. لو أحبه لما انتظر أن يتحطم زجاج مصرف ليتذكر الشارع الذي أقفلت فيه العديد من المحال جراء الأزمة الاقتصادية. 

لا يعرف الحريري شارع الحمرا، فهو يوم قرر الظهور بمظهر "الشعبي" قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة التي انتهت جولاته على المناطق والناس من بعدها، أقفل شارع الحمرا بأكمله ليأكل سندويشاً في احد محاله ونشر الصور للتسويق والدعاية بأنه "شعبي" وأنه يشبه الناس، في عرض سريع لم يمنحه حتى بعضاً من وقته لمحاولة اقناعنا اكثر. 

لم يزر الحريري الشارع، لم يتجول في محاله، لم يسأل ناسه وأصحاب المحال عن أحوالهم. وهذا طبيعي.. فالحريري ليس ابن المدينة وإنما حاكمها. على العكس ممن اعتقِلوا ليلة تحطيم بعض واجهات المصارف، ومن قررت القوى الأمنية اعتباره مثيراً للشغب لمجرد قراره البقاء في الشارع، أو لأنه يداوم في عمله، وبالتالي حاكمته مسبقاً وانتهكت حقه بالاعتراض واعتدت على صلاحية القضاء. 

هؤلاء أكثر من يعرف شارع الحمرا وأكثر من يحبه. طاردتهم القوى الأمنية في محالهم المفضلة. هؤلاء، الحمرا ملاذهم ووطنهم الذي يهربون إليه من هموهم. الهجمة التي اعتبرها الحريري لطخة سوداء لم تكن إلا موجة غضب ممن احتجز رواتبهم وودائعهم ومنعهم عنها. فلا يملك المواطنون رفاهية رئيس حكومتهم، لا يستطيعوا تحويل 16 مليوناً لعارضة في بلد آخر، وهي اللطخة السوداء الحقيقية. بل هم من أرسلوا ابناءهم للتعلم في الخارج وباتوا عاجزين عن مدهم بالأقساط والمصروف، لأن رئيس حكومتهم كان غاية في الاستهتار، جلس يراقب الانهيار ويكمل حياته برفاهية غير مبالٍ بما يجري. وحتى موظفوه لم يسلموا من استهتاره.

لن تحب الحمرا يا شيخ سعد، وموقفك الحقيقي منها هو موقفك من الشباب الذين نكّلت بهم قواك الأمنية المؤتمرة بأمرك. كما نكّلت بالاعلاميين الذين نقلوا الصورة كما هي. هؤلاء هم الحمرا، حطموا واجهة المصارف وميزوا بين زجاجها وزجاج المحال، فهل انت قادر على التمييز بين شارع وآخر؟

لجأ بعضهم للاختباء من البطش في مقاهيها. فهل أنت قادر على تسمية مقاهي الحمرا الأكثر شعبية؟ لا تزايد عليهم يا دولة الرئيس، فلن تحب الحمرا بقدر ما أحبوها. فأنت لا تعرف السهر عند إم نزيه وفي مزيان، لا تعرف مكتبة "ة مربوطة" وأنشطتها الثقافية. هؤلاء يا شيخ من في ساعات الشدة والملل يتفقد جيبه فلا يجد فيها سوى آلاف قليلة من الليرات، ولا يجدون ملجأً لهم سوى شارع الحمرا بعد أن ضاقت بهم المدينة. يستقلون فان رقم 4، يشترون قهوتهم من أحد الأكشاك الشعبية ويبحثون عن مقهى كـ"الدانكن" يجلسون فيه، او يختارون ملاقاة أصحابهم عند "إم نزيه" حيث يمكنهم الجلوس لساعات بكلفة زهيدة، بعد أن ضيقتم عليهم المدينة. 

أنت لست منهم يا شيخ سعد ولست من المدينة. لم تستمع لنقاشات الناس في الحمرا، لم تسهر في "مترو المدينة" ولا تعرف اي شيء عن فنّه الذي يقدمه. لم تزر مسرح المدينة. لم تشاهد مسرحياته. لم تنظر في عينيّ طفل مشرد في شارع الحمرا، لم تستمع إلى أوجاع الشباب اللبناني واللاجئ. لا تعرف ذلك العجوز الذي يفترش الطريق لأنه يرى أن مراكز العجزة لديكم أشبه بمراكز احتجاز. لا تعرف طلاب الجامعة الأميركية ولا شارع بلس، أنت لا تعرف المدينة، ومن لا يعرف المدينة لا يحبها، ويلعن ثوارها كما فعل رئيس المجلس الساكن خلف جدران الفصل بين الشعب ومن يفترض بأنهم ممثلوه. 

هي بيروت أمّنا نحن ومركز سلطة حكم بالنسبة لك، إذا عدت رئيساً للحكومة. أما نحن فبيروت مدينتنا. بيروت نحن. بيروت حلمنا وأملنا وخيبتنا. بيروت متنفسنا. نغضب منها عندما نراها مستسلمة لكم، لكننا سرعان ما نشتاق إليها، سرعان ما ينادينا واجبنا بأن ننتزعها من بين أيديكم. بيروت حبيبتنا نحن، أسيرتكم أنتم. سنحررها منكم ذات يوم، ذات يوم سنخلصها من السواد الذي لطختموها به.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024