الحريري وريفي.. وأحلام الجمهور المنكسر

نذير رضا

الخميس 2019/03/14
صورة اللقاء الرسمي التي تداولها مئات المغردين للمصالحة الشهيرة بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي، في منزل الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة، لا تحمل كل هذا التحليل، والاستفاضة به، لجهة "طيّ صفحة الخلافات" والعبور الى مرحلة جديدة وفق آلية "يا دار ما دخلك شر". 
ما أظهرته الصورة، لا يشير الى إعادة عقارب الساعة الى الخلف، ما قبل العام 2015، والخلاف على الخيارات، كما لا يحتمل تأويلات من نوع تخطي الأزمات والسجالات، بقدر ما تنم عن تكتيك سياسي، ينتهجه الحريري لتطويق ذيول الاحتقان الداخلي، بصورة المنتصر. 

فالانفتاح الذي عكسته ابتسامة الحريري في الصورة، وحماسة السنيورة للمصالحة، وفتح الحريري ذراعيه لاحتضان الاجنحة المستقبلية، المؤثرة اقليمياً، وهو بهذه الحال الرئيس السنيورة، والمؤثرة محلياً، وهو ريفي، قوبلت بتحفّظ سيميائي من قبل اللواء المتقاعد الذي يدرك بما لا يحمل الشك، أنه بات خارج أجنحة التأثير في "المستقبل"، حتى لو فرضت الوقائع تحليلات غير ذلك. 

فالوزير الأسبق، اختبر التحليق خارج "المستقبل" مرتين. حقق في التجربة الأولى نجاحاً محدوداً من خلال نتائج الانتخابات المحلية في طرابلس، وأخفض في الانتخابات النيابية التي لم تؤهله للمنافسة على زعامة السنة خارج طرابلس فحسب، بل ألزمته بالانكفاء السياسي حتى في المدينة التي حقق فيها خرقاً في انتخابات العام 2016 البلدية. وعليه، يدرك الرجل أن حجم التأثير لا يتخطى أسوار المدينة حيث يكن الفقراء له كل الود، ويعولون عليه كرجل مهيأ لتقديم الخدمات لهم، وحان وقت تأثيره في الانتخابات الفرعية، فبادر السنيورة الى احتواء فرص تشتيت الاصوات عبر المصالحة. 

يقرأ السنيورة النتائج السياسية قبل وقوعها عملياً. فالانتخابات الفرعية على ضوء قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة ديما جمالي، حُصرت في دائرة تتألف من مدينة طرابلس وثلاث بلدات محيطة. تتنافس فيها ثلاثة تيارات بشكل رئيسي. وعليه، فإن تشتت الأصوات المستقبلية بين لائحتين، سيعطي الافضلية لمرشح "جمعية المشاريع" القريبة من "حزب الله" والنظام السوري، على حساب مرشح ريفي الخاسر حكماً، ومرشحة المستقبل المدعومة أيضاً من الرئيس الاسبق نجيب ميقاتي. لذلك، باتت المصالحة ضرورية، لاحتواء الضرر عن الطرفين، وإعطاء ريفي، المؤثر محلياً فقط، تعويضاً مستقبلياً لن يرقى الى مستوى نفوذه قبل العام 2015. 

يدرك ريفي هذه الوقائع، كذلك يدركها الحريري والسنيورة. لا نزالات بين الطرفين، حيث تستوجب السياسة والخيارات تسوية من هذا النوع، وهي تسوية لا يعترف بها مغردون مناصرون للطرفين، بنوا عليها أحلاماً تتخطى راهنيتها وساحتها الضيقة. فقيل في مواقع التواصل ان ما حصل هو إعادة تجميع للقوى المشتتة، وهو تضييق لمساحة التباينات السياسية، وهو توحيد للجهود في وجه النظام السوري وأتباعه... أقوال كثيرة قيلت، لكنها أراحت الجمهور المتعب من الانقسامات الداخلية، والمشتت بين الخيارات الداخلية والاستراتيجية. 

لا يُعاب على الجمهور هذا التقدير. فالانقسام الداخلي في أي حزب، يخلق صراعاً نفسياً بين المناصرين. من هو المحق؟ ومن ندعم؟ من نعرفه شخصياً، أم القائم على الحزب أو التيار؟ وما الداعي لانقسام سيحصد نتائجه الخصوم؟ 

تتكرر هذه الأسئلة في التيارات كافة. شوهدت الشهر الماضي بعد مؤتمر حزب "الكتائب"، والانقسام الحاد الذي ظهر بين النائبين سامي ونديم الجميل. كما شوهدت إثر اتخاذ قيادة "حزب الله" قراراً بتجميد عمل النائب نواف الموسوي. قبله، ظهرت في "تيار المستقبل" إثر الصراع بين ريفي والحريري، وفي "التيار الوطني الحر" إثر الانقسامات الداخلية على رئاسة الوزير جبران باسيل للحزب.

في الأحزاب، هي مادة إحباط بالنسبة للمناصرين، تشحنهم المصالحات بالقوة. فالجمهور لا ينسى حكاية الرزمة والأعواد. في التوحد يصعب كسرها، بينما التفرد بها سيفتت الأحلام الحزبية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024