ممانعون يتهمون لبنانيين بأنهم إسرائيليون.. تمهيداً للإلغاء؟

نور الهاشم

الجمعة 2019/09/06
الاحتفاء بالتخوين، وتعميمه، بعد أزمة الحدود الجنوبية الأخيرة، ليس فعلاً جديداً يستدعي هذا الكم من الدهشة، المفتعلة غالباً. إذ فَقَد خاصيته كحدث، بوصفه انزلاقاً مكرراً الى قعر أخلاقي وانساني. 

ذلك أن الجمهور القابع خلف شاشة زرقاء، يبحث عن عدو، ويختار أولويات، بحسب تراتبية النفوذ، ويتحول من الجسم السياسي الى الجسم الإعلامي، ثم الى الخصم "التويتري" إذا انعدم الطرفان في المرتبتين الأوليَين. وبات ذلك جزءاً من أدبيات المواجهة. 

من هذا الجانب التواصليّ المظلم، جاءت ملصقات "تويتر" الأخيرة التي تصنف إعلاميين وسياسي واحد (فارس سعيد)، في مساحة واحدة مع الناطق باسم جيش الاحتلال افيخاي أدرعي. والأخير، اللاعب المحترف على التناقضات، والمعتاش على الانقسام، والمغرم بالشتيمة، أكسبه التعليق في صفحاته سمة التأثير، ووظيفة أخرى الى جانب وظيفته الرسمية، هي تغذية الانقسام، وهو ما دفعه إلى التوغل في الخصوصيات والتصنيفات، حتى بات مرجعاً، ومثالاً لتصنيف الخصوم اللبنانيين على صورته. 

من السهل وصف المنحدرين الى شتيمة لبناني أبدى رأياً، أو شكّك في ظروف سياسية خارج الكادر الدعائي الذي رسمه "حزب الله" لردّه، بأنهم تافهون ومارقون وإلغائيون وشتّامون... ومن السهل وصف خصومهم، القابعين تحت الانتقاد والمتهمين بالتخوين، بأنهم تخطوا محاذير الدقة التي تتعاطى معها الحكومة اللبنانية لحالة أمنية شهدها الجنوب أخيراً. وبأنهم وضعوا أنفسهم في موقع اللوم، في زحمة المشهد السياسي الممتد على ضوء مواجهة ميدانية استثنائية مع جيش الاحتلال. وبأن خصومتهم السياسية المحلية مع "حزب الله" دفعتهم نحو خطاب التقى في تشكيكه، مع دعاية العدو، الذي استفاد منها في ظرف وطني استثنائي...

غير أن التهمة للفئة الاولى، تنقصها الدقة، في حال أخذ الظرف الزماني والمكاني في عين الاعتبار. كما أن التهمة للفئة الثانية، تحتاج الى  التمعّن، في الظرفين نفسهما. ذلك أن المتهِمين والمتَهَمين، يحكمون ويُحاكمون على خلفية تاريخ طويل من التصادم، يجري إسقاطها على الخصم الآن، وهي ثيمة الجماهير في لبنان في التخاطب، ولغتها في مقاربة الملفات الخلافية باستثناء لصق تهمة العمالة وتخوين طرف بحجة نقدية لفعل عسكريّ، لا يلقى إجماعاً وطنياً بظرفه غير المعلن عنه. 

والواقع أن القول إن إعلاميين محددين متهمون بالعمالة بسبب خصومتهم مع الحزب، ليس دقيقاً. هؤلاء باتوا مكسر عصا، يُملأ فيهم فراغ وُجد نتيجة صمت سياسي عن النقد لوضع "حزب الله"، البلاد، على شفا مواجهة مع العدو، بعد خرق الأخير لقواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2006.

والحال، حين انحسرت المواجهة السياسية، بعد أزمة الحدود الجنوبية أخيراً، عن الاصطفاف، أُحيل الخلاف الى اعلاميين انتقدوا، وعادة ما يحتلون موقعاً هامشياً حين يكون الناقدون من مستوى سياسي. اختفى القسم الأول، تسليماً بواقع عبّر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري، في مقابلة تلفزيونية أمس الأول مع CNBC، قال فيها إن حكومته لا تتحمل مسؤولية أو تبعات العملية الأخيرة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. واعتبر أن حزب الله "ليس مشكلة لبنانية فقط، بل هو مشكلة إقليمية بحاجة إلى العلاج"، مضيفاً أن حزب الله "يستطيع إشعال حريق أو حرب قد تحصل لأسباب إقليمية، لا تخص لبنان، لكنه لا يدير الحكومة". 

على المستوى المقابل، بقي انتقاد حزب "القوات" محصوراً في القرار 1701، وقرار الحرب والسِّلم في يد الدولة. أما المجلس الأعلى للدفاع، فمنح الحزب غطاء للرد، مستنداً الى تصريحات لرئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، ومسؤولين آخرين، أفضت إلى أن الغطاء السياسي متوافر للرد، والاتصالات الدولية قائمة، بما يلزم الحزب بالبقاء تحت سقف دولة تضبطه. 

وعليه، فإن هذا الفصل من الخلاف السياسي، توجه الى الإعلاميين كبديل عن ضائع. يجري التحول في اتجاهه بهدف إعلامي مفاده ان التخوين يعبّر عن قوة. عن قوة تفيض من حدث لا يريد أحد، باستثناء قادة "حزب الله" أنفسهم، الاعتراف بأنه بقي تحت سقف مدروس. وهي القوة التي تعطي حامليها من جمهور الحزب، حقاً مزعوماً بالتخوين، وتقديم الانتقاد على أنه موقف اسرائيلي.

ليس هناك أي جديد في الهجوم على الخصوم، سوى الاتهام بالاصطفاف الى جانب اسرائيل، وأسرَلة البعض، في مرحلة تلت الاتهامات بالعمالة. وينطوي هذا الحدث على خطورة بالغة، كون اسرائيل تُقاوَم وتُقارَع بحق وطني وانساني، كعدو محتل، لذلك يُخشى من أن يتم التعاطي مع الخصوم بالمقاربة نفسها، تلك التي لا تترك مجالاً للمحاكمة قبل الإلغاء المعنوي. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024