إعلام إسرائيل عن "صفقة القرن": ضمّ الأراضي مشكوك فيه

أدهم مناصرة

الخميس 2020/01/30
مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "صفقة القرن"، انتقل الإعلام الإسرائيلي من مرحلة السبق الصحافي بكشف مضامين الخطة قبل إعلانها، إلى تفسير مقاصد ترامب من تعبيراته وخطته حول الدولة الفلسطينية وحدودها وما يعنيه بـ"عاصمتها في القدس الشرقية".


وخلاصة ما استنتجه الإعلام الإسرائيلي هو أن خطة ترامب تنطوي على تبادل أراضٍ بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مع الإشارة إلى مقترح نقل أراض في النقب لصالح الفلسطينيين، وسط نقاش على منطقة "المثلث" داخل الخط الأخضر. ورأت القناة "12" أن البند المفاجئ بالنسبة لها في صفقة القرن يكمن في "تبادل السكان"، مشيرة إلى أن ترامب شطب الخط الأخضر. غير أن موقف القائمة العربية المشتركة من هذه المسألة تحديداً لم يستثنِه الإعلام العبري، فنشر تصريحها الذي يشدد على "أن تبادل السكان لن يمر".

وسردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تفاصيل الصفقة التي اختزل ترامب صفحاتها الثمانين في صفحة واحدة خلال مؤتمره الصحافي، متحدثةً عن الخريطة التي نشرها ترامب عبر حسابه في "تويتر"، وما يتصل بقضية الحدود واللاجئين الفلسطينيين. ولم تتردد الصحيفة العبرية في وصف خطة ترامب بأنها "هدية الإنتخابات الإسرائيلية". أما صحيفة "هآرتس" فرأت خطة ترامب، على أساس أنها تضمن الضم الإسرائيلي لأراض في الضفة الغربية، لكن الجديد، هو استعداد اليمين في إسرائيل لـ"التنازل" عن بقية المساحات الواقعة في الضفة، على حد تعبيرها.

ويلاحظ أن الإعلام العبري بمختلف توجهاته ومرجعياته، لم يخض كثيراً في تقديم نقد علمي ومهني لصفقة ترامب وثغراتها حتى الآن، بقدر ما ركز على تحليل انعكاسات الخطة على المشهد السياسي الداخلي، مروراً بالتشكيك أحياناً بنوايا سياسيين في إسرائيل ارتباطاً بمعركة انتخابات الكنيست المرتقبة مطلع آذار/مارس المقبل. ويمكن ملاحظة ذلك في التحليل الذي تصدر "هآرتس"، الأربعاء، ورأت فيه أن نتنياهو يحاول من جديد رسم "حدود الدولة" للإفلات من القانون ومحاكمته على خلفية ملفات الفساد الثلاثة المتهم بها.

إلى ذلك، دخل إعلام الدولة العبرية أيضاً معترك الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقررة بعد تسعة أشهر، وسط محاولة اليمين في الولايات المتحدة توظيفها "كعامل مربح لترامب". وأشارت وسائل الإعلام المختلفة إلى تصريح "دعائي" خرج من فم المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات، زعم فيه أنه "إذا انتخب رئيس ديموقراطي، فإن صفقة القرن في خطر".

اللافت هنا، أن تغطية الإعلام الإسرائيلي لوقائع ما بعد إعلان الصفقة، أدت دور المروّج والمسوّق للصفقة بقصد أو من دون قصد. وتجلى ذلك في الحرص على تناقل تصريحات مسؤولين في الإدارة الاميركية الرامية إلى تسويق الخطة، مثل "أن الولايات المتحدة ترى أن إسرائيل غير ملزمة بمنح الفلسطينيين 100 بالمئة من الأراضي كيفما كانت قبل العام 1967 وإنما قريبة منها، وهذا يتناسب مع قرار الأمم المتحدة 242"، والقول أن الصفقة بحسب واشنطن هي بمثابة "حل وسط منطقي".

وتبنى الإعلام الإسرائيلي أيضاً "دعاية ترامب" بشأن قبول الصفقة من أطراف عربية وعالمية، وتقول القناة "12" في هذا السياق: "إن الدول العربية المعتدلة لم ترفض بشكل نهائي، مطلقاً، صفقة القرن"، علماً أن أكثر العناوين واقعية ومباشرةً في الصحافة الإسرائيلية، كان في موقع "واللا" العبري، وهو: "صفقة ترمب لن تحقق السلام، لكنها تحقق أحلام اليمين".

في السياق، رأت صحيفة "معاريف" أن "إنجاز نتنياهو الأكبر" من صفقة القرن هو إتاحة المجال لإسرائيل كي تنفذ الضم الواسع للأراضي، وعدم العودة لحدود العام 1967. ورغم ذلك، أظهرت الصحيفة مستوى التباين داخل اليمين الإسرائيلي بشأن طريقة التعاطي مع صفقة ترامب، فقد رفض الوزراء المتطرفون في حكومة نتنياهو، مثل وزير الجيش نفتالي بينيت، إقامة دولة فلسطينية تحت أي ظرف، وقال: "لا للضم الجزئي، لنأخذ كل شيء والآن".

اللافت، أن صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو الذي بدا متحمساً جداً للصفقة الأميركية، لم تُخفِ أن الخوف يكمن في جوانب معينة من خطة ترامب، رغم وصفها بـ"الهدية".

وبعد مرور يومين على "موقعة إعلان الصفقة"، خفتت حدة وحماسة الإعلام الإسرائيلي في الخوض ببنود الصفقة، خصوصاً ما يتعلق بضم إسرائيل للمستوطنات والأغوار بموجبها. فالقناة "13" حسمت في تحلليها أن الإدارة الأميركية سكبت "الماء البارد"على قضية فرض "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية، وطلبت أن يكون ذلك بعد تشكيل لجنة تقوم بدراسة تفصيلية للقضية. وتكرر هذا الموقف في صحيفة "يديعوت احرونوت"، الخميس، حيث بدت أكثر إدراكاً وتشكيكاً في مسألة ضم إسرائيل لأراض فلسطينية بالقدر الذي تريد وفي الوقت الذي تشاء، وعنونت الصحيفة: "الأميركيون ليسوا متحمسين.. والضم بات أمراً مشكوكاً فيه".

إلى ذلك، ذهب الإعلام العبري في الساعات الأخيرة إلى استعراض استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي في أعقاب نشر الصفقة ومدى تأثيرها في حظوظ نتنياهو في الفوز بالانتخابات المقبلة، والخلاصة أن "خطة ترامب لم تغير خريطة المعسكرات الإسرائيلية ولا حتى عدد مقاعد الأحزاب في الكنيست". وهذا يعني، أن نتنياهو لم يكسب منها حتى الآن ولم يخسر منها غريمه زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس.

فلسطينياً، كانت عبارة "رضينا بالبين والبين ما رضي فينا" التي نطقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال خطابه الليلة الماضية رداً على إعلان صفقة القرن، دافعاً كي يفسرها ناشطون فلسطينيون في "فايسبوك" و"تويتر"، على أنها دلالة على "قلة حيلة قيادتها وعجزها عن فعل شيء عملي يردع صفقة القرن".

وبكلمَتي "شكراً ترامب"، عبّر ناشط من محافظة طوباس، شمال شرقي الضفة الغربية، في "فايسبوك"، عن نقده الممزوج بـ"العتب" تجاه القيادات الفلسطينية التي دفعها "إعلان ترامب" المشؤوم للحديث عن المصالحة الفلسطينية، وإجراء رئيس السلطة محمود عباس اتصالاً هاتفياً برئيس مكتب "حماس" السياسي إسماعيل هنية لتدارس سبل مواجهة صفقة القرن. وتساءل  الشاب الفلسطيني: "كم كارثة، وكم مشروعاً تصفوياً.. وكم عدواناً إسرائيلياً يجب على شعبنا أن يواجه من أجل أن تتحقق المصالحة الفلسطينية؟!".

والحال أن المواطن الفلسطيني الفاقد للأمل والذي يعيش واقعاً معقداً غير مسبوق، لا يريد رؤية تعابير غاضبة على وجوه قياداته ولا تصريحات مثل ما أطلقه أحدهم عبر شاشة "تلفزيون فلسطين" بعد ساعتين من "موقعة إعلان ترامب"، قائلاً: "احنا مش من الناس الي ريالتهم بتنزل لما يقولوا الهم ترامب بده يحكي معكم". بل ينتظر الشعب فقط إجابة حاسمة عما ينتظره غداً، أو على الأقل أن تكون قيادته صريحة كي تخبره أنه "ليس في اليد حيلة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024