كورونا.. من صُنع معهد "باستور" الفرنسي؟

المدن - ميديا

السبت 2020/03/21
مازالت مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالمعلومات المضللة الخاصة بفيروس كورونا، رغم التأكيدات التي نشرتها مؤسسات علمية، عن أن نظريات المؤامرة المرتبطة بفيروس كورونا، والتي ساهمت في نشرها وسائل إعلام روسية، من بينها "روسيا اليوم"، عارية عن الصحة، بما في ذلك الحديث عن أن الفيروس من صنع الإنسان وأنه أنتج كسلاح بيولوجي من قبل الدول الغربية.

ومن أحدث النظريات التي انتشرت، الحديث عن تصنيع الفيروس من قبل شركات الأدوية الكبرى، لتحقيق ربح كبير. واستند ذلك إلى مقطع مجتزأ من مسلسل تلفزيوني كوري جنوبي يحمل عنوان "My Secret Terrius". وروّج معلقون أن المسلسل دقيق وتنبأ بالمستقبل بناء على "معلومات" بسبب عرضه العام 2018، أي قبل عامين من انتشار فيروس كوفيد 19.

لكن الحديث الموجود في المقطع ليس إلا حديثاً عاماً، كان منتشراً في وسائل الإعلام الكبرى منذ انتشار فيروس سارس العام 2002، الذي كان أول وباء تسببه الفيروسات التاجية "كورونا". وقد حذر العلماء والمؤسسات الصحية العالمية من أن الفيروسات التاجية تتطور، ما يعني أنها قد تبلغ مرحلة تهدد البشرية، مثلما هو الحال مع فيروس كوفيد 19، اليوم.



وفيما بات المسلسل الكوري الجنوبي، رائجاً للحديث عن نظريات المؤامرة، فإنه ينضم إلى سلسلة طويلة من المسلسلات التي يزعم أفراد بأنها تنبأت بالمستقبل، ومنها "ذا سيمبسونز" و"12 مونكيز" وغيرها. وفيما يتم تفنيد تلك المزاعم بسهولة في المسلسلات الأميركية تحديداً، التي وصل فيها الخيال العلمي إلى مرحلة متطورة من الإبداع في عملية تقديم الحكاية التلفزيونية، فإن المسلسل الكوري يبدو ساذجاً وبدائياً، ما أعطاه شيئاً من الواقعية، فبدلاً من الحديث عن جماعة تصنع الفيروس من أجل إبادة مفهوم الزمن برمته، مثلما هو الحال في "12 مونكيز" مثلاً، بات الربح المادي فقط محور المسلسل الكوري الجنوبي.

وأشار معلقون إلى أن المسلسل يتحدث عن تفاصيل لا تتشابه مع تفاصيل كوفيد 19، فبينما يقتل الفايروس في المسلسل 20% من المصابين به، مازالت نسبة الموتى من المرض الحقيقي بحدود 2% فقط، كما أن فيروس المسلسل يصيب الرئتين مباشرة، بينما تعتبر الإصابة في الرئتين مرحلة متطورة يشهدها المصاب بفيروس كوفيد 19.

والحال أن دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية، الثلاثاء الماضي وتناقلتها وسائل إعلام أميركية، وشارك فيها باحثون من جامعات أدنبرة وكولومبيا وسيدني وتولين، لم تجد أي دليل على أن الفيروس تم صنعه في مختبر أو هندسته بأي شكل آخر. وتم التوصل إلى تلك النتيجة بعدما حلّل العلماء بيانات تسلسل الجينوم العام لفيروس كورونا المستجد والفيروسات ذات الصلة.​

وتعود إحدى نظريات المؤامرة التي انتشرت هذا الأسبوع، إلى رجل فرنسي ظهر في مقطع فيديو انتشر على نطاق عالمي، وزعم أن فيروس كورونا المستجد هو صنيعة معهد "باستور" الفرنسي، ما استدعى رداً من المعهد، وبياناً توضحياً نشرته خدمة تقصي الأخبار الكاذبة في وكالة "فرانس برس".



وفيما عرض الرجل الفرنسي شهادة براءة تحمل رقم "EP 1 694 829 B1"، كدليل على أن الفيروس مصنع في مختبر تابع لمعهد "باستور" الفرنسي الذي تأسس العام 1887 بهدف إيجاد علاجات ولقاحات للفيروسات المستجدة، فإن الحقيقة هي أن هذه الشهادة ليست "براءة اختراع"، بل "براءة اكتشاف"، وهي لا تتعلق أصلاً بفيروس كورونا المستجد، بل بفيروس "سارس" الذي ينتمي إلى عائلة كورونا، وأصاب أكثر من ثمانية آلاف شخص في 30 دولة بين العامين 2002 و2003، وتسبب بوفاة 700 بحسب منظمة الصحة العالمية.

وبحسب "فرانس برس" حظي الفيديو بأكثر من 62 ألف مشاركة عبر إحدى الصفحات فقط بالإضافة إلى عشرات آلاف المشاركات عبر صفحات أخرى. لكن الدليل المقدم في الفيديو لا علاقة له بكورونا المستجدّ وينطوي على أخطاء علمية. وأكد مدير وحدة الفيروسات والمناعة في مختبر "باستور"، أوليفييه شوارتز، أن الشهادة المذكورة صحيحة، لكنها لا تعني أن الفيروس مُخترع، وتتعلق تحديداً باكتشاف الرمز الجيني للفيروس.

وقال شوارتز: "نحن لا نصدر براءة اكتشاف للفيروس نفسه، بل لرمزه الجيني". وعلى ذلك، فإن تسجيل الرمز الجيني لفيروس ما، يعني تسجيل براءة اكتشاف ولا يعني أن الفيروس مُخترع أو مصنّع كما يوحي الفيديو". مضيفاً: "لا فيروس كورونا واحداً، فهناك سبعة على الأقل والرمز الجيني المذكور يعود لوباء انتشر العام 2003، وهو من أقارب الفيروس المسبب للوباء الحالي".

وأشار موقع منظمة الصحة العالمية إلى أن فيروس كوفيد-19 وفيروس سارس يرتبطان جينياً لكنهما مختلفان. وقال شوارتز أن هناك تشابهاً بنسبة 80% على صعيد الرمز الجيني للفيروسين لكنهما مختلفان. واللقاحات التي جرت تجربتها بموجب الشهادة الصادرة العام 2004 لا يمكن إعادة استخدامها لكورونا المستجد بسبب هذه الاختلافات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024