الحريري يتحرّر من "حزب الله"

نذير رضا

الأربعاء 2019/10/30
صمت جمهور تيار "المستقبل" اسبوعاً قبل الردّ على جمهور "القوات اللبنانية" الذي اتهم الحريري بأنه ينصاع لرغبة "حزب الله" بعدم الاستقالة. سحب مناصرو الحريري تلك التغريدات من مواقع التواصل، وارفقوها بتغريدات وتعليقات جديدة تفيد بأن الحريري "لم يكن يوماً تابعاً لحزب الله" وأنه "لم يطلب الحماية منه"، وانه يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات، وأنه "الحرّ في مواقفه، والقوي بالسياسة". 

انسابت تلك العبارات في عشرات التعليقات منذ اعلان الحريري استقالته وحتى اليوم. فجمهور "المستقبل" تحرّر من عبء الاتهام. كما تحرّر الحريري نفسه من عبء الـ"لاءات" التي وضعها نصر الله في خطابين واكب فيهما الاحتجاجات اللبنانية، رفض خلالهما اسقاط العهد، واسقاط الحكومة، فيما خصص الـ"لا" الثالثة لفرض ضرائب جديدة. 

بدا الحريري في تلك اللحظات مرهوناً لرأي "حزب الله" ومواقفه. بدا ضعيفاً، هشاً، محاصراً من قبل شعبه في الساحات، ويستنجد بالطرف الذي تربطه به خصومة سياسية منذ 14 عاماً. وبدا جمهوره محرجاً أمام حلفائه السابقين، كيف حمى عدوكم التقليدي منذ 14 عاماً زعيمكم؟ وذهب الملف باتجاه التنمّر، وفرض تحليلات لا يقوى جمهور "المستقبل" على مواجهتها، باتهام معمم بأن الحريري أسير رغبة "حزب الله"، وبحمايته. 

ثقل الاتهام، أحبط جمهور "المستقبل". ألزمه الصمت، وسط أزمة متنامية. وعندما رفع الحريري استقالته بوجه الجميع، تحرر جمهور المستقبل أولاً من الاتهام بأن زعيمه أسير خصمه السياسي. لم يعنه في هذه الاستقالة الا مواجهة الإتهام بالدليل. "لو كان محمياً، أو رهينة لحزب الله، لما كان قد قدم استقالته"، وهي فكرة عُمّمت، ولاقت رواجاً كبيراً، الى جانب العبارة المتادولة بكثرة: "ما حدا أكبر من بلدو". 

والحال ان ردة فعل المستقبل، طبيعية. ذلك ان جمهور الحريري لم يطبع العلاقات مع حزب الله حتى الآن، ولا ينظر الى نصر الله على انه منقذ له. برأي هذا الجمهور، لا يزال أمين عام "حزب الله" خصم السنّة الاول، من لبنان الى اليمن، وبالتالي، فإن الحماية منه ستعني أمراً واحداً ان السنّة يشعرون بالضعف، وغير قادرين على انتاج قوي، وباتوا رهائن لدى الخصوم. 

حين تحرر الحريري من الحكومة، هو في الواقع، تحرر من التزام حزب الله بحمايته، وهو التزام يدخل ضمن اطار الخطأ السياسي الاستراتيجي الذي يرتكبه نصر الله. وامام هذا الاعلان من نصر الله، وجد الحريري المنفذ برمي الاستقالة بوجه حزب الله وباسيل على حد سواء، متحرراً من الضغوط التي مارسها الطرفان عليه. فباسيل مارس الضغط السياسي من خلال اقصاء بعض حلفاء الحريري واحراجه معهم، اما نصر الله فضغط عليه من بوابة الالتزام بحمايته من ضغوط الشارع. 

قلب الحريري الطاولة على باسيل ونصر الله على حد سواء. استراح من عناء الضغوط، وأراح جمهوره، وفتح باب الاتصالات السياسية لمرحلة ما بعد الاستقالة. ولا يزال يخاطبه جمهوره بالقول: "دخلت الحكومة بطلآ، وخرجت منها امبراطور.. بطل من بلادي الشيخ سعد الحريري ..معك". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024