الأربعاء 2025/06/11

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

تساؤلات عاجلة حول تسليم السلاح الفلسطيني

الأربعاء 2025/06/11
تساؤلات عاجلة حول تسليم السلاح الفلسطيني
لوحظ تهميش دور لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وإيكال المهمات بشكل أساسي للأجهزة الأمنية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
يُدرك الفلسطينيون في لبنان الكلفة البشرية والاجتماعية الباهظة للسلاح الموجود في مخيماتهم. فهو الأب الشرعي للفوضى التي أتاحت لأفراد من العالم السفلي أن يتصدروا المشهد السياسي، ويتحكموا بالقيم العامة، ويبرزون جانبها السلبي الذي سيترك انعكاساته على التعليم والعلاقات الأهلية وكل مناحي حياتهم. وهو ما دفع لهجرة نخبهم من المخيمات منذ أوائل السبعينات، لتغدو معظم فصائلهم ولجانهم الشعبية بلا نخب تقريباً.

كما يعلم الفلسطينيون أن قضية السلاح إحدى القضايا الرئيسية التي تعيق انفتاحهم، أو استعادة العلاقة المتوازنة مع شرائح لبنانية واسعة. ويعرفون أن الموازين الإقليمية والمحلية التي كانت تحمي هذا السلاح تاريخياً، وتمنع المساس به، قد أصابها خلل كبير. فالقاهرة اليوم غير القاهرة عام 1969 التي وُقّع فيها الاتفاق الشهير. وسورية التي أغلقت الحدود عام 1973 عندما أوشك الجيش اللبناني على حسم مسألة السلاح ميدانياً، هي غير سورية اليوم المتجهة غرباً، والمتساوقة مع ما كانت تدعوها حينذاك بـ "الأنظمة الرجعية".

تنظيم السلاح: مطلب فلسطيني
وعراق ذلك العام، الذي منع السيّاح العراقيين من التوجه إلى بيروت، بذريعة الضغط لحماية السلاح الفلسطيني، مع أن المضمر كما أسرّ صدّام حسين، نائب الرئيس العراقي، للوفد اللبناني، هو منع تشويش عقول العراقيين بقراءة الصحف اللبنانية، هو غيره عراق اليوم.

تنظيم السلاح، وهو التسمية التي يفضلها الفلسطينيون لأسباب تاريخية، وإن كان دوماً مطلباً فلسطينياً منذ عام 1990، وأحبط تحقيقه تدخل النظام السوري مراراً، لكن  هناك ملاحظات كثيرة أبداها فلسطينيون حول طريقة طرح الموضوع مؤخراً، خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لبيروت، والاتفاق على جدول زمني لتسليم السلاح. ولا يخفى أن الانقسام حول هذه القضية وصل إلى حركة فتح، وبدا من تصريحات بعض مسؤوليها أن الإجماع التنظيمي الداخلي حول تنظيم السلاح قد أصابه تشققات نتيجة عدد من العوامل.

لم ينفصل يوماً الحديث حول السلاح الفلسطيني عن الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان. فاتفاق القاهرة في بنوده الأولى يتكلم عن هذه الحقوق، وأولها حق العمل والتنقل، إذ كان يُمنع الفلسطينيون من الانتقال من منطقة إلى أخرى دون تصريح. واتفاق ما يُعرف بلجنة الوزيرين (الأمين وفاخوري) عام 1990 يؤكد على مبدأ المقايضة بين السلاح والحقوق. وكذلك فعلت طاولة الحوار اللبناني عام 2006 حين تحدثت عن تسليم السلاح خارج المخيمات، وتنظيمه داخلها، ومنح الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. وهو المبدأ الذي قامت عليه لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني منذ تأسيسها عام 2006.

تجاهل الجانب الإنساني
لكن تفاجأ الفلسطينيون بأن البيان اللبناني الفلسطيني المشترك جاء عامّاً جداً بالحديث عن "تحسين الظروف المعيشية للاجئين"، بينما كانت الكلمات عن هدف تسليم السلاح وحصريته بيد الدولة اللبنانية أكثر تحديداً. وما لحق ذلك من ضرب مواعيد لتسليم السلاح، وتجاهل عقد اجتماعات موازية تُعنى بالجانب الإنساني والحقوقي، زاد مخاوف الفلسطينيين من أن قضيتهم عادت قضية أمنية بحتة، وكأن الحديث يدور فقط عن "عصابة مسلحة"، كما يقول فلسطينيون، وليس كتلة بشرية لها مطالب حقوقية، وحاجات إنسانية بديهية لا يمكن تحقيقها دون مسار قانوني ترعاه وتوافق عليه الدولة التي يتواجدون على أرضها.

وبالقدر الذي ينتقص ذلك من حق الإنسان الفلسطيني، فهو يصيب شخصية الدولة ويقزّم تعريفها إلى "أداة أمنية وقمعية"، حين يسقط وظائفها الاجتماعية والقانونية تجاه أفراد يعيشون ضمن جغرافيتها. وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية الأساسية، أو عدم إظهار الاستعداد الصادق لبحثها، ربما يعيق البحث الجدي في تنظيم أو تسليم السلاح، ويضعف قناعة فلسطينية عامّة كانت تتشكل حول مصير السلاح. خاصة وأن كل التصاريح الماضية التي أدلت بها لجنة الحوار كانت تحدد مشاريع القوانين المتعلقة بالحقوق والتي أرسلتها لمجلس النواب، منها مشروع "حق الفلسطيني في تملك شقة سكنية بضوابط محددة"، كما أقرّ رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السابق باسل الحسن.

وليس هناك حتى الآن إجابة حول من سيتولى أمن وإدارة المخيمات. فإذا كانت السلطات اللبنانية ستوكل بمهمة الإدارة، فالأمر يحتاج إلى قوانين وتشريعات تسهّل عمل تلك الإدارة، حتى لا يتكرر ما جرى في مخيم نهر البارد بمخيمات أخرى، حين أرادت الأجهزة الأمنية تطبيق القوانين التي تمنع الفلسطينيين من ممارسة بعض المهن الحرة في المخيم، على غرار القوانين المعمول بها خارجه، وهو ما أدّى إلى صدامات، كون تطبيق ذلك يعني منع عمل مئات الأطباء والصيادلة وغيرهم.

أما إذا كان القرار أن توكل الإدارة إلى الفصيل الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية، أي حركة فتح، من دون اكتراث للعلاقة الفصائلية البينية، فهذا أيضاً ينطوي على خطر. وهذا ما يعني توتير العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، وربما القضاء على الأطر المشتركة، وأهمها هيئة العمل الفلسطيني المشترك. ورغم انتقادات الفلسطينيين لأداء فصائلهم، إلاّ أن تعاون الحد الأدنى بينها استطاع تحييد المخيمات الفلسطينية عن توترات لبنانية داخلية خصوصاً عام 2013، أثناء التفجيرات التي اجتاحت عدداً من المناطق اللبنانية، والاشتباكات بين أحمد الأسير والجيش اللبناني.

وقد ظهرت في الأيام الماضية بعض بوادر الانقسام، بالتنازع على المرجعية. وكمثال على ذلك مخيم برج البراجنة، الذي حسب الخطة سيكون من المخيمات الأولى التي سيجري تسليم السلاح فيها. فقد ارتُكبت جريمة في 27 أيار الماضي، راح ضحيتها شخصان، وفي حالات مشابهة، وعند وقوع جريمة، تجتمع الفصائل الفلسطينية كلها لاتخاذ القرار. لكن لأول مرة، دعت فصائل منظمة التحرير لاجتماع لفصائلها فقط، وأصدرت بياناً، واتخذت قراراً باعتقال الفاعل، لكنها لم تستطع تنفيذ قرارها، بسبب تباينات داخلها. هذا الانفراد كان مؤشراً لصراع النفوذ في المستقبل، إن لم يتم تدارك الأمر.

إذا كانت هناك جدية بإدارة صحيحة للمخيمات، من المنطقي إشراك المجتمع الأهلي الفاعل في بعضها، مثل لجان الأحياء في مخيم عين الحلوة، والروابط والمؤسسات في مخيم برج البراجنة، والأطر الأهلية القوية في مخيم نهر البارد. وهذه الأطر المدنية أمكنها في محطات عديدة تجسير الهوة بين الفصائل، بل وإيقاف اشتباكات دموية.

وكذلك لوحظ بشكل واضح تهميش دور لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وإيكال المهمات بشكل أساسي للأجهزة الأمنية. ورغم ملاحظات عديدة على أداء اللجنة، إلا أنه لا يمكن إنكار أنها طوال 20 عاماً استطاعت تحقيق العديد من المنجزات، منها جمع القوى اللبنانية حول رؤية مشتركة للعلاقة مع الفلسطينيين رغم صعوبة ذلك، وإصدار دراسات وأبحاث وإحصاءات وكتب جادة حول هذه العلاقة. ويُعد تهميشها من مؤشرات اختزال العلاقة بالطابع الأمني.

"البطالة المسلحة"
لا يمكن تجاوز الخشية من أن تنتقل المخيمات من طور "البطالة المسلحة" إلى البطالة الفعلية الواسعة. ففي دراسة مفصلة قبل عامين، قدّرت "المدن" بأن قيمة ما تُدخله الفصائل الفلسطينية من أموال إلى لبنان شهرياً يقارب 13 مليون دولار، وهو رقم يحتاجه الفلسطينيون بشدة. إن سحب السلاح نهائياً، يعني أنه من المرجح التخلي عن آلاف العناصر الفلسطينية، وتركهم دون عمل، على ما يحمل ذلك من مخاطر.

إن ذلك خبره الفلسطينيون في مراحل عديدة: بعد الاجتياح عام 1982، وحدث في مخيمات بيروت عام 1988، كما عام 1991 بعد أن أمر الرئيس الراحل ياسر عرفات بتسريح 5000 عنصر من حركة فتح في لبنان، بعد أزمة مالية خانقة. ومن الحكمة أن تكون هناك دراسة اجتماعية مسبقة تلحظ أوضاعهم، وكيفية استخدامهم في أعمال أخرى ربما. لكن مرة جديدة تدفع الوقائع والفرضيات باتجاه السير بشكل متوازٍ بين خطة تنظيم السلاح وتحسين الواقع الاجتماعي والإنساني للفلسطينيين.

هناك ضبابية حول تصنيف السلاح الذي يجب تسليمه، هل هو السلاح الثقيل والمتوسط أم الخفيف، فمعظم السلاح في المخيمات هو سلاح فردي باستثناءات قليلة في بعض المخيمات. فمثلاً، مخيم برج البراجنة لم يُستخدم فيه السلاح المتوسط منذ عام 1988. فهل ستكتفي السلطات اللبنانية بتسلم السلاح المتوسط، وما هو مصير السلاح الفردي؟ وهل سيشمل التسليم كل الفصائل الفلسطينية أم بعضها؟ هل سيكون حدث التسليم جدياً أم أقرب إلى كرنفال إعلامي، يحقق كل طرف فيه غاية ما؟

انقسامات بدأت تظهر في الجانب اللبناني وكذلك الفلسطيني حول النظرة للسلاح داخل المخيمات. وإذا كان بين الفلسطينيين من يخشى تسليم السلاح لارتباطه بدوره ونفوذه ومكانته الاجتماعية، فإن بين اللبنانيين من يسعى لتعطيل دور هذا السلاح لبنانياً، غير آبه بانعكاساته فلسطينياً. وفي كل الأحوال فإن تسليم السلاح أو تنظيمه غير مفصول عن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والتاريخية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها