ومع اقتراب انتخابات 2026، تظهر مجموعة من الإشكاليات البنيوية التي لا تزال عالقة من دون حلّ ضمن قانون الانتخاب القائم، وفي طليعتها مسألة اقتراع المغتربين، تطبيق "الميغاسنتر"، تفعيل البطاقة الممغنطة، وإمكانية تعديل القانون من حيث الدوائر، الكوتا النسائية، أو الصوت التفضيلي. فهل يشهد لبنان إصلاحاً انتخابياً فعلياً في المرحلة المقبلة؟
قانون على قياس التوازنات
أُقرّ القانون الحالي بعد نقاشات سياسية حادة عام 2017، وجرى اعتماده في انتخابات 2018 و2022. يعتمد هذا القانون على النظام النسبي في 15 دائرة انتخابية، مع اعتماد الصوت التفضيلي الواحد ضمن القضاء. وقد روّجت بعض القوى له بوصفه "تقدماً ديمقراطياً"، لكنه في الواقع كُتب بطريقة تحافظ على المحاصصة الطائفية والمناطقية، وتُبقي مراكز القوى السياسية على حالها، والأهم أنه لا يضمن العدالة بالتمثيل، إذ يصل نواب إلى البرلمان بمئات الاصوات، وغيرهم بعشرات الآلاف.
عديدة هي الانتقادات التي وُجهت للقانون، منها أنه لا يعكس تمثيلاً حقيقياً للناخبين، ويُضعف الحياة الحزبية الوطنية لحساب الزعامات المحلية والطائفية. كما أن اعتماد الصوت التفضيلي ضمن القضاء فتح الباب أمام الصراعات داخل اللائحة الواحدة، ما أفرغ النسبية من مضمونها الفعلي. أما غياب الكوتا النسائية، وعدم إشراك الشباب بشكل فعّال لناحية سن الإقتراع، فشكّلا أيضاً دليلاً على أن الهدف من القانون لم يكن تطوير الحياة الديمقراطية بقدر ما كان تكريس البنى القائمة.
اقتراحات التعديل... وممانعة التغيير
منذ انتخابات 2018، طُرحت عدّة اقتراحات لتعديل القانون الانتخابي، إلا أن معظمها اصطدم برفض القوى السياسية الكبرى. فتوسيع الدوائر، أو جعل لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية خارج القيد الطائفي، كما ينص إتفاق الطائف، وكما يُطالب الثنائي الشيعي على سبيل المثال، يُعتبر "خط أحمر" بالنسبة للقوى المسيحية التي ترى فيه تهديداً مباشراً لوجودها. كذلك، فإن إلغاء الصوت التفضيلي، أو حتى تعديله ليكون على مستوى الدائرة الكبرى، لا يحظى بإجماع بين القوى التي تعتبره مدخلاً لضبط نتائج اللوائح.
حسب مصادر قيادية في الثنائي الشيعي فإن القانون الحالي أثبت فشله بضمان حياة سياسية سليمة، فهو ينطلق من تقسيم الدوائر بطريقة تُحاكي مصالح انتخابية خاصة للبعض ويؤدي إلى تعزيز المذهبية والطائفية، مشيرة عبر "المدن" إلى أن القانون الحالي جعل المنافسة "بشعة" بين المرشحين على اللائحة الواحدة، ويؤدي إلى وصول نواب بعدد أصوات قليل جداً مقارنة بآخرين.
وتقول المصادر إن اقتراح القانون الذي أعدته كتلة "التنمية والتحرير" وتقدّم به النائب علي حسن خليل يضمن الإنتقال إلى مرحلة التمثيل الحقيقي للشعب اللبناني. وهو يقوم على اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، مع لوائح مقفلة وإلغاء الصوت التفضيلي، مشددة على أن الكتلة تقدمت باقتراح آخر لانتخاب مجلس للشيوخ تكون مقاعده مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
هذا هو الموقف الرسمي للثنائي الشيعي، ولكن هذا لا يعني أن الثنائي لا يمتلك موقفاً من التعديلات على القانون الحالي بحال لم يتمكن المجلس من إقرار قانون جديد، وتكشف المصادر أن الثنائي مع تطبيق القانون القائم بحذافيره، سواء لناحية انتخابات المغتربين بحيث يُخصص لهم 6 مقاعد في الخارج، أو لناحية الميغاسنتير المربوط حكماً بإصدار البطاقة الممغنطة.
المغتربون: تصويت مؤثر
أحد أبرز العناوين الجدلية التي تطرح نفسها عشية 2026 هو دور المغتربين اللبنانيين في العملية الانتخابية. فقد شارك هؤلاء للمرة الأولى بشكل واسع في انتخابات 2022، حيث تخطّى عدد المقترعين 140 ألفاً، ما ساهم في خرق لوائح الأحزاب السياسية في أكثر من دائرة، لا سيما لصالح نواب المعارضة والمجتمع المدني، وهو ما يُريده المستفيدون منه أن يتكرر.
يتضمن القانون الحالي مادة تنصّ على تخصيص 6 نواب لتمثيل المغتربين ابتداءً من انتخابات 2026، موزّعين على القارات الست، وقد أثارت هذه المادة جدلاً واسعاً، إذ يعتبر كثيرون أن حصر المغتربين بستة مقاعد فقط هو بمثابة عزل سياسي لجزء حيوي من اللبنانيين، الذين أثبتوا في 2022 أنهم قادرون على التأثير في المشهد السياسي، ومن هؤلاء القوات اللبنانية التي تؤكد مصادر مطلعة فيها أنها تقف إلى جانب حق المغتربين بالتصويت للنواب الـ 128 داخل لبنان.
تكشف المصادر عبر "المدن" أن القانون الحالي هو من أكثر القوانين فعالية وقدرة على تأمين التمثيل الصحيح للمسيحيين، مشيرة إلى أن الاقتراحات المقدمة اليوم لتعديل القانون تحاول ضرب هذا التمثيل وتترك أثراً سلبياً على التوازن الطائفي في البلد.
لا شكّ أن القوات اللبنانية ستتمسك باقتراع المغتربين للنواب الـ 128، فهم حصلوا، كحزب سياسي، على العدد الأكبر من أصوات المغتربين في الإنتخابات الماضية والتي فاقت الـ 29 ألف صوت، إلى جانب "حركة" التغيير التي حصلت على المركز الأول بشكل عام، بينما تشدد مصادر الثنائي الشيعي على غياب العدالة بالعمل السياسي في الخارج، إذ إن وضع حزب الله وحركة أمل خارج لبنان معروف، وكيف أن المناصرين والمؤيدين غير قادرين على التعبير بحرية عن خياراتهم.
قوى التغيير ترفض بشكل مطلق تحجيم المغتربين بالخارج، علماً أن تطبيق القانون لناحية تصويت المغتربين لستة نواب فقط سيؤدي إلى خسارة ما لا يقل عن 6 نواب منهم في الإنتخابات المقبلة، في البقاع الأولى والثانية، وبيروت الأولى والثانية، والجنوب الثالثة.
في هذا السياق، يُطرح سؤال أساسي حول قدرة "النواب التغييريين" وقوى المعارضة المدنية على حماية ما تحقق في 2022، لأن التجربة البرلمانية أثبتت انقسامهم السياسي والبرلماني.
الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة
من النقاط التي كثر الحديث عنها في السنوات الماضية، مسألة "الميغاسنتر" والبطاقة الممغنطة، اللتان نُصّ عليهما قانوناً، من دون أن يُصار إلى تطبيقهما.
بحسب المصادر القواتية فإن "الميغاسنتر" يُفترض أن يتيح للناخب التصويت من مكان إقامته، ما يُخفف الضغط اللوجستي ويزيد نسب المشاركة، وتُشير إلى أن هذا الأمر لا يلبي طموح الأحزاب الشمولية التي تمارس تأثيرها السلبي على الناخبين من خلال التهديد والإبتزاز. أما البطاقة الممغنطة، فهي أداة تقنية متطورة تهدف إلى تقليل التزوير وضبط العملية الانتخابية بشكل أكثر شفافية.
الثنائي الشيعي بحسب مصادره لا يُمانع من إقرار الميغاسنتر، لكنه يربط ذلك بالبطاقة الممغنطة لضمان الشفافية، بينما يرى معارضوه أن الثنائي يتذرع بهذه المسألة لعلمه بصعوبات إصدارها، وبالتالي هو يعول على عدم قدرة الحكومة على إصدار البطاقة الممغنطة، بسبب ضيق الوقت وغياب التمويل، مما يلغي الميغاسنتر أيضاً.
هل تقرّ التعديلات المنتظرة؟
في ظل غياب توافق سياسي حقيقي، واستمرار الخلافات حول شكل القانون، تبدو فرص إقرار تعديلات جدية ضئيلة جداً. وما يُخشى منه أن يجري التذرع مجدداً بضيق الوقت أو ضرورة "الاستقرار السياسي" لتأجيل النقاش، والإبقاء على القانون كما هو، مع بعض "الرتوش" الشكلية. فبعد اقتراح خليل، ردّ التيار الوطني الحر باقتراح قانون يُعيد "القانون الأرثوذكسي" إلى الحياة، وبالتالي يُعيدنا إلى المربع الطائفي حيث تنتخب كل طائفة نوابها، أما حزب الكتائب فطالب بمنحه مهلة لتقديم اقتراحه، في الوقت الذي يبدو فيه أن رئيس الحكومة أيضاً بصدد إعداد قانون جديد للإنتخابات يتطابق مع بيان حكومته الوزاري ودفاعه الدائم عن اتفاق الطائف، ومع تعدد الإقتراحات يصبح التعديل أصعب.
لا شكّ أن أي تغيير في القانون الانتخابي يصطدم بالبنية الطائفية للنظام اللبناني، وبموازين القوى التي ترفض التنازل عن مكاسبها، والجديد هذه المرة التدخل الخارجي الكبير بعد الحرب الأخيرة، والنية الخارجية بتحقيق تغيير واسع في الحياة السياسية اللبنانية، فهل يكون للخارج قانون انتخاب جديد أيضاً؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها