تميزت مناسبة السابع من أيار، هذه السنة، بجملة من المؤشرات والتقاطعات والأحداث المثيرة والمتزاحمة في التوقيت بشكل لافت، ما يدعو للتأمل والاسترجاع والمقارنة وطرح الأسئلة والاستفهامات، حول المدى التي ستبلغه حركة التغيير الراهنة في لبنان والمنطقة، وهل سيتمكن لبنان من الاستفادة المعقولة والمقبولة والمفيدة من هذه التطورات؟ وما هي الانعكاسات التي ستظهر على المنطقة، وفي أي اتجاه ستسير؟ وماذا ستكون نتيجتها في الإقليم وعلى الدول المحيطة بلبنان والمؤثرة عليه؟
فبعد 17 سنة من غزوة السابع من أيار المسلحة 2008، التي نفذها حزب الله في بيروت وبعض المناطق، وإحراقه وتدميره مؤسسات تيار المستقبل الإعلامية وترهيب وتهديد وتشريد الصحافيين واحتلال مكاتبه ومقراته، والتي سيطر فيها بقوة السلاح على لبنان والدولة اللبنانية، وقرارها، وفرض عليها شروطه وسيطرته ونفوذه، والتي اعتبرها السيد حسن نصرالله فيما بعد، أنها من الأيام المجيدة من تاريخ المقاومة! ما تسبب بخروج لبنان من الدائرة والعلاقات الطبيعية مع الدول العربية وابتعاده عن المجال السياسي والاستراتيجي العربي، ودخوله في فلك النفوذ والسيطرة السياسية والأمنية الإيرانية والأسدية السورية في المنطقة.
ها هو الزمن يدور دورة كبيرة وشبه كاملة، ليعيد لبنان إلى حضن العالم العربي، ويعيد العرب إلى قلب لبنان. وكل ذلك وسط تدهور أحوال ومواقع المحور الإيراني، الذي كان تطور وانتفخ نموه ونفوذه وسيطرته، بحجج ومزايدات فارغة، ومتهافتة بشكل كبير، خلال العقدين الماضيين. إلى درجة مفاخرة مسؤولين إيرانيين، عن قرب عودة الإمبراطورية الفارسية الغابرة، عبر إطباق سيطرة طهران على أربع عواصم عربية أساسية والتحكم بها وإدارتها، هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.
صودف أيضاً، انه في السابع من أيار هذه السنة، تزاحمت جملة من الأحداث المهمة والمؤشرات البارزة للحاضر والمستقبل، والتي تمثل أولها، بتنفيذ قرار عودة السياح والمواطنين الإماراتيين والسماح لهم بالسفر والتوجه والقدوم إلى لبنان. كمقدمة ممكنة لقرارات مماثلة لباقي الدول العربية، أو لدول عربية أخرى. وذلك بعد أن كانت دولة الإمارات، أعادت افتتاح سفارتها في بيروت، إثر إقفال استمر ثلاث سنوات متتالية، إثر الأزمة التي تسببت فيها مواقف وزير الإعلام المفوه يومها، جورج قرداحي في 2021 بشأن الحرب في اليمن.
خبر عودة السياح والمواطنين الإماراتيين إلى لبنان، تزامن مع خبر آخر يحمل دلالة قوية على عودة العلاقات العربية اللبنانية إلى سابق عهدها وبقوة. وتمثل في زيارة وفد الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إلى لبنان، بأصوله واستعداداته المالية وتوجهاته ودوافعه الإيجابية الكويتية، لمتابعة جملة من المشاريع الإنمائية التي يمولها الصندوق في لبنان، مع استعداد لتمويل مشاريع جديدة ممكنة ومقبلة.
العودة العربية إلى لبنان، تتم على أعلى ومختلف المستويات، السياحية والمالية والسياسية، بعد أن استُقبل رئيس لبنان العماد جوزاف عون، من مختلف الدول العربية، وحضر أكثر من اجتماع عربي على مستوى القمة.
إلا أن المهم في كل ذلك، إن هذه التطورات الإيجابية، تتم بالتوازي مع أحداث مهمة تحمل دلالات ومؤشرات عميقة ومختلفة عن السابق منها، قرب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة العربية، وخصوصاً دول الخليج، وسط ضغط كبير ومتقدم على إيران، يتمثل في نيته إعلان تسمية جديدة للمنطقة البحرية والمسطح المائي، بين دول الخليج العربي وإيران لناحية إعلانه تسمية مرغوبة عربياً على خرائط العالم، وهي اعتبار أنه أصبح باسم الخليج العربي وليس الفارسي، بكل ما تحمله هذه الخطوة من معانٍ وأبعاد في كل الاتجاهات، مما يؤشر إلى تقصد استهداف إيران والقيادة الإيرانية الإمامية، بالوقوف إلى جانب منافسيها أو أخصامها العرب في منطقة الخليج.
كل ذلك يأتي بالتزامن أيضاً مع أحداث وتطورات، انطلاق جولات المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، والملفات الأخرى في المحيط، إضافة إلى أحداث مهمة أخرى في المنطقة، تتمثل بالقصف الجوي الأميركي والإسرائيلي على المناطق اليمنية الخاضعة لنفوذ الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن.
كما أن تطور الأحداث المهمة، لم يقف عند هذه الحدود، بل انتقل إلى تهديد أميركا وإسرائيل لطهران بالقصف والتعرض للضرب وتدمير برنامجها النووي، بعد اقتلاع وهروب حليف طهران من دمشق بشار الأسد بأمواله ومقتنياته إلى روسيا.
بمعنى آخر، فان ما يشهده لبنان على المستوى العربي، يتزامن مع سقوط وانهيار النظام الموالي لها في دمشق وسقوط العاصمة السورية بيد قوى معادية لها، كانت تقاتلها في سوريا. وهي باتت متخاصمة معها بل في موقع العداء والمواجهة المفتوحة.
النكبات والسهام النازلة على طهران، والقوى الحليفة لها، ليست بقليلة. فإضافة إلى تدهور أحوال ومواقع حزب الله، بسبب الضربات والإصابات الإسرائيلية، فإن خصمها المستجد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، بات ليلته في السابع من أيار في أجنحة وفي ضيافة الرئاسة الفرنسية، وقصر الإليزيه في العاصمة باريس. وسط استقبال حافل ومشهود وانفتاح وتقارب فرنسي سوري واسع، ومريح للرئيس الجديد العهد، بلحيته المشذبة، في وقت اختفت فيه أخبار وآثار بشار الأسد الفار إلى موسكو، مما يطرح السؤال الملح الذي يخطر على كل بال.
هل عاد ربيع بيروت العربي، بالتزامن مع انطلاق خريف طهران الفارسي؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها