الخميس 2025/05/08

آخر تحديث: 00:29 (بيروت)

بلديات جبل لبنان 2025: توازن القوى المسيحية وتثبيت التعددية

الخميس 2025/05/08
بلديات جبل لبنان 2025: توازن القوى المسيحية وتثبيت التعددية
يبقى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الاقوى والاكثر انتشارا والاشرس في أي مواجهة مفتوحة (جورج فرح)
increase حجم الخط decrease

حملت الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان لعام 2025 رسائل سياسية وإجتماعية متعددة، كشفت عن ديناميات جديدة في المزاج الشعبي المسيحي وأكدت على عمق التنافس السياسي بين القوى الحزبية، لا سيما بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. هذه الانتخابات، التي جرت في ظل أوضاع سياسية وإقتصادية معقدة، شكلت إختبارًا للقدرة على إدارة التنوع السياسي وإحترام التعددية في الساحة المسيحية.

أظهرت النتائج أن المسيحيين في جبل لبنان قادرون على إدارة تنوعهم السياسي، حيث شهدت الانتخابات تنافسًا حادًا بين مختلف القوى والاحزاب والعائلات التي طغت توجهاتها في غالب الاحيان على توجهات الاحزاب. لكن رغم التنافس الشديد، سادت أجواء من الاحترام لسلاسة العملية الانتخابية وتقبل نتائجها، ما عكس ثقافة ديمقراطية راسخة.

التيار وإستراتيجية الصمت
اعتمد التيار الوطني الحر على إستراتيجية العمل الصامت والتواصل المباشر مع القواعد الشعبية، مبتعدًا عن التصريحات الصاخبة. ورغم خسارته في مدن رئيسية كجبيل وجونية والجديدة، سجل نتائج مهمة على مستوى الاقضية، حيث أظهر حضوره عبر تحالفات محلية واسعة. حتى في المدن التي خسر فيها، حقق نسب تصويت مرتفعة مقارنة بالاستحقاقات السابقة، ما يعكس قاعدة شعبية ثابتة.

في قراءة ذاتية للجولة الاولى من الانتخابات، يستخلص التيار الوطني الحر دروسا عدة من المعارك التي خاضها "بالمفرق". أولا، رأى أن الطابع التنافسي للانتخابات لا يزال يجتذب على المستوى البلدي اهتمام الناس. وهذا يفسر مشاركة عالية نسبيا في الاقتراع، على الرغم
من الهجرة ومن حصول توافقات في بعض الاماكن.
ثانيا، كان الخطاب البلدي خطابا مغلفا بالسياسة وإن بقي مرتبطا بجغرافية البلدة أو المدينة. وهذا ما يفسر أن الناس تنقسم على الخلفية المحلية بصورة مختلفة عن انقسامها على المستوى السياسي الوطني ويكون الانتماء العائلي والمناطقي المحلي أقوى من الانتماء الحزبي. وبقدر ما كانت المنطقة التي تتم فيها الانتخابات صغيرة بقدر ما كانت العصبية المحلية العائلية أقوى من الانتماء السياسي، الامر الذي جعل الاحزاب والسياسيين يرضخون بشكل أو بآخر للارادة المحلية ولا يذهبون باتجاه كسر هذه الارادة لكي لا يتعرضوا بالاستحقاقات السياسية الاكبر كالنيابية الى نوع من المعاقبة.
ثالثا، لم يلغ التيار من حساباته أن الانتخابات هذا العام تمت بظروف صعبة وبأوضاع غير مستقرة سياسيا وصعبة جدا اقتصاديا.
توضح مصادر رفيعة قريبة من أوساط التيار لـ "المدن" أن الاخير "واجه حربا واسعة شنت عليه لتطويقه، واستخدمت فيها كل الاسلحة، من المال الانتخابي، إلى تحالفات متناقضة لا يجمع بينها رابط سياسي. واجه تكتلات أحزاب سياسية كبيرة كما حصل في جونية وجبيل والمتن والجديدة. إنضم إليهم نواب سابقون وحاليون وغيرهم. ولكن المواجهة التي اختارها واعتمدها بأسلوبه جعله يفشل الهجمات التي حاولت تطويقه ونغص على من كان يحلم بانتصارات كاسحة طعم الانتصار."
في ما يتعلق بالمدن التي خسر فيها التيار مع حلفائه كجبيل وجونية، تقول مصادره "في جبل لبنان الشمالي، في جبيل عاصمة القضاء وجونية عاصمة كسروان والجديدة عاصمة المتن، كل هذه المعارك أخذت طابع عزل وتطويق للتيار الوطني. صحيح أن التيار خسر فيها ولكنه حقق إنتصارات على مستوى المخاتير مما يعكس العلاقة المباشرة مع الناس حيث لم تتمكن الاحزاب من أن تلغي التيار. أكثر من ذلك، فالتيار في الاقضية ذاتها خارج المدن التي هزم فيها، سجل انتصارات واسعة تفوق ما حققه منافسوه في الاقضية الثلاثة.
وتضيف المصادر "لكن خسارة التيار في مدن في جبل لبنان الشمالي، قابله فوز في مدن أقضية جبل لبنان الجنوبي، من بعبدا إلى عاليه فالشوف. هناك انقلبت الموازين. والتيار مع حلفائه تمكن من تحقيق "إصابات مباشرة قاسية" . في الكحالة وعدد من بلدات عاليه، وبعبدا مركز القضاء، إلى الحدت، وخصوصا في دير القمر الشوفية، حيث كان للهزيمة التي تلقاها نائب القوات اللبنانية جورج عدوان "طعم مر".


معركة الاتحاد بين التيار و…القوات
منذ لحظة انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية، طوى التيار الوطني الحر الصفحة وفتح صفحة معركة اتحادات البلديات. فلم يتردد في الاعلان عن أنه معني بمعارك رئاسات الاتحادات البلدية، وأنه منذ الان يتجه مع حلفائه إلى الفوز باتحاد بلديات جبيل والمتن نظرا للتحالفات التي أقامها.
في الموازاة، إستغل التيار مناسبة الانتخابات ليظهر استعداده للمعركة النيابية بعد عام انطلاقا من تثبيت قوته في الشارع المسيحي وصموده في وجه تحالفات "كونية في المدن الكبرى التي حقق فيها خصومه فوزا بفارق خجول عن اللوائح التي دعمها التيار وحلفاءه. ونتائج الانتخابات تتكلم".

ولذا كما لم تغب معركة اتحادات البلديات عن خطابه السياسي، كذلك لم تغب عناوين معاركه النيابية المقبلة، من التصدي للنزوح السوري باعتباره خطرا وجوديا، إلى حمل لواء اللامركزية الادارية الموسعة، فالشراكة التي لا يمكن لاي جهة أكانت مسيحية أو غير مسيحية الغاءها.
في المحصلة، أظهرت الانتخابات البلدية في جبل لبنان أن المسيحيين في العموم لا يحبون فائض القوة ويوازنون حيث يستطيعون، وأنه لا يمكن لاحد أن يلغي أحدا في السياسة وأن حسابات الحقل السياسي لدى بعض الاحزاب لم تنطبق على حسابات البيدر في وقت الحصاد. وأن المزاج العام يرفض الهيمنة والتسلط والاحادية على القرار، والعنصر المالي والتحالفات الحزبية، مهما بلغت أهميتها لا تلغي الارادة الشعبية التي تصوب ميزان البوصلة.

حيث نجحت القوات
القوات اللبنانية، التي قدمت نفسها كحامل لمشروع التعددية المسيحية، نجحت في تحقيق انتصارات مهمة في مناطق مثل جبيل وجونية، مستفيدة من خطابها السياسي القائم على السلاح الواحد والعلاقات الطبيعية للبنان مع محيطه العربي. هذا التوجه لقي استجابة من شريحة واسعة من الناخبين الذين يميلون إلى رؤية سياسية واضحة.
لم تشأ أوساط معراب أن تخوض في قراءة تفصيلية لنتائج الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان، إنما اكتفت بتوصيف ذاك اليوم الانتخابي. فاعتبرت أن المسيحيين أظهروا أنهم قادرون على إدارة التنوع واحترام الاختلاف والتنافس الديموقراطي، وتقبل الخسارة وحجم الفوز وإن كان متفاوتا بين منطقة وأخرى. "ما شهده جبل لبنان عكس صورة راقية للتنافس الديموقراطي وإحترام التعددية. كما أكد على أن العهد الجديد متمسك باجراء الانتخابات والاستحقاقات بمواعيدها. وما حصل في جولة الانتخابات الاولى عكس مزاجا مسيحيا عاما، يريد الدولة والانجاز والاصلاح. اليوم عاد المسيحيون إلى الخط التاريخي. وهذا ما تنادي به القوات اللبنانية."
إنطلاقا من هذه القراءة، اعتبرت القوات أن ربحها ترجم بالتعددية والادارة الصحيحة للتنوع، بعدما عاش لبنان منذ العام 2006 بين خيارين ومشروعين وتوجهين. بجواب غير مباشر، أكدت القوات أن الالغاء غير قابل للتحقيق ليس فقط على مستوى الساحة المسيحية إنما في كل الساحات. وهي المشهود لمهنية واحترافية ماكينتها، تجيد قراءة الأرقام. وفي الأرقام وإن كانت فازت في المدن الكبرى، لكن الفوز لم يكن بأرقام ساحقة من جهة، وهي واجهت خسائر عديدة على مستوى قرى وبلدات الاقضية، ما أبقاها هي والتيار الوطني الحر في مواقع تمثيلية متقاربة جدا.

في جولة الانتخابات البلدية الاولى، خرجت القوى المسيحية بجملة من العبر قد تبني عليها لتحسين شروطها في الجولات الثلاث المقبلة. إقتنعت جميع القوى أنه لا يمكن لاي طرف أن يحتكر التمثيل المسيحي مهما حشد من تحالفات وشن من حملات ووظف من مال. لا يمكن لأي من هذه القوى أن يتخطى القوة الشعبية التي تتجاوز التحالفات الحزبية، وأن الانتماءات العائلية والمحلية تفوقت على الولاءات الحزبية في العديد من البلدات.
وأخيرا، مهما تعددت التحالفات وتنوعت وحاولت قوى وأحزاب أن تقدم نفسها على أنها الاقوى في أي ساحة، يبقى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الاقوى والاكثر انتشارا والاشرس في أي مواجهة مفتوحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها