الإثنين 2025/05/05

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

مواطنة وحوكمة رشيدة... متى؟

الإثنين 2025/05/05
مواطنة وحوكمة رشيدة... متى؟
استِعادة حيويّة دستوريّة افتقدها لُبْنان إبّان أزمنة الهيمنة (جورج فرح)
increase حجم الخط decrease

التحوّل البنيويّ الواجِب أن يجتاح لبنان ما زالَ خفِراً. خُطابُ القَسَم أكّد تاريخيّة هذا التحوّل. البيان الوزاري رَفَع رايَة الانتِقال إلى سياساتٍ عامّة. أقلّهُ عنوانًا، إذ هو عُمْر الحكومة محدود مع استحقاقَين انتِخابيّين يحتاجان جُهُودًا ورقابة وموارد ومتابعة. الاستحقاقان الانتِخابيّان، على شوائب القانونين السّاريي المفعول، يؤشّران إلى استِعادة حيويّة دستوريّة افتقدها لُبْنان إبّان أزمنة الهيمنة. لا تعني هذه الحيويّة أبدًا تحقّق الاستِقامة الإصلاحيّة، بل تشِي بانطلاقة قِطارِها. هُنا لا بُدَّ من البَحْث المعمّق في الذهنيّة السّوسيو-سياسيّة التي حَكَمت، وستَحْكم، من يخوضُ هذين الاستحقاقَين من قِوى سياسيّة، أو شخصيّات. الذّهنيّة السّوسيو-سياسيّة ما زالت في مربّع مُراوحَةً شعاراتيّة أكثر مِنْه برامجيّة تنفيذيّة. المراوحَةُ هنا مردّها إلى إنتِفاء المُساءَلة والمُحاسبة، كبُنيَتَين مؤسِّستين في أيّ عمليّة تداولٍ سلميّ ديموقراطيّ منتظم للسّلطة.

الأهمّ في كلِّ ما سبق ترسيخ المُمارسَة التَّغييريّة للسُّلطة، ولو بأدواتٍ قديمة، إذ هو التّجديد والتجدّد قائِمٌ في فهم الاستمراريّة بالوَصْل مع القِيَم والقَطْع مع سُوءِ استِغلالِها. الفُرصة مؤاتِيَة لبدء رَسْم معالم مَرْحلةٍ جديدة، لكنْ ثمَّة ما ومَن يزالُ يُعيقُ فَهْم السّماتِ العملانيّة لهذه المعالِم. الستاتيكو الترقيعيّ ما زال سائِدًا. راديكاليّة التّغيير غائِبةٌ بإمتياز.

القَوْل براديكاليّة التّغيير الغائِبة ليس تبسيطًا ولا تجنّيًا. الحُكم بالاعتياديّ ليس قدرًا. الاعتيادُ على الواقِع باسْمِ التّفاعُل مع مقتضياتِه ليس براغماتيّة. الحُكْم البراغماتيّ يتطلّبُ أداءً غير تقليديّ خصوصًا في المراحِل المفصليّة. من هُنا يتبدّى سؤالٌ جوهريٌّ في مدى توسُّلِ الحكومة اللّبنانيّة الارتِداد إلى خيار السّياسات العامّة، بما هي ناظِمةٌ لروحيّة المواطنة ونهج الحوكمة الرّشيدة. كلّ ارتِدادٍ مأمولٍ إلى السّياسات العامّة لا يكتسب فاعليَّتَه سِوى بقناعةٍ راسِخة تتمحور حَوْل إطلاق منهجيّة تشييد عمارة مخطَّطٍ توجيهيّ إصلاحيّ مُتكامِل في لبنان، وفي كلّ القِطاعات، بدءًا من وَضْع ما ورد في اتّفاق الطّائف حيّز التّحقيق، لا قَصْرًا في حالة إعلان نوايا حسنة. اتّفاق الطّائف لامَسَ، بالعَميق الجليّ، معنى أن تقُوم دولة مواطنَةٍ سيّدة حرّة عادلة مستقِلةٍ في لبنان، تسودُها الحَوْكَمة الرَّشيدة. تجزئة الاتّفاق في حِقْبةٍ تأسيسيّة غير مفيد، على أنّ الحوكمة معنيّة مجتمعة بتحديد السّياسات العامّة القِطاعيَّة، من ضمن بورتفوليو كامِل متكامِل، في حين أنّ الإجرائيّة الموضعيّة ما زالت سائدة حتّى الآن.

الإجرائيّة الموضعيّة تستقي شرعيّتها من موضوعيّة الحاجات والإمكانات. هذه المُعادلة طبيعيّة لكنّها لا تكفي. الإمكانات لا تعبّر حصرًا عن الموارد الماليّة بل عن عَقْلٍ إداريّ تدبّريّ يحوِّل المَحْدود إلى فِعْل جذريّ. يبدأ هذا الفِعْل الجذريّ بِجدوَلي أعمال. أحدهما روتينيّ والآخر استثنائيّ. جلسةٌ عاديّة. جلسة متخصِّصة. التّكامل بين العاديّ والاستثنائيّ في السّياسات العامّة لم نَرَه حتّى الآن. هذا يحكي معطوبيَّة في تصنيفِ ما نحنُ فيه تأسيسًا، إلّا إذا سلّمنا بموجب تبديل السّرديّات والذّهنيّات، قبل تبديل الوقائِع. الصّبرُ عندها يُثبِتُ كم الحِكْمة فضيلة. هل لدى لبنان تَرَفُ الوَقْت؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها