الأربعاء 2025/04/16

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

"البيارتة" في فخ المناصفة: بين اللوائح المقفلة والوصاية المقنعة

الأربعاء 2025/04/16
"البيارتة" في فخ المناصفة: بين اللوائح المقفلة والوصاية المقنعة
لا معالم واضحة بعد للوائح ولا أسماء نهائية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

البحث عن تأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحين، هاجس أكدّ حتمية معادلة "بيروت أم المعارك" من جديد. تحديات عدة تفرضها المرحلة المقبلة، تخوفاً من مجلس بلدي بلا مسيحيين، مع غلبة الصوت السنّي. وإذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري نعى في وقت سابق اللوائح المقفلة، الباب الأوحد لضمان عدم "التشطيب"، في حال لم يتم التوافق على لوائح مكتملة، فإنّ القوى المسيحية لم تستسلم بعد، وإن كان ذلك على حساب الناخب البيروتي الذي ستفرض عليه اليوم وصاية من نوع آخر، تحدد له من ينتخب ومن لا ينتخب. وهو السبب الذي جعل عدداً من النواب يرفضون التوقيع على مشروع قانون، قُدم إلى أمانة سر مجلس النواب، يقوم على ثوابت عدة، من بينها اللوائح المقفلة لتأمين المناصفة بين أعضاء المجلس البلدي لبيروت والبالغ عدده 24 مقعداً، يُفترض أن يوزع مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

بيروت مستنفرة إذا. مربكة أيضاً بغياب المكون البيروتي الأبرز، أي "تيار المستقبل" الذي يلتزم صمتاً ربما يكون عقابياً، لم تتضح معالمه لغايته، على أبواب شهر من موعد الانتخابات في العاصمة. وأمام معادلة سياسية وتركيبة مختلفة عما سبق في الانتخابات الماضية، فإنّه على الرغم من اقتناع غالبية القوى السياسية ومعها رضا دار الفتوى، بأن الحل لن يكون إلا عبر قيام تحالف متنوع يضمن انخراط العائلات والأحزاب السياسية لضمان المناصفة، وخصوصاً في حال عزوف التيار الأزرق عن خوض الاستحقاق، إلا أنّ الأجواء على الأرض توحي بخلاف ذلك.

اقتراح مشروع قانون
بعدما سقط اقتراح مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات البلدية الذي قدمه النائبان وضاح الصادق ومارك ضو، فإن لقاءات مكثفة حصلت خلال الأسابيع المنصرمة على مستوى القوى السياسية، جاءت ترجمتها على شكل اقتراح قانون جديد. فما هي حظوظه بأن يبصر النور؟

أحد عرابي المشروع، عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني، يؤكد أنّ المشروع أُحيل إلى أمانة سر مجلس النواب. لا يبدو النائب البيروتي واثقاً من النتائج في مجلس النواب في حال عُرض على جدول أعمال المجلس، ولكنّه يرى فيه اثباتاً على رغبة كل من ينادي بالتوافق والمناصفة. يعتبر حاصباني في حديث مع "المدن" أنّ المشروع يطوّر الانتخابات البلدية ككل، وخصوصاً في البلديات التي يتراوح عدد مقاعد مجالسها الخمسة عشرة مقعداً وأكثر، وذلك من خلال اللوائح المقفلة. وبالتالي "على مستوى بيروت فإنها تضمن للبلدية المناصفة بين المسلمين والمسحيين. اضافة إلى كون الاقتراح يتضمن تعديلات تتعلق بالسلطة التنفيذية لصلاحيات المحافظ، في محاولة للتأكيد على ضمانة تنفيذ قرارات المجلس البلدي من خلال المحافظ خلال شهر واحد من تاريخ ابلاغها إليه".

بحسب حاصباني فان الاقتراح يحظى باجماع كل من عُرض عليه القانون. بينما في الوقائع فان غياب الحماسة الانتخابية لغايته توحي بالعكس، وإذا ما عدنا بالذاكرة الى الانتخابات البلدية الأخيرة في بيروت فان نسبة المشاركة كانت ضيئلة جداً، وهو ما يتوقع تكراره خلال الانتخابات الحالية.

محاصرة الناخب البيروتي
المستجد  اليوم هو التخوف من وجود مجلس بلا مسيحيين. يقول حاصباني رداً على الهواجس "ما يحصل هو نقاش جديّ للتوافق على ضرورة المحافظة على المناصفة، وإذ كان لمشروع القانون أن يبصر النور، فهذا من شأنه أن يكرس المناصفة بطريقة قانونية".

منطق حاصباني هذا لا يحظى بالقبول المطلق. يُهاجم بانّه مخالف للدستور، وعليه اعتراض كبير. والرئيس بري أعلن في وقت سابق رفضه للوائح المقفلة، وكذلك منع الاستثناء. "المستقبل" لا يزال في "كوما" سياسية، وعدد من النواب رفضوا اقتراح القانون، بينهم النائب عماد الحوت الذي يكشف في حديثه مع "المدن" سبب رفضه التوقيع على الاقتراح. يقول الحوت "موقفنا واضح. نحن مع المناصفة ونعمل على تأمينها، ولكن مع ضرورة اعطاء الناخب البيروتي الفرصة لممارسة الحس الوطني والانتخابي من دون شروط. وفي المقابل كلنا ثقة بأنّه لا يوجد خطر على المناصفة لأنها بيد الناخب".

وعن اقتراح القانون لضمان اللوائح المقفلة، يعتبر الحوت أنّه مخالف للدستور، "وكأننا ذاهبون إلى التعيين، وحصر الناخب في خياراته وهذا مخالف للدستور والحرية". وفي هذا الاطار يكشف الحوت أنّ مسودة الاقتراح عُرضت عليه للحصول على توقيعه قبل تقديم الاقتراح إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، لكنّه رفض التوقيع. ويتابع "لم أوافق. أريد للناخب البيروتي أن يشعر بأنّ لديه كامل المسؤولية والخيار، ولا أفرض عليه بالتالي الزام التصويت والمرشحين، وكأنّه ناخب قاصر. بينما في المقابل تستمر بعض القوى السياسية ولأسباب عدة بفرض وصاية على الناس بشكل طائفي بحت".

أبعد من ذلك، يغمز الحوت على وتر الأفرقاء المتخوفين من الاستحقاق "لا خوف. نحن ذاهبون باتجاه تشكيل لائحة توافقية، بحيث تكون المناصفة العنوان الأول"، مؤكداً أنّ "الناخب البيروتي واعٍ ويعلم تماما أنّ خياره هو العيش المشترك".

هواجس مسيحية
بالنسبة إلى حاصباني فإنّ القرار "يعود لمجلس النواب"، معتبراً أن اللوائح المقفلة ستؤدي إلى مجلس متجانس "فعندما يكون هناك توافق وتناغم داخل المجلس البلدي، فهذا سينعكس ايجاباً على العمل، في حال وجود لائحة متكاملة تتفق على المشاريع لما فيه مصلحة المدينة".  ورداً على سؤال حول المخاوف والهواجس المسيحية في حال لم يُصار إلى الأخذ بمشروع القانون على غرار المشروع الذي قدمه النائبان وضاح الصادق ومارك ضو، يجيب حاصباني "في هذه الحالة، هناك أصلاً تشاور ولوائح شاملة لديها حظوظ كبيرة في الفوز، وتؤمن المناصفة من دون الحاجة إلى قانون، ولكن حتماً القانون يساعد في ذلك لناحية وجود لوائح مقفلة".

وعن عودة "تيار المستقبل" والضبابية في الموقف وأي تغييرات في أحجام الكتل ستفرضها عودة التيار الأزرق، يقول حاصباني "كل جهة سياسية أدرى بحاجتها وحضورها ومشروعها السياسي. أمّا نحن من ناحيتنا، نؤكد الانفتاح على التعاطي مع مختلف الأفرقاء والمكونات البيروتية، والمستقبل مع المناصفة وهذا مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ونحن متفقون على هذا المسار التوافقي والتشاوري".

برودة شعبية
لا معالم واضحة بعد للوائح ولا أسماء نهائية. الاتصالات مستمرة كما المماطلة. وكلها عوامل تتجانس مع برودة شعبية في التعاطي مع الاستحقاق البلدي في بيروت. يعزي الحوت ذلك إلى أولويات المواطنين اليوم مشيراً إلى أنّه لا حماسة تُذكر على الأرض "الناس لديها أولويات اخرى، ولكن في حال حصلت الانتخابات سنرى الناخب يتوجه إلى صناديق الاقتراع".

ماذا في حال عُرض اقتراح القانون على جدول أعمال المجلس النيابي، يقول الحوت "أظن أن حظوظه ضعيفة، وهناك حساسية لدى الناخب البيروتي، لذا على القوى السياسية أن تحسبها صح، وتدع الناخب على حريته وعدم استفزازه. وان مرّ القانون في المجلس فحتماً سيتم الطعن به".

رئيس المجلس ونائبه
الجدير ذكره فانه بحسب اقتراح القانون المقدّم إلى أمانة سر مجلس النواب، تُعتمد في الانتخابات البلدية اللوائح المقفلة المؤلّفة من العدد المكتمل. على ان يتم تحديد الشخصين المرشّحين في كل لائحة إلى منصبَي رئيس المجلس البلدي ونائبه. وحكماً تفوز في الانتخابات البلدية برئيسها ونائب رئيسها والأعضاء، اللائحة التي تحصل على العدد الأكبر من الأصوات مع مراعاة الأحكام الواردة في متن القانون.

عادت بيروت إلى واجهة الاستحقاق، ودخلت العد العكسي للمواجهة. ومصير مشروع القانون الجديد على المحك، بتكرار لسيناريو مشروع "الصادق – ضو". فهل تنصف الحساسية الطائفية المدينة من معركة الأصوات والتشطيب؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها