الإثنين 2025/04/14

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

1969- 2025 و... اتّفاق الطّائف!

الإثنين 2025/04/14
1969- 2025 و... اتّفاق الطّائف!
لترميم الذّاكرة اللّبنانيّة المشتركة (Getty)
increase حجم الخط decrease
كان العامّ 1969 وبالًا على لُبْنان وفِكرة الدّولة فيه. إنتِهاكُ السّيادة في اتّفاقيّة القاهرة حينها سمحت به الدّولة. من التّبسيط بمكان رميُ اللّوم على مكوِّناتٍ دولتيَّة وغير دولتيَّة إقليميَّة ودَوْليَّة حَصْرًا على هذا الانتِهاك. لعِبَت هذه الأَخيرة حَتْمًا دورًا في تسعير الصِّراعات في لُبْنان ومِنْه وعليه، لكنَّ غياب المناعة الوطنيَّة سَمَح لها بذلك.

الإغراقُ التّأريخيُّ في مقاربة السرديّة التي قدّمتها الجبهة اللّبنانيّة من ناحِيَة، والحركة الوطنيَّة من ناحِيةٍ أُخْرى، لا يُمكِن أن ينتهي سِوى إلى مُعادلةٍ مُفادها أنَّ حَجْم الالتِباسات والتّشويه في اعتبار أنَّ أحدهما كان ضدّ فلسطين والآخر ضدّ لبنان، لا يمكن أن ينتهي إلّا إلى استِخلاص أنّ هذه المعادلة بعيدة عن الحقائق الفعليَّة التي حَكمت توجُّه كُلٍّ منهُما، وقد ثبُت ذلك في أكثر من محطّة مصارحة ومُصالَحة رسَّخ فيها الطَّرفان سرديَّة الحاجة إلى تفويق المصلحة الوطنيَّة العُلْيا ولبنان أولًا، دون إغفالِ استِمرار الدّعم النّبيل لحقوق الشَّعْب الفلسطيني التَّاريخيَّة في قِيام دَوْلتِه على حدود 1967، وعاصمتها القُدس الشرقيّة، وعَوْدَة اللّاجئين بحسب قرارات الأُمم المتّحدة ذات الصَِّلة، كما مندرجات الاتّفاقيّات التي أُنجِزت في مدريد (1991)، وفي أوسلو (1993)، وما تبِع ذلك مُفضِيًا إلى حلّ الدّولتين، وكلّ ذلك يُنْهي سمفونيَّة الأوطان البديلة ولو أنّ العقل الإسرائيليّ ما زال قابعًا في حنايا تموجّاتِ هذه السمفونيّة. التّاريخ مسار، وللحقّ فيه ديناميّة فاعِلة، ولَوْ تأخّر تحقُّق هذه الأخيرة.

في أيّ حال، وبالاستِناد إلى ما سبق، ونحنُ نُعايش الذّكرى الخمسين لحرب لُبْنان، يتبدّى جليًّا أنّ انفِراط عقد أحاديَّة سيادة الدّولة في وطن الأرز العامّ 1969 شكّل مدخلًا حتميَّا لكلّ الأزمات المُتناسلة وفي مقدّمها الانقلابات المتتالية على الدّستور، وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وتعميم الفساد بالإفساد المُقَوْنَن، وتعميق الفوبيا ما بين المكوّنات اللّبنانيّة، وتوسيع مروحة الارتهانات الإقليميّة، وتثبيت منطق لبنان السَّاحة، يتبدّى أنّ كلّ ذلك يحتاج تصويبًا راديكاليَّا بالعَودة إلى اتّفاق الطّائف مع الإصلاحات البنيويّة التي أُقرّت فيه وأصبحت في مَتْن الدّستور، وهنا بيت القصيد.

ها هو العامّ 2025 يحمل تحوّلات جيو-سياسيّة معقّدة على المستويين الإقليمي والدّولي، يُعيدُ لبنان إلى تحدّي وقف انفِراط عقد أحاديّة سيادة الدّولة واحتكارِها السّلاح مرّة جديدة، مع فُرصةٍ نادرة قد تكون الأخيرة الجديّة لبِناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، بعيدًا عن تمييع الاستحقاقات الدّستوريّة والسّياديّة والإصلاحيّة، وبمنأى عن الاستِرسال الفولكلوريّ الاستعراضيّ الإنشائيّ في تسويق أنّ إنْضاج موجبات قِيامة هذه الدّولة المخطوفة والمًشلّعة ما زال مُبكِرًا، ولا بُدّ من هدوءٍ وحِكْمةً وتروٍّ في اقتِحام مساراتِه على الأصْعِدة كافّة.

يبرُز في هذا السّياق مجدّدًا وهْجُ اتّفاق الطّائف في كلّ بنودِه الإصلاحيّة، من تشكيل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة، واللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وقانون انتخابات عصريّ عادل، وإنشاء مجلس الشيوخ، واستقلاليّة القضاء، وقانون مدني اختياريّ للأحوال الشّخصيّة، وتوسيع صلاحيّات المجلس الدّستوريّ، مع أولويّة إنهاءِ كلّ سلاحٍ غير شرعيّ، يبرز مجدّدًا وَهْج هذا الاتّفاق بهذه المقوّمات أساسًا إنقاذيًّا رَغْم المحاولات الحثيثة المباشرة وغير المباشرة، والخبيثة والخسيسة لشيطنتِه وتجزئتِه. يتولّى ذلك حاقِدون عليه، وقاصرون عن فَهْمِه، وباحثون عن مواقِع بانتِقاده الدّائم، على أنّ ما يربط هين هؤلاء حِلْفٌ موضوعيّ في اعتِبار أنّ فرادَة الصّيغة اللّبنانيّة الجامعة بين المواطنة والتنوّع نكتة سَمِجة رَهْنًا بالاشتِباك المستدام الذي عاشَه الشّعب اللّبناني على هويّته ودَوْره، وهُم يتجاهلون في ذلك عُمْق موبِقات السّلوك السّياسيّ الذي لا علاقة له بِجَوْهر النّظام الدّستوري، بِقَدْر ما أتى نتيجة ضرب مقومّات هذا النّظام القائمة على حسن إدارة التنوّع والتّعدديَّة في الوَحْدة.

1969-2025 واتّفاق الطّائف دَعوةٌ لنا جميعًا لترميم الذّاكرة اللّبنانيّة المشتركة، وما الوقوف دقيقة صمت في الذكرى الخمسين على حرب لبنان مرفودةً بحروب الآخرين على أرضِه سوى اعتِرافٍ بالحاجة إلى توبَةٍ صادقة عن تمييع الولاء للُبنان الوطن، واغتيال سيادة الدّولة برهانات وارتِهانات تناقِضُ أمنها القومي وأمان شعبها الإنسانيّ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها