الجمعة 2025/04/11

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

الانقسام يتجدد: من 8 و14 آذار إلى "كلنا إرادة"

الجمعة 2025/04/11
الانقسام يتجدد: من 8 و14 آذار إلى "كلنا إرادة"
يبدو أن هذا الانقسام لن يزول، بل يعيد إنتاج نفسه مع كل مناسبة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
في مشهدٍ سياسيّ واجتماعيّ يعيد إلى الأذهان التقسيمات العمودية التي شهدها لبنان بين 14 آذار و8 منه، يظهر اليوم اصطفاف شعبي حيال المبادرات المدنية، وعلى رأسها مبادرة جمعية "كلنا إرادة"، وأيضا حيال تعيين كريم سعيد حاكما لمصرف لبنان.

وفي حين يحمل انقسام 14 و8 آذار تاريخًا من التباين السياسي العميق والذي شكل هوية اللبنانيين لمدة طويلة، يُعتبر الانقسام الحالي حول "كلنا إرادة" وتعيين الحاكم استمرارًا لهذا التقليد وإن بصيغ مختلفة وأفرقاء تحكمهم مصالح خاصة في خياراتهم.

ففي بلدٍ اعتاد التجاذبات الحادّة، منذ انتهاء الحرب الأهلية، يسود الخلاف السياسي بطبقات متعددة، وينشط تحت مسمّيات جديدة، وفي حين خمدت الضجة التي أثيرت بشأن الحاكم الجديد لمصرف لبنان، إلا أن عنوان "كلنا إرادة" لا يزال محتدماً. فهذه الجمعية، التي لطالما قدّمت نفسها كمجموعة ضغط مدنية تسعى للإصلاح، أصبحت فجأة امتدادا لصراع مزمن يعكس انقسام اللبنانيين حول الهوية، الخيارات والمصالح.

وفي حديث خاص مع "المدن"، تقول المديرة التنفيذية للجمعية ديانا منعم، "إن ما تتعرض له "كلنا إرادة" منذ أسابيع ليس سوى حملة مبرمجة لتشويه صورتها، وإسكاتها بسبب مواقفها الإصلاحية، خصوصاً في الملفات المالية". وتضيف: "للأسف، 99% مما يُنشر عنا في الإعلام لا ينقل وجهة نظرنا. لم يتواصل أحد معنا لسؤالنا عن موقفنا، وهذا بحد ذاته يدل على أن الحملة ضدنا لا تبحث عن الحقيقة، بل عن التشويه".

الخلاف على كريم سعيد وخطة "هارفارد"
أحد الاتهامات التي طاولت الجمعية مؤخرًا هو شنُها "حملة" ضد حاكم مصرف لبنان الجديد، كريم سعيد، بسبب ما وُصف بأنه ترويج منه لـ"خطة هارفرد" التي تفترض تحميل الدولة مسؤولية التزامات المصارف وفرض "هيركات" على الودائع. لكن منعم تنفي ذلك كلياً، وتوضح: " لم نقم بأي حملة ضده. نعم، أبدينا قلقنا من بعض مواقفه السابقة، خصوصاً مشاركته في خطة تُعرف بخطة هارفرد، لكننا عبّرنا عن ذلك ببيان، ولم نشن أي حملة. في الواقع، تصريحاته الأخيرة كانت إيجابية، والعبرة تبقى بالتنفيذ".

في المقابل، قدّم الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل قراءة وافية حول ما يُعرف بـ"خطة هارفرد"، نافياً بشكل قاطع وجود "مخطط" من جامعة هارفرد كما تروج بعض الأطراف. وأوضح أن "التقرير الذي أُعد في تشرين الثاني 2023 من قبل مجموعة باحثين مستقلين لا يمثّلون الجامعة، وهدفه كان فقط طرح أفكار من خارج الصندوق لتحريك مياه الإصلاح الراكدة في لبنان". وأضاف غبريل "اعتمدت الدراسة على الأرقام الموجودة في التقرير المفصّل لصندوق النقد الدولي عن لبنان والصادر في حزيران 2023. كما أخذت برأي خمسة اشخاص، منهم لبنانيان، وقد ذكر التقرير أسماء هؤلاء في صفحاته الأولى، ومن بينهم من شارك وزير الاقتصاد والتجارة الحالي عامر البساط في وضع خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني. فإن كان يجب مساءلة أحد عن مضمون الدراسة، فمن الأجدى التوجه إلى هؤلاء الاشخاص، وبالتحديد اللبنانيين منهم".

وعن الموقف من الحاكم، يقول غبريل: "إن سعيد لم يروّج لهذا التقرير، لا سابقًا ولا حاليًا. وقد أعلن موقفه بوضوح في خطاب تسلمه المنصب: حماية الودائع، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الشفافية، وتحميل المسؤولية للدولة والمصارف ومصرف لبنان. كما شدد على أن صغار المودعين يجب أن يكونوا أول من يجب حمايتهم، وأكد على أن جميع الممتلكات الخاصة محمية بموجب الدستور والقانون اللبناني".

حملة منظّمة
وفي حين رفض غبريل الإجابة عن الاسئلة المتعلقة بجمعية"كلنا إرادة"، تؤكد منعم أن "الجمعية، التي تأسست عام 2017 بتمويل حصري من لبنانيين مقيمين ومغتربين، عملت على ملفات متعددة: من التحذير المبكر من الانهيار المالي، إلى الدفع نحو قانون استقلالية القضاء، والمطالبة بلجنة تحقيق دولية في ملف تفجير مرفأ بيروت، وصولاً إلى ملف عودة اللاجئين السوريين". كما لا تنفي "دعم الجمعية في انتخابات 2022 عدداً من المرشحين التغييريين الذين يتبنون ثلاث أولويات: السيادة، الإصلاح الاقتصادي، وبناء الدولة المدنية".

لكنّ هذا الدور لم يرق للكثيرين، فاتهمت الجمعية ب"ارتكاب جرائم جزائية تتعلق بالمس بالاقتصاد الوطني وزعزعة الاسواق المالية" وبأن تمويلها خارجي، كذلك اتهمت الجمعية بأن العلم والخبر الذي حصلت عليه من وزارة الداخلية لا يأتي على ذكر العمل السياسي، وأنها تحاول افلاس المصارف لاستبدالها بمصارف قريبة منها"، وفي هذا السياق توضح منعم، أن "الدعم الانتخابي تم بشفافية كاملة، وأن الجمعية نشرت تقريرها المالي علناً، متحدية كل الاتهامات بوجود تمويل خارجي أو ارتباطات مشبوهة".

وتشدد منعم على وجود حملة منظّمة ضد الجمعية، وتقول: "هناك طبقة مصرفية سياسية تواصل الدفاع عن مصالحها، وتستعمل كل الوسائل لإسكاتنا، حتى لا نتحدث عن هذه المواضيع. هذه الحملة لا تقتصر على "كلنا إرادة"، بل توسعت لتشمل منصات إعلامية تتناول المواضيع الاقتصادية والمالية. الهدف واضح: إسكات أي صوت يطالب بمحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية، والإصلاحات التي يجب أن تحدث في المرحلة المقبلة. ويقف وراء هذه الحملات بعض المصرفيين والسياسيين الذين يرفضون هذه الإصلاحات. وأؤكد هنا على كلمة "بعض"، لأن هناك مصارف تدعم هذه الإصلاحات، وتسعى لتحسين الوضع، لكن للأسف هناك مصارف أخرى ترفض هذا الموضوع وتواجهه بأسوأ الطرق".

وتضيف "هذه الحملة هي إحدى الأدوات المستخدمة لإسكات الناس وترهيبهم. نحن في "كلنا إرادة" عقدنا مؤتمرا صحافيا الأسبوع الماضي، أجبنا فيه على جميع هذه الاتهامات، وأوضحنا بشكل قاطع أننا سنستمر في عملنا. هذه الحملات لن تخيفنا. نحن كنا نطالب بمحاسبة المسؤولين عن جريمة مرفأ بيروت، وفي وقت كان فيه حزب الله يهدد القضاة في قصر العدل، لم نخف، وكنا في الساحات نطالب بالعدالة. لن نخاف من تصرفات مافياوية، ولم نخف في قضايا أكبر من ذلك. ولن نخاف الآن".

وعند سؤالها عن تأثير الحملة الإعلامية على عمل الجمعية تقول منعم: "إذا كان السؤال حول تأثير هذه الحملة من بعض وسائل الاعلام علينا، فإنني أعتقد أن عملنا، الذي قمنا به على مدار السنوات الأخيرة، وأعضاءنا المعروفين وإنجازاتهم في مجالاتهم تتحدث عنهم. الحملة من جهات فاقدة للمصداقية لن تؤثر علينا. نحن شاهدنا في الأسبوعين الأخيرين كيف توسعت هذه الحملة لتشمل شخصيات أخرى تتمتع بمصداقية كبيرة، وبالتالي، هذه الحملات تؤثر فقط على مصداقية الذين يطلقونها. سنستمر في عملنا ولن نخشى هذه الحملات".

انقسام يعيد إنتاج ذاته
ما يحصل من انقسام حول الرؤية الاقتصادية والنشاط المدني، سواءً لجهة تعيين كريم سعيد، أو الجدل حول "كلنا إرادة" ليس خلافًا حول ملفات، بل تجلٍ لانقسام أعمق. وفي بلد لم يعرف إجماعًا وطنيًا حقيقيًا منذ عقود، يبدو أن هذا الانقسام لن يزول، بل يعيد إنتاج نفسه مع كل مناسبة. بالأمس بين 14 و8 آذار. اليوم حول "كلنا إرادة" و"حزب المصارف" وهذا ما يعكس طبيعة المرحلة التي يعيشها لبنان: مرحلة انتقالية تكثر فيها المبادرات، لكن يغيب فيها الإجماع والثقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها