ألقى رئيسُ مجلسِ الوزراءِ اللُّبناني الدكتور نواف سلام كلمةً في مقرِّ جامعةِ الدُّولِ العربيّة في القاهرة، دعا فيها إلى تحويلِ الجامعةِ من إطارٍ رمزيٍّ إلى أداةٍ استراتيجيةٍ فاعلةٍ لحمايةِ المصالحِ الجماعيّة وتعزيزِ الأمنِ والتنميةِ والمعرفةِ على مستوى الوطنِ العربي. وأشاد بدورِ الجامعةِ بوصفِها "ذاكرةً مؤسّسيةً لإرادةٍ عربيّةٍ لا تنقطع"، مؤكِّدًا أنّ العروبةَ "مشروعٌ للمستقبل" لا ذكرى للماضي فحسب.
وشدّد سلام على أنّ المنظّماتِ الإقليميّةَ الحديثةَ "لا تُضعِفُ السيادةَ، بل تُعمِّقها"، موضحًا أنّ السيادةَ في عصرِ التداخلِ الكوني "تُقاسُ بالقدرةِ على المشاركةِ الفاعلة" لا بالعزلة. واعتبر أنّ الجامعةَ العربية "شرعيّةٌ إقليميّة" تُكمِل الشرعيّةَ الدوليّة، ودعا إلى أن يمتدَّ دورُها إلى الإسهامِ في "رسمِ توازناتِ العالمِ الجديد" من موقعٍ مستقلٍّ ومسؤول.
وفي مقاربةِ الملفِّ الفلسطيني، أكّد سلام أنّ فلسطين "تبقى في قلبِ التحدّيات"، منتقدًا "تكريسَ وقائعَ جديدةٍ بالقوّة" ومشيرًا إلى تحوُّلِ الرأي العامِّ العالميِّ نحو "وعيٍ أعمقَ بالمأساة". وجدّد الرهانَ على "إنهاءِ الاحتلالِ ووقفِ الاستيطانِ وحمايةِ المدنيّين"، ودعمَ مسارَ الاعترافِ بدولةِ فلسطين وفق قراراتِ الشرعيّةِ الدوليّة ومبادرةِ السلامِ العربيّة و"إعلان نيويورك". كما شدّد على رفضِ "أيِّ تهجيرٍ أو توطينٍ للفلسطينيّين"، ودعا إلى "استمرارِ دعمِ الأونروا" لما لذلك من أثرٍ مباشرٍ على الاستقرارِ في الدُّولِ المضيفة.
وعن الأمنِ القوميِّ العربي، دعا سلام إلى إعادةِ بنائه على أسسٍ حديثةٍ تُوازِن بين الرُّكنِ العسكريِّ والأمنَيْنِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ والأمنِ المعرفي، معتبرًا أنّ "البنادقَ لا تحمي وطنًا جائعًا". ولفت إلى ترابطِ أمنِ الممرّاتِ البحريّة وسلاسلِ الإمداد والقدراتِ السيبرانيّة والبنيةِ الرقميّة، مُبرزًا أولويّةَ "الأمنِ المائي" من أحواضِ الأنهارِ إلى مياهِ النيل، وداعيًا إلى "دبلوماسيّةٍ مائيّة" قائمةٍ على التعاونِ واحترامِ الحقوقِ التاريخيّة ومقاربةِ "المصالحِ المشتركة".
وقدّم سلام سِلسلةَ مبادراتٍ عمليّةٍ لتعزيزِ العملِ العربيِّ المشترك، منها "منطقةٌ عربيّةٌ للتعليمِ العالي والبحثِ العلمي"، وبرنامج "ابن خلدون للتبادلِ الأكاديمي"، وتحالفٌ عربيٌّ "للاقتصادِ الأخضرِ والأمنِ المائي"، وممرّاتٌ لوجستيّةٌ عربيّةٌ إفريقيّةٌ، وبوّابةٌ عربيّةٌ "لاستثمارِ خبراتِ المهجر"، وآليّةٌ عربيّةٌ "لتسويةِ المنازعاتِ الاستثماريّة"، مع "تمكينِ النساءِ والشبابِ من مواقعِ القرار" بوصفِه شرطًا لتنميةٍ مُستدامة.
وعن أوضاعِ لبنان، أكّد سلام التزامَ الدولةِ "إصلاحًا وسيادةً"، مبيّنًا العملَ على "التطبيقِ الكاملِ لاتّفاقِ الطائف" وتنفيذِ القرارِ 1701 "بصورةٍ تامّة"، وبسطِ سلطةِ الدولةِ على كاملِ الأراضي، وإعادةِ الحياةِ إلى القرى الجنوبيّة. وانتقد "الخروقاتِ الإسرائيليّةَ المستمرّة"، ودعا الأشقاءَ العرب إلى "الضغطِ على المجتمعِ الدولي" لفرضِ "الانسحابِ الكاملِ من الأراضي اللُّبنانيّة وإطلاقِ سراحِ الأسرى". كما شدّد على "سياسةِ عدمِ التدخّل" في شؤونِ الآخرين، والسعيِ إلى "شراكاتٍ استراتيجيّةٍ متينةٍ مع الأشقّاءِ العرب"، وتفعيلِ الاتّفاقاتِ والمؤسّساتِ القائمةِ وربطِها بمشروعاتٍ اقتصاديّةٍ وتعليميّةٍ وتكنولوجيّةٍ عابرةٍ للحدود.
وختم سلام بالتأكيد على أنّ "المصلحةَ العربيّةَ المشتركة" يجب أن تُحوَّلَ إلى "حاجةٍ فالتزامٍ ففعلٍ دائم"، وأنّ الجامعةَ العربيّة مدعوّةٌ إلى أن تكون "عقلًا جمعيًّا يَصِلُ بين السيادةِ والانفتاحِ، وبين الهويّةِ والمصالح"، معتبرًا أنّ "المستقبلَ يبدأ حين نقرِّر أن نكونَ جزءًا منه"، وأنّ العرب "قادرون على صناعةِ تاريخِهم مجدّدًا حين يُحوِّلون المؤسّساتِ إلى إنجازاتٍ والثقةَ إلى مشروعِ نهضة".
