بالفيديو: "المدن" في شاتيلا… حيث كل شيء يتحرّك بسرعة الرصاص!

بتول يزبكالجمعة 2025/10/31
GettyImages-1252549622.jpg
هل يصمد القرارُ بعد أن تهدأ الكاميراتُ ويبردَ الشارع (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

 

في قلب مخيّم شاتيلا، رافقت "المدن" عناصرَ من حركة "فتح" في جولةٍ داخل المبنى المعروف محلّيًّا بـ"مبنى المخدّرات"، حيث قُتلَتْ شابّةٌ لبنانيّة قبل يومين على يد أحد تجّار المخدّرات. المكانُ يختصرُ المشهد، رائحةٌ نافذة، مزيجٌ من الصرف الصحّيّ والبارود والقمامة وعرق الأجساد المُنهَكة، وخرابٌ يلفُّ أحياءً كاملةً في مخيّمٍ يفيضُ سُكّانًا ومحالًّا وأعلامًا ويافطات. شاتيلا، بما آل إليه، يُشبه "رسمةً  مُمزَّقة"، وفُقاعةً هائلةً يفورُ منها الغضبُ والوجوم.

 

جريمةٌ تُشعلُ مواجهةً أوسع
في شاتيلا، "كلُّ شيءٍ يتحرّكُ بسرعة الرَّصاص". مقتلُ إيليو أبو حنّا قبل أقلّ من اثنتين وسبعين ساعةً لم يُبق القضيّةَ في خانة الجنائيّ؛ بل فتحَ مواجهةً سياسيّةً وأمنيّةً داخلَ المخيّم وخارجه. مصادرُ خاصّةٌ في حركة "فتح" تؤكّد لـِ "المدن" أنّ قيادةَ "الأمن الوطنيّ" في شاتيلا "ستُعادُ صياغتُها بالكامل خلال اليومين المقبلين"، وأنّ عناصرَ من مخيّماتٍ أُخرى "ستدخلُ إلى المخيّم لحسم الموقف ميدانيًّا، تحتَ ضغط الشارع الغاضب".

 

من "الهنغار" إلى الأبنية المُحَصَّنة
تعودُ القصّةُ عمليًّا إلى هجوم الجيش اللُّبنانيّ على أوكار تجّار المخدّرات في 19 أيلول، يومَ ضربَ البنيةَ الأساسيّةَ للسوق، "الهنغار" عند المدخل الجنوبيّ الشرقيّ، وبعضَ النقاط الثابتة. هربَ التُّجّار، انتشرت الفصائل، وتنفّس الناس، لكنّ "الاستراحةَ الأمنيّة" لم تتحوّلْ خطّةً، فعاد التراخي، ومعه التاجرُ والسلاحُ والكوكايين، هذه المرّة داخل أبنيةٍ مُحَصَّنةٍ في قلب المخيّم، أبرزُها مبنىً قديم كان مدرسةَ "الجليل" التابعةَ للأونروا في الثمانينيّات، تحوّل لاحقًا إلى مركز إدارةٍ للتجارة، ويُؤجَّرُ بمبالغَ تصلُ إلى "ألف دولارٍ يوميًّا".

 

 

انفجارُ الشارع وتسليمُ موقوفين
الانفجارُ الشعبيّ لم يأتِ فقط من حملة التحريض الإعلاميّ الّتي بلغت حدَّ المطالبة بـِ "محاصرة المخيّم بالدبّابات"؛ بل من مقتل فتاةٍ أُصيبت صباحًا برصاصةٍ في الرأس أمام أحد الأوكار، وفارقت الحياةَ بعد ساعات. عندها انقلبَ المزاج، اقتحمت قوىً أمنيّةٌ فلسطينيّةٌ الوكر، صادرت مخدّراتٍ وأسلحة، واعتقلت مشتبهين، ثمّ سلّمت "ستّةَ عناصر" إلى الأجهزة اللُّبنانيّة، في سابقةٍ ثقيلة الدّلالة.

بالتوازي مع ذلك، عقدَ السفيرُ الفلسطينيّ في لبنان محمّد الأسعد اجتماعًا مع قيادة الجيش التي سُلّمت نتائجَ التحقيق. الرسالةُ واضحة، "هذه المرّة ليست جولةَ تفاهماتٍ عابرة؛ بل محاولةُ فرض معادلةٍ جديدةٍ داخل شاتيلا، وبرج البراجنة أيضًا، تقومُ على كسر تجارة المخدّرات بالقوّة، وتثبيت مواقعَ فصائليّةٍ دائمةٍ في الأبنية الحسّاسة".

 

المخيّم… تفاصيلُ الهامش القاسي
كلُّ التكهّنات والأحكام المسبّقة يجبُ تناسيها وأنتَ تسيرُ في أزقّة شاتيلا. مبانٍ متداعيةٌ ومتلاصقةٌ حدَّ الالتحام فوق أرضٍ رخوةٍ رطبة، مزيجٍ من مياه مجارٍ آسنةٍ وترابٍ مُبتلّ، حيث يعيشُ الآلافُ من اللاجئين. "اجتماعٌ بشريّ" يسعى إلى تدبير قوت اليوم من أعمالٍ متنوّعةٍ داخل المخيّم وخارجه، و"حالاتٌ إنسانيّة" محشورةٌ عند هامش المدينة، على الحافّة الفاصلة بين بيروتَ وضاحيتها. المخيّمُ الكبير سلسلةُ "متاهاتٍ متّصلة"، تنقسمُ إلى أحياءٍ متعدّدةٍ وتُفضي إلى مخيّماتٍ أُخرى، وهو أيضًا "مستودعٌ" لمئات العائلات التي تعتاشُ غالبًا على العمل اليوميّ المُتقطّع. على امتداد مئات الأمتار، يطفو الهمُّ اليوميّ قاسيًا، مُقيمًا في ملامح الأطفال كما الشيوخ.

 

سؤالُ الأمن والسياسة، ما بعد الكاميرات؟
المسارُ الجاري لتسليم السلاح في مخيّمات بيروت لا يُختَزَلُ ببُعده الأمنيّ فقط؛ بل يفتحُ نافذةً سياسيّةً على سؤالٍ أوسع، كيف نحوّل "التفاهمات الظرفيّة" إلى "عقدٍ مستدام" بين الدَّولة اللُّبنانيّة والوجود الفلسطينيّ على أراضيها؟ وإذا التقطت القوى السياسيّةُ هذه الفرصةَ لتحويل المسار إلى "رافعةٍ تشريعيّةٍ وإصلاحيّة"، يمكن حينها تثبيتُ الأمن الاجتماعيّ وتقليصُ هامش اقتصاد العنف.
يبقى السؤالُ معلَّقًا، هل يصمد القرارُ بعد أن تهدأ الكاميراتُ ويبردَ الشارع؟ الإجابةُ مرهونةٌ بترجمة الاندفاعة الأمنيّة إلى "سياسةٍ عامّة" تتقاسمُ المسؤوليّات، وتُخرجُ المخيّمَ من حلقة المعالجات الموسميّة، إلى مسارٍ يقطعُ مع اقتصاد المخدّرات ويُعيدُ الاعتبارَ إلى حياةٍ يوميّةٍ آمنةٍ ومُمكنة.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث