معايير الانتصار عند حزب الله

مصطفى علّوشالخميس 2025/10/30
104.jpg
لا تسوية محلية لسلاح حزب الله على الطريقة اللبنانية (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر

"يعيش أهل بلدي وبينهم مافيش     تعارف يخلي التحالف يعيش

تعيش كل طايفة من التانية خايفة    وتنزل ستاير بداير وشيش

لكن في الموالد يا شعبي يا خالد      بنتلم صحبة ونهتف يعيش"

(أحمد فوأد نجم) 

 

في كل مرة أسعى لشرح مسألة الانتصار والهزيمة أرى نفسي مرغمًا للعودة إلى منطق المحازبين العقائديين لفهم هذه المبادئ عندهم. فعشية كارثة حرب 1967 وبعد احتلال سيناء والجولان وما تبقى من فلسطين، خرج وزير خارجية حزب البعث السوري باستنتاج بأن سوريا انتصرت في الحرب لأن العدو لم يتمكن من إسقاط النظام القائم. والفرضية تقول إن هدف العدو الصهيوني هو القضاء على "أمل العروبة" المتمثل في حزب البعث، في نسخته السورية طبعًا. وهذا ما لم يحصل في تلك الحرب. ولذا، وفق قول الوزير، فإن البنيان يمكن إعادة إعماره، والأرض يمكن استردادها، والاستشهاد يمكن تعويضه بالمزيد من الولادات. أما خسارة الحزب فلا شيء يعوضها! بالطبع، فقد يثير هذا المنطق الكثير من السخرية عند ذوي الألباب؛ أي غير العقائديين. لكن علينا أن ندخل إلى عقل، أو بالأحرى، دوغما العقائدي الحزبي، لنفهم هذا المنطق.

 

هنا نعود إلى إصرار حزب الله في لبنان على أنه منتصر، وقد يظن البعض أنه مكابرة أو محاولة لشد عصب الجمهور المأخوذ بأسطورة عميقة الجذور. لكن علينا العودة إلى جوهر إنشاء هذا الحزب في البيان التأسيسي سنة 1985 بالقول "نحن أمة حزب الله الذي نصر الله طليعتها في إيران". كما أن الجوهر العقائدي يفترض أن مهمة الولي الفقيه هو التحضير لعودة المهدي بوكالته عنه، وتحضير الأرضية الصالحة لحكمه الرشيد. على هذا الأساس، فإن الحزب منتصر ما دامت شعلة الولي الفقيه لم تنطفئ في طهران، مما يعني بأن الأمل ما زال قائمًا بالعودة المباركة لصاحب الزمان. من هنا، يكفي أن نؤمن بهذا المبدأ الذي يستند إلى أعجوبة إلهية الطابع، حتى نعتبر أن صبر اليوم أو الشهر أو السنة قد يأتي بالفرج من عالم الغيب. 

هنا، وحتى لا نستطرد بالغيبيات، بالرغم من أهميتها، الحزب في لبنان لن تغريه دعوات رئيس الحكومة إلى التحول إلى حزب سياسي، لأن هذا الكلام يعتبر "خبيثًا"، لعلم رئيس الحكومة، على الأرجح، باستحالة تحول فيلق عسكري في أساسه إلى حركة سياسية غير مسلحة. وحتى ولو فرضنا ذلك التحول المستحيل، فإن مبادئ الحزب التي تفترض الانضمام إلى الجمهورية الإسلامية الكبرى تحت عباءة الولي الفقيه، تعني أن الحزب يسعى إلى فناء لبنان ككيان، ولا يمكن عندها مواءمة هذه المبادئ مع الدستور. نعيم قاسم كان واضحًا بقوله إن علاقة إيران مع لبنان هي الحرس الثوري، ليؤكد المؤكد وهو أن الحزب هو منظومة عسكرية منخرطة في جيش عابر للحدود يتلقى أوامره من مركز قيادته "الحكيمة" الموحى لها إلهيًا.

 

الكلام الواضح أيضًا قاله لاريجاني بوصفه لبنان بـِ "الخندق"، يعني أنه جزء من سلسلة خنادق "دفاعات متقدمة" نشرها الولي الفقيه دفاعًا عن النظام الإيراني، في لبنان والعراق واليمن، بعد أن سقط خندق سوريا بسقوط بشار. وعليه، فإن ما نراه نحن بوصفنا لبنانيين "سذجاً" بأنه وطن وأرزة وجبال وموئل للسكينة، يختصره الحزب بالخندق، ويختصر سكانه بمشاريع استشهاد وبنيانه كمشاريع أطلال، خدمةً للهدف الحزبي العقائدي "الأسمى". وهذا، للمفارقة، لا يعني أن الحزب يكره لبنان؛ بل على العكس، إن حبه الزائد يدفعه لضمه إلى السعادة العظمى بالاحتماء تحت عباءة "آية الله العظمى". 

في هذا المجال، يتحدث البعض بأنه يمكن مقايضة سلاح الحزب بمكاسب في تركيبة الحكم؛ أي بشيء يشبه المثالثة التي طرحها الإيرانيون بالنيابة عن الحزب في اجتماعات سان كلو منذ عقدين. ومن هو عالم بوقائع الأمور يعلم أن هذا الطرح رمي أمام المجتمعين ليُرفض، من قبل جماعة 14 آذار خصوصاً. وانفض الاجتماع إلى استنتاج ألا حل في لبنان. على كل الأحوال، لم تكن المعادلات القائمة تشي بإمكانية حلول جذرية في لبنان. أما اليوم، فبالرغم من سعي بعض إعلاميي الثنائي الشيعي للقول إن النظام القائم "مجحف" بحق المسلمين على نحوٍ عام، وبالشيعة على نحوٍ خاص، لم تخرج عن قادة الحزب أيّة كلمة توحي بأنه جاهز لمقايضة السلاح بحصة أكبر من المزرعة اللبنانية، فليس دور سلاحه حفظ حقوق الشيعة في لبنان، لكونها مسألة تافهة بالمقارنة مع حلم مد سلطة الولي الفقيه. لا بل على العكس، فإن هذا المشروع يريد أن يغرب الشيعة عن أوطانهم الصغرى سعيًا وراء وحدة الأمة. وهذا الأمر ليس محصورًا بلبنان؛ بل هو انسحب على كل بقعة حلت فيها أسطورة الولي الفقيه.

 

ماذا يعني كل ذلك؟ 

يعني أن لا تسوية محلية لهذا السلاح على الطريقة اللبنانية بإعادة تقسيم المقسم، كما أن الحلول العنيفة تعترضها عقبات عظيمة من احتمالات الصراع المحلي، ثم الدعوة للتقسيم.

قد يكون الحل الوحيد هو إما بتخلٍ رسمي للنظام الإيراني عن حزبه في لبنان، ولا يبدو هذا ممكناً الآن، أو بسقوط النظام هناك، وهذا أيضًا احتمال ما زال بعالم الغيب. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث