بليدا الحزينة تفقد حارسها: أما آن لهذا العدوان أن ينتهي؟

حسين سعدالخميس 2025/10/30
حجم الخط
مشاركة عبر

حزينة كانت بليدا هذا الصباح. أهلها الغاضبون فجروا غضبهم في وجه اليونيفيل واتهموا عناصرها بالتقصير.

منذ ساعات الفجر عاشوا لحظات عصيبة حتى تبين الخبر اليقين: حلت الفاجعة، توغلت إسرائيل وقتل حارس البلدية على فراشه.

ومع خيوط الشمس الأولى قصد الجيران منزل الحارس؛ زوجته وأولاده لم يستوعبوا بعد هول المأساة. عند عتبة البيت تختلط مشاعر الحزن بالإصرار على الصمود.

في الطرقات انتشر عناصر الجيش، وبين أبناء البلدة أو من بقي منهم في منازلهم روايات عما حصل، وأحاديث جانبية مع عناصر الجيش، وتعبير عن غضب وإحساس بالتقصير: أما آن لهذا العدوان أن ينتهي؟

 

 

لم يكن التوغّل الإسرائيليّ إلى وسط بلدة بليدا المدمّرة، توغّلًا مثل سابقاته منذ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو عامٍ. ما حدث فجر اليوم شكّل نوعًا آخر من الخروقات الإسرائيلية، بلغ حدّ الإعدام، فنال من حارس مبنى البلدية، إبراهيم سلامة، وهو في عزّ نومه بعد يومٍ شاقٍّ من العمل ومتابعة شؤون البلدة.

سقط سلامة، وهو أبٌ لأربعة أولادٍ، مضرّجًا بالدماء على طراحةٍ افترشها في أحد مكاتب البلدية، بعدما أطلق جنود الاحتلال المتسلّلون عشرات الرصاصات من إحدى النوافذ المطلّة على الباحة الداخلية للبلدية، فاخترقت جسده. وكانت الرواية الإسرائيلية جاهزة، وهي استهداف بنىً تحتيةٍ في بلدية بليدا.

قطع جنود الاحتلال، بحسب رواية عددٍ من الأهالي لـ"المدن"، مسافةً تتعدّى الكيلومتر، انطلاقًا من الحدود للوصول إلى دار البلدية، الذي تتكدّس فيه علب الحليب والحفاضات والأدوية، التي كان من المقرّر توزيعها غدًا على العائدين القلائل. أثناء التوغّل، وكانت الساعة تقارب الثانية والنصف فجرًا، كان أهالي البلدة الموزّعين في بعض البيوت التي سلمت من التدمير الممنهج، وقد رمّموها على عجل، نائمين، واستفاقوا على أزيز الرصاص الكثيف، فحال ذلك دون تمكّنهم من معاينة ما يجري والاقتراب من البلدية الواقعة وسط عشرات المباني المدمّرة، فيما حضرت قوّةٌ من الجيش اللبنانيّ إلى المنطقة بعد نحو ساعةٍ من الاعتداء الإسرائيليّ الموصوف.

حدث هذا الخرق ضمن سلسلة خروقاتٍ متنوّعة، برًّا وجوًّا وبحرًا، بعد ساعاتٍ على بيان السفارة الأميركية في بيروت، الذي تحدّث عن التوصّل إلى اتفاقٍ لتخفيف حجم الخروقات الإسرائيلية، خلال اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في الناقورة، بحضور المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس.

حضرت إلى محيط البلدية قوّةٌ كبيرةٌ من الجيش اللبنانيّ صباحًا، تزامنًا مع بدء توافد أهالي البلدة للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها البلدية، استنكارًا للجريمة الإسرائيلية المخالفة لأبسط قوانين حقوق الإنسان. كما حضر عددٌ من عناصر قوات "اليونيفيل"، فاحتجّ بعض الشبّان وعلت صرخاتهم احتجاجًا على عدم تدخّلهم في وجه الجنود الإسرائيليين. وعلى الأثر، تدخّل رئيس البلدية حسان حجازي، وعمل على فضّ الإشكال وتهدئة الوضع، وخاطب الجنود الدوليين بواسطة مترجمهم قائلًا: "كنت أتمنّى عندما كان أبطال الجيش اللبنانيّ يتصدّون للقوّة الإسرائيلية، أن يكون واحدٌ منكم معهم، يعطيكم العافية"، فغادرت على إثرها عناصر "اليونيفيل" المنطقة.

بصحبة عددٍ من النسوة المتشحّات بالسواد، جاءت زينب فقيه، زوجة الشهيد سلامة، للمشاركة في الاحتجاج ومعاينة مكان استشهاد زوجها، الذي يبيت في البلدية بعدما دمّر منزله تدميرًا كاملًا. كانت فقيه متماسكةً، دون أن تخفي دموعها، وهي تحتضن إحدى بناتها. وقالت لـ"المدن": "إنّ زوجي الآدميّ طيّب الذكر كان يعمل ليل نهار حتى يتمكّن من تأمين لقمة عيشنا. استشهاد إبراهيم سيزيدنا عزمًا وقوّةً وتمسّكًا بالمقاومة. فهذه الأرض أرضنا، ولن نتنازل عنها مهما بلغت التضحيات والدمار".

"لن نتخلّى عن أرضنا"، بهذه العبارات استهلّ رئيس البلدية حسان حجازي كلامه حول عملية إعدام الموظف سلامة، الذي أمضى فترةً طويلةً في خدمة أبناء بلدته. وأكّد حجازي لـ"المدن": "مهما جرى ومهما حصل، فالأرض أرضنا، ولن نتخلّى عنها". وأضاف أنّ جيش الاحتلال تخطّى كلّ القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، من خلال اقتحام مؤسسةٍ رسميةٍ حكوميةٍ، وقيام جنوده بدمٍ باردٍ بإعدام الموظف سلامة أثناء عمله الليلي، وذلك بحجّة وجود "بنىً تحتية" بحسب ما زعم الناطق الرسميّ باسم جيشه. "البنية التحتية الموجودة في غرف البلدية هي حفاضاتٌ وعلب حليبٍ للأطفال وأدويةٌ قدّمتها مجموعة فرسان مالطا، وكان من المقرّر توزيعها غدًا الجمعة، بحضور طبيبةٍ نسائيةٍ وطبيب صحةٍ عامة".

وختم حجازي: "إذا كان العدوّ يفكّر بتخويفنا وإرغامنا على ترك أرضنا، فإنّ ذلك لن يحصل، وسنبقى متشبّثين بها".

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث