ملاحظات قانونية حول مشروع تعديل نظام كتاب العدل

حسين حرب الاثنين 2025/10/27
وزير العدل عادل نصار(مصطفى جمال الدين)
أقل ما يقال في مشروع القانون أنه متعثر في الشكل وفي المضمون (مصطفى جمال الدين)
حجم الخط
مشاركة عبر

أُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء، يوم الخميس الماضي، طلب من وزارة العدل الموافقة على مشروع قانون يرمي إلى تعديل القانون رقم 337/1994 (نظام الكتاب العدل ورسوم كتابة العدل)، ولكن العناية الإلهية شاءت أن يغادر وزير العدل قبل نقاش مقترحه. استبشرنا خيراً بمجيء القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، والذي أطلق شعار "حكومة الإصلاح والإنقاذ" و"حكومة بناء دولة القانون والمؤسسات". لكن أقل ما يقال في مشروع القانون المشار إليه آنفاً، إنه متعثر في الشكل والمضمون، ولا يمت للإصلاح ولا لدولة القانون والمؤسسات بصلة، ولا يمكن لحقوقي أن يتصور أن يصدر هذا المشروع عن وزير العدل المحامي اللامع الأستاذ عادل نصار، أو عن حامل الأختام كما يكنيه الفرنسيون!

وفيما يلي عرض لبعض الثغرات القانونية في مشروع القانون:

 

في طلب إبداء الرأي من مجلس الكتاب العدل: 

فإن من صلاحيات مكتب مجلس كتاب العدل "إبداء الرأي في كل ما يتعلق بشؤون المهنة من مشاريع واقتراحات قوانين ومراسيم"، كما جاء في البند الثاني من المادة 50 من القانون 1993/337، ولكن معالي وزير العدل تقدم بمشروع القانون دون طلب إبداء الرأي من مكتب المجلس. وكان مجلس شورى الدولة قد أبطل مرسوم استحداث مراكز أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب سابقاً بسبب عدم طلب إبداء الرأي.
2- في دمج مواد التعميم رقم 1355 تاريخ 2/10/2025 الصادر عن وزير العدل والموجه إلى كتاب العدل بشأن آليات تطبيق القانون رقم 44/2015 (قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) في القانون رقم 337/1994 (نظام الكتاب العدل).

أصدر وزير العدل التعميم المذكور ثم ألحقه، وبعد التشاور مع مكتب مجلس كتاب العدل، بتعميم توضيحي رقم 1438 تاريخ 20/10/2025. وبعيداً عن الانتقادات ذات الطابع السياسي، لم يكن مفاجئاً الجدال القانوني في أوساط كتاب العدل والمحامين والقضاة والحقوقيين حول مدى التزام التعميم بأحكام سنده القانوني، أي قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ولكن المفاجأة جاءت من مشروع القانون المقدم لمجلس الوزراء لتعديل قانون الكتاب العدل، والذي أقحم فيه الوزير مواد التعميم المذكور ضمن أحكام هذا القانون!

من البديهي التذكير بأن كاتب العدل ضابط عمومي ملزم بتطبيق أحكام جميع القوانين النافذة خلال قيامه بمهامه. وتضع أحكام المادة الخامسة من قانون تبييض الأموال على عاتقه موجبات مفندة، عاد وزير العدل وأدخل معظمها ضمن مواد نظام كتاب العدل. فهل من المنطقي ومن أصول التشريع أن نضمن نظام كتاب العدل أحكام ومواد جميع القوانين التي تلقي موجبات على عاتقه؟ وهل من المنطقي أن ندخل، على سبيل المثال لا الحصر، أحكام السند الرسمي الواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية وأحكام الوصية التي يتولى كاتب العدل تلقيها والتصديق عليها الواردة في قانون الإرث لغير المحمديين أيضاً في نظام الكتاب العدل؟ وإذا أخذنا بوجهة الوزير، فقد يصبح نظام كتاب العدل بحجم Code Justinien.

 

 في رسم الواحد بالألف للقضاة والمساعدين القضائيين
يحظى صندوق تعاضد القضاة بموارد قيمة ومتنوعة، وتتكون واردات الصندوق من:
1- بدلات  اشتراك المنتسبين التي يحددها مجلس إدارة الصندوق، ويصدقها وزير العدل.
2- مساهمة مالية سنوية ترصد في موازنة وزارة العدل، تحدد وفقًا لحاجات الصندوق.
3- رسم يعادل نصف الرسم المنصوص عليه في المادة 14 وكامل رسم الطابع المنصوص عليه في المادة 15 من القانون رقم 18/78 تاريخ 18/12/1978، والذي حُددت قيمته بألف ليرة، يُفرض ويُحصّل وفقًا لأحكام المادتين المذكورتين وما يطرأ عليهما من تعديل.
4- نسبة ثلاثين بالمئة من الغرامات المحصلة من الأحكام القضائية المنصوص عليها في المادة 131 من المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 تاريخ 16/09/1983 (قانون القضاء العدلي).
5- رسم مقطوع يعادل نصف الرسم المفروض قانونًا على كل تسجيل أو تعديل أو شطب في قيود السجلين التجاريين العام والخاص.
6- المساعدات والمنح والهبات والوصايا والقروض التي يقرر مجلس إدارة الصندوق قبولها بعد تصديقها من سلطة الوصاية.
7- خمس 1/5 الرسم المنصوص عليه بمقتضى قانون الرسوم القضائية على الدعوى والأحكام والمعاملات التنفيذية. تُستوفى الواردات المنصوص عليها في هذه المادة وفقًا للطريقة التي يحددها مجلس الإدارة.(المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 29/7/198)

وقد بلغت قيمة مساهمة الدولة في الصندوق لسنة 2025 ألف وخمسمئة مليار ليرة لبنانية (16,500,000$ ستة عشر مليون دولار ونصف المليون تقريبًا).
ويستفيد المساعدون القضائيون من خدمات تعاونية موظفي الدولة شأنهم شأن باقي الموظفين في الجمهورية اللبنانية.
ومع كل ذلك، أدخل وزير العدل في المادة الثالثة من مشروعه رسمًا لصالح صندوق القضاة وصندوق المساعدين القضائيين في قانون خاص يعود لمهنة كتاب العدل! هذا مضمونه:
"يستوفي الكاتب العدل نسبة واحد بالألف عن العقود المتبادلة المسجلة لديه وعن تلك المعدة للتسجيل في الدوائر العقارية وفي السجل التجاري، يعود سبعون بالمئة منها لصندوق تعاضد القضاة والباقي للصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين."

رسوم كتابة العدل يدفعها المواطن للخزينة لقاء خدمات قانونية، عمادها توثيق المعاملات ومنحها الصفة الرسمية وحفظها، يقدمها الكاتب العدل لأصحاب العلاقة وتتناسب قيمتها مع هذه الخدمة، كما هو الحال في سائر الرسوم كرسوم الكهرباء والمياه والبلديات وغيرها.
لم يعد رسم معاملة كاتب العدل الآن متناسبًا مع الخدمة التي تُقدم لأصحاب العلاقة، فقد أصبحت هذه المعاملة مشجبًا تعلق عليه الرسوم ودجاجة تبيض ذهبًا لصالح صناديق متنوعة لا علاقة للمستفيدين منها بهذه الخدمة. فقد سبق للمحامين أن علقوا على هذه المعاملة رسمًا غير دستوري مقداره واحد بالألف (وكان يستحيل على القانون الذي أقر هذا الرسم عام 1991 أن "يقطع" أمام المجلس الدستوري فيما لو كان قد أنشئ قبل هذا التاريخ) ها هو الوزير يعلق عليها اليوم رسمًا جديدًا لصالح القضاة والمساعدين القضائيين، وقد يخطر ببال وزير المالية أو وزير العمل أو وزير الداخلية أو… تعليق رسوم عليها لصالح الموظفين في إداراتهم.
وعلى سبيل الاستطراد، وفرضًا أنه يحق للوزير أن يقترح تغذية صندوق القضاة من رسوم على معاملات الكاتب العدل، لماذا لم يلجأ إلى تعديل نظام صندوق القضاة؟ وهذا ما تقتضيه أصول التشريع، ويقترح زيادة بند على بنود المادة 5 المخصصة لتعداد موارد الصندوق؟ اعتقادي لأنه مجلس القضاء الأعلى لا يقبل المبادرة إلى اقتراح مشروع يأتي بموارد فاسدة قانونيًا لتغذية صندوق القضاة.
من حق القضاة على الحكومة وعلى وزير العدل أن يتقدموا بالتشريعات التي تغذي صندوقهم وتؤمن لهم ولعائلاتهم حياة كريمة، ولكن ليس على حساب القانون الذين هم حماته.

 

– في بيع كتاب العدل من كيسهم.
كل صناديق تقاعد المهن الحرة: الأطباء، المحامون، المهندسون، الصيادلة وغيرهم تتغذى، بموجب قوانين، من موارد تتعلق بمواد ومعاملات تتعلق بالمهنة ذات العلاقة، بالإضافة طبعًا إلى اشتراكات الأعضاء. إلا أن مهنة كتابة العدل فإن موارد صندوقها تغذيه فقط اشتراكات الأعضاء وفق المادة ٢١ من نظام الكتاب العدل.

"تتألف واردات صندوق تعاضد الكتاب العدل من:
١بدل اشتراك شهري تحدده لجنة الصندوق بعد موافقة مفوض الحكومة وتصديق وزير العدل.
٢الهبات التي تقرر لجنة الصندوق قبولها."

ويتغذى الصندوق شكليًا من مورد لا يعتد به في موازنته لأن نسبته ضئيلة جدًا إلى درجة الهلاك، وقد نصت عليه في المادة العاشرة من نظام الكتاب العدل ومقداره "نسبة ٢٥٪؜ من البدلات التي يحصلها الموظف المكلف بمهام كاتب العدل في حالة الشغور النهائي أو تغيّب الكاتب العدل من دون عذر مشروع أو بنتيجة توقيفه مؤقتًا عن العمل".

أما ما يثير الاستغراب والدهشة في مشروع صادر عن وزارة العدل فهو أن يستخف بكتاب العدل  إلى حد الهزل. فقد خصص لهم مادة كاملة مضمونها هو نفسه نسبة ال25% المذكورة والمنصوص عليها في المادة العاشرة من نظام الكتاب العدل:
جاء في المادة الثانية من مشروع الوزارة:
"تُضاف إلى المادة ٢١ من القانون رقم 337 تاريخ 8/6/1994  (نظام الكتاب العدل ورسوم كتابة العدل) المحددة لواردات صندوق تعاضد وتقاعد الكتاب العدل الفقرة التالية:
٣خمسة وعشرون بالمئة من البدلات المحصلة من المكلفين بمهام كتابة العدل في حالة الشغور النهائي أو تغيّب الكاتب العدل من دون عذر مشروع أو بنتيجة توقيفه مؤقتًا عن العمل".

على مدى ربع قرن، ومنذ تاريخ إنشاء صندوق تعاضد وتقاعد الكتاب العدل، تراوحت قيمة اشتراكات الكتاب العدل الذين هم حاليًا على مقاعد التقاعد، ما بين ثلاثة آلاف وإثنى عشر ألف دولار سنويًا وبمعدل أناه خمسة آلاف دولار سنويًا عن كل كاتب عدل، وهذا ما لا مثيل له في اشتراكات أعضاء أية مهنة أو وظيفة في لبنان قاطبة! ويؤسفني أن أذكر بأن راتب الكاتب العدل التقاعدي الآن ٢٠٠$ (مئتا دولار أمريكي فقط لا غير) وأنه لا يستفيد من بوليصة تأمين ولا من أية ضمانات صحية كون أموال الصندوق الوفيرة قبل ٢٠١٩ قد حجزت في المصارف.

يقول المثل الشعبي "الماء لا تمر على عطشان". فكيف لمن يجبي رسومًا لخزينة الدولة ويجبي رسومًا لصالح صناديق المحامين وهو معرض الآن لخطر جباية رسوم لصالح صناديق القضاة والمساعدين القضائيين، وهي صناديق تصب فيها موارد متنوعة ووفيرة، أن يُحرم من تحصيل رسم لصندوقه الفارغ بفعل الانهيار المالي العام وعلى معاملات يتولاها كاتب العدل شخصيًا.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث