صعَّدَ رئيس حزب "القوات اللّبنانيّة" سمير جعجع موقفه السّياسيّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، معلنًا مواجهة مفتوحة حول آلية إدارة المجلس وجدول أعمال الجلسة التشريعيّة المُقرَّرة غدًا الثلاثاء. ودعا جعجع النوّاب من مختلف الكتل إلى مقاطعة الجلسة "تعبيرًا عن الاستياء العامّ من الطريقة الّتي يُدار بها المجلس"، مطالبًا بوضع اقتراح قانون مُعجَّل مكرَّر على جدول الأعمال "كخطوةٍ أولى توحي بتغيير النَّهج".
وقال جعجع في بيانٍ صدر عنه إنّه "ليس مفهومًا ولا مقبولًا ما يقوم به الرئيس نبيه برّي". وذكَّر بأنّ برّي "أشرف بنفسه على انتخاب رئيسين للجمهوريّة من دون أي تعديل دستوريّ، رغم أنّ انتخابهما كان يستوجب تعديلًا في الدستور". وبرّر برّي ذلك في حينه، بحسب جعجع، بأنّ "أكثريّةً كبرى تفوق الأكثريّة المطلوبة لتعديل الدستور أقرّت توجهًا معيّنًا، وبالتالي يُعتبَر هذا التوجّه بمثابة موافقة ضمنيّة على التعديل". واعتبر جعجع أنّ هذا الكلام يعني عمليًّا أنّ "تلك الأكثريّة كانت مع تعديل الدستور طالما أنّها انتخبت الرئيسين".
وانطلاقًا من هذا القياس، سأل جعجع "كيف يسمح لنفسه اليوم أن يضرب عرض الحائط باقتراح القانون المُعجَّل المُكرَّر الذي وقّع عليه أكثر من 67 نائبًا، أي ما يفوق الأكثريّة المُطلقة في المجلس النيابيّ؟". وأضاف جعجع أنّه "حتى لو سلّمنا جَدَلًا بالحجج الّتي يتذرّع بها الرئيس برّي، انطلاقًا من تمسّكه بالنظام الداخليّ للمجلس النيابيّ، فإنّ هذه الحجج تسقط من أساسها، لأنّ النظام الداخليّ نفسه خاضع لإرادة الأكثريّة المُطلقة الّتي تُصوّت عليه وتعدِّله".
ورأى جعجع أنّ ما يقوم به برّي "يُشكِّل مُخالَفَةً صريحة لأحكام الدستور والنظام الداخليّ، واعتداءً على حقّ الأكثريّة النيابيّة"، معتبرًا أنّ هذا السّلوك "لم يَعُد مقبولًا، لأنّ أكثريّة اللبنانيّين تتطلّع إلى قيام دولة فِعليّة، لا يَحول دون قيامها وجود سلاحٍ خارجها فحسب، بل أيضًا ممارساتٌ تتجاهل الدستور والقوانين والأصول والأعراف وإرادة الأكثريّة النيابية، وتضرب عمل المؤسّسات وفي طليعتها المجلس النيابيّ".
وبناءً على ذلك، دَعا جعجع "جميع النوّاب، من مختلف الانتماءات السّياسيّة، إلى عدم حضور الجلسة التي دعا إليها الرئيس بري يوم غد"، معتبرًا المقاطعة تعبيرًا سياسيًا مباشرًا ضدّ "الطريقة التي يُدير بها شؤون المجلس".
وطرح جعجع ما وصفه بـ"خطوةٍ إيجابية أولى، ولو يتيمة"، يُنتظر من بري القيام بها "لدلالة على أنّه بصدد تغيير نهجه في إدارة مجلس النواب". وتتمثّل هذه الخطوة، بحسب جعجع، في "وضع اقتراح القانون المُعجَّل المُكرَّر الرامي إلى إلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة"، معتبرًا أنّ إدراجه يسمح "بتصويب المسار، وبَتّ الاقتراح، والتصويت على سائر القوانين".
الكتائب تُقاطع
بيان جعجع يأتي في لحظة ضبابيّة تحيط بمصير جلسة مجلس النوّاب غدًا الثلاثاء، إذ يتّجه حزب "القوّات اللّبنانيّة" وحزب "الكتائب اللّبنانيّة" وعددٌ من نوّاب "قوى التغيير" ومستقلّين إلى مقاطعة الجلسة التشريعيّة، في محاولةٍ لمنع تأمين النصاب المطلوب، وبالتالي الحؤول دون انعقادها.
وفي هذا السياق، عَقَد المكتبُ السياسيُّ في "حزب الكتائب اللّبنانيّة" اجتماعَه برئاسة رئيس الحزب النائب سامي الجميِّل، وبحث في التطوّرات السياسيّة والأمنيّة الأخيرة.
وأصدر بيانًا قال فيه: "أوّلًا، استنكر المكتب السياسي ما سمّاه "إصرار رئيس مجلس النوّاب على عدم إدراج مشروع قانون اقتراع اللّبنانيّين غير المقيمين على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة الثلاثاء"، واعتبر أنّ ذلك يشكِّل "محاولةً مكشوفةً لمصادرة أصوات 67 نائبًا يطالبون بإدراجه على الهيئة العامّة للمناقشة". وأكّد أنّ "منع النقاش في القانون يُعَدُّ تَعَدِّيًا على الدستور وإرادة اللّبنانيّين داخل الوطن وخارجه"، مُعلنًا أنّ نوّاب الحزب سيُقاطعون الجلسة التشريعيّة".
وأضاف: "ثانيًا، رفض المكتب السياسي التصريحات المنسوبة إلى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، والّتي قال فيها إنّ إعادة طرح قانون الانتخاب تهدف إلى "عزل طائفة". ووَصَف هذا الكلام بأنّه "خطير ومرفوض شكلًا ومضمونًا". وشدّد على أنّ "حقّ مئات آلاف اللّبنانيّين المُغتربين من كلّ الطوائف والمناطق في تقرير مصير وطنهم ليس عزلًا لأحد، بل تجسيدٌ للدستور والمساواة بين جميع اللّبنانيّين". وأضاف أنّ "مَن يحاول عزل الطائفة عن بقيّة اللّبنانيّين هو مَن يرفض منطق الدولة والمساواة ويتمسّك بسلاحه".
ضبابيّة المشهد التشريعيّ
التصعيد المعارض بوجه برّي ليس حدثًا معزولًا. ففي الجلسة التشريعيّة الأخيرة الّتي عُقِدت قبل نحو شهر، انسحب عدد من النوّاب اعتراضًا على عدم إدراج اقتراح قانون تعديل قانون الانتخاب، المُقدَّم بصيغة مُعَجَّلة مُكرَّرة، على جدول الأعمال. وقد أدّى ذلك إلى إسقاط النصاب. لكنّ رئيس المجلس نبيه برّي أبقى المحضر مفتوحًا، وأعلن استئناف الجلسة في اليوم التالي، قبل أن يتكرَّر المشهد ويُمنَع انعقادها مُجدَّدًا بفعل المقاطعة. وردّ برّي حينها بإبقاء المحضر مفتوحًا تحت عنوان أنّ المجلس لم "يُصدِّق عليه بعد"، مُعلنًا أنّ "القوانين الّتي جرى إقرارها ستبقى مُعلَّقة حتّى إقفال المحضر في جلسةٍ مُقبلة".
هذا الاشتباك الدستوريّ ـ السّياسيّ، بين رئاسة المجلس وكتل معارضة لطريقة إدارة الجلسات، تحوَّل إلى معركةٍ على الصلاحيّة: هل تُفرَض أولويّات جدول الأعمال من رئاسة المجلس؟ أم أنّ كتلةً نيابيّة وازنة قادرة على فرض بندٍ مُعيَّن تشريعيًّا ولو رغم اعتراض الرئاسة؟
حسابات النِّصاب: بين المقاطعة وحكومة سلام
في الموازاة، تُرَجِّح معطيات نيابيّة أن تنعقد جلسة الثلاثاء رغم غياب "القوّات" و"الكتائب"، نظرًا إلى أنّ كتلة "الاعتدال الوطني" إلى جانب عددٍ من المستقلّين أبلغت استعدادها للحضور، بطلبٍ من رئيس الحكومة نواف سلام الساعي إلى إقرار عددٍ من اقتراحات القوانين المعلَّقة. ويُتَوَقَّع أن يتأمَّن النِّصاب بحضور هؤلاء مع نوّاب "الحزب التقدّمي الاشتراكي"، و"التيّار الوطني الحرّ"، و"حزب الله"، و"حركة أمل"، و"تيّار المردة"، وبعض نوّاب "قوى التغيير".
من جهته، أعلن عضو كتلة "لبنان الجديد" النائب نبيل بدر في حديث صحافيّ، أنّه "بعد أن وجدنا أنه ليس هناك حل لموضوع الإنتخاب ولكي لا نكون سببًا في تعطيل عمل المجلس النيابي قررنا في التكتل ان ننقسم بين حاضر ومتغيب عن الجلسة".
وعلمت "المدن"، أنّ عددًا من نواب التّغيير يتجهون لمقاطعة جلسة الغد، ومنهم النائبة بولا يعقوبيان، النائب إبراهيم منيمنة، النائب فراس حمدان، النائبة نجاة عون، النائب شربل مسعد، والنائب ياسين ياسين.
مع ذلك، تؤكِّد مصادر نيابيّة من أكثر من كتلة، في اتصالاتها بـ"المدن"، أنّ قرار المشاركة ما زال قيد الدرس، وأنّ الحسم سيحصل في السّاعات المقبلة، ما يُبقي المشهد مفتوحًا على سيناريوهين متناقضين: انعقاد الجلسة وإمرار جدول أعمالها، أو سقوطها سياسيًّا قبل الدخول في مضمونها.
توازي مسارين: التشريع في المجلس والحكومة في المرآة الخلفيّة
بالتوازي مع هذا الاشتباك التشريعيّ، يستعدّ مجلس الوزراء لعقد جلسة يوم الأربعاء المقبل. وبحسب جدول الأعمال الأوّلي، سيبحث المجلس في طلب وزارة الخارجية والمغتربين "الموافقة على مشروع قانون مُعجَّل مكرَّر يرمي إلى تعديل أحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44 تاريخ 2017/6/17"، إلى جانب طلب وزارة الداخلية والبلديات "الموافقة على مشروع قانون مُعجَّل مكرَّر يرمي إلى تعديل المادة 84 من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44 تاريخ 2017/6/17".
بهذا المعنى، معركة قانون الانتخاب لم تَعُد محصورة بقاعة الهيئة العامّة، بل انتقلت أيضًا إلى طاولة الحكومة. وفيما يبقى الاشتباك حول آليّة إدارة الجلسات هو عنوان اليوم، تتقدّم معركة تعديل قانون الانتخاب لتصبح عنوان الغد.
