لا تزال الصورة رمادية حول مصير الجلسة التشريعية غدًا الثلاثاء المخصصة "لمتابعة درس مشاريع واقتراحات القوانين التي كانت مدرجة على جدول أعمال جلسة 29 أيلول". ويبدو أن سيناريو اكتمال نصاب الجلسة أو "تطييرها" متوقف على حضور نواب يمكن وصفهم بـ "بيضة القبان"، لاسيما أن الساعات القليلة المقبلة حاسمة لجهة ما سيتخذه بعض النواب من قرار.
وعلى الرغم من أن ما يدور في الأروقة السياسية يشي بأن الانتخابات النيابية 2026 ستحصل دون الاغتراب، فلا تزال عقدة العقد تكمن في المادة 112 من قانون الانتخاب والمتعلقة بانتخاب المنتشرين، علمًا أن اقتراح القانون المعّجل المكرر لتعديل القانون لن يكون مدرجًا على الجلسة التشريعية "المكملة" للجلسة السابقة. ففي جلسة 29 أيلول ساد جو من "التشنج" واعتراض معلن ومغادرة عدة كتل نيابية قاعة المجلس من بينها كتلة نواب حزب الكتائب، وتكتّل الجمهورية القوية ونواب تغيريين ومستقلين. فمن سيحضر غدًا وماذا سيكون مصير الجلسة؟
جريمة دستورية وأخلاقية!
بعد اجتماع عقده مساء أمس، أعلن تكتّل الجمهورية القوية في بيان قراره الحاسم بمقاطعة الجلسة التشريعية، مؤكداً أنّ "المشاركة فيها تعني الرضوخ لتسلط الرئيس نبيه بري على المجلس النيابي، كما تعني عملياً التغطية على جريمة دستورية وأخلاقية بحق مئات آلاف اللبنانيين المغتربين الذين يُراد حرمانهم من حقهم في المساهمة بتغيير الواقع عبر صناديق الاقتراع".
وأهاب التكتّل "بكلّ النواب الأحرار، من أي كتلةٍ أو انتماءٍ كانوا، أن يقفوا إلى جانب الحق والدستور، وألا يمنحوا شرعية لحالة تعطيل المجلس النيابي وإفراغه من دوره الوطني"، بحسب ما ورد في البيان.
كما طالب التكتّل رئيس الحكومة ومجلس الوزراء في أول جلسة يعقدها، "بتحمّل مسؤولياته الوطنية من خلال إقرار مشروع قانون في مجلس الوزراء يقضي بإلغاء المادة 112 وإحالته إلى المجلس النيابي بمرسوم معجل مكرر لإقراره قبل انقضاء المهل القانونية التي تقترب من الانصرام، استعداداً للانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2026.
وعلى خطٍ موازٍ، لن تشارك كتل معارضة أخرى ونواب تغييريون في الجلسة من بينها كتلة تحالف التغيير، التي اتخذت قرارها بعدم حضور الجلسة، "إيمانًا منها بتمسك أعضاء الكتلة بالدستور اللبناني الذي يكفل حق النواب ويحفظ دورهم في وجه من يصر على مخالفته بشكل متكرر، من خلال ممارسته غير الدستورية وخطابه الإلغائي"، وفق بيان صادر عن الكتلة.
أما النائبة من قوى التغيير الدكتورة نجاة عون، فكشفت في اتصال مع "المدن" أنها لن تشارك في الجلسة اعتراضاً على عدم إدراج اقتراح قانون على جدول أعمال الجلسة تقدم به أكثر من 60 نائبًا، مشيرة الى أن هناك توجهاً لعدد كبير من النواب بعدم المشاركة.
مشاورات ولا نصاب
من جهته، يتوقع النائب الدكتور غسان سكاف ألا يكتمل نصاب الجلسة، كاشفًا في حديث لـ "المدن" أن ثمة مشاورات ستحصل اليوم الإثنين لاتخاذ قرار الذهاب إلى الجلسة أو مقاطعتها"، موضحًا بأن هناك اتجاهاً لدى عدد كبير من النواب للمقاطعة".
لن نقاطع!
وعلى الرغم من عدم إدراج اقتراح القانون المعّجل المكرر لتعديل قانون الانتخاب، ستشارك كتلة اللقاء الديمقراطي في الجلسة التشريعية، إذ يؤكد عضو الكتلة النائب هادي أبو الحسن لـ "المدن" أنه "بقدر تمسك الكتلة بتعديل قانون الانتخاب لناحية المادة 112، نرفض تعليق التشريع وتعطيل المؤسسات الدستورية".
وفي السياق، يشدد أبو الحسن على أن موقف اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي، مبدأي وتاريخي، "ولن نكيل بمكيالين، إذ لدينا معيار واحد ونبقى على موقفنا الثابت بإتاحة الفرصة للمنتشرين كي يصوتوا لـ 128 نائبًا في لبنان ولكن لن نقاطع الجلسة"، على حد تعبيره.
إلى ذلك، يتلاقى قرار كتلة اللقاء الديمقراطي مع قرار كتلة الاعتدال الوطني، إذ أكد عضو الكتلة النائب الدكتور أحمد رستم أنها ستشارك في الجلسة، انطلاقًا "من أهمية الدور التشريعي للمجلس"، مشيرًا إلى انه لم يسبق للكتلة أن قاطعت الجلسات، لا بل على العكس من ذلك".
ويعرب رستم عن تفاؤله باكتمال نصاب الجلسة يوم غد، معيدًا ذلك إلى المعطيات المتوافرة والمشاورات والتنسيق مع النواب والكتل، إذ أن هناك عدداً من النواب سيحضر الجلسة ومن بينهم النواب نبيل بدر وعماد الحوت ونعمت فرام وجميل عبود، موضحًا أن ثمة 18 نائبًا سيحضرون.
ويضيف: "صحيح ثمة انقسام داخلي في المجلس النيابي، لكن هذه الانقسامات لن تصل بنا إلى أي مكان، إذ نمر في مرحلة من المهم العمل على تسيير الأمور، لاسيما أن ثمة اقتراحات ومشاريع قوانين مرتبطة بالمتقاعدين والعسكريين، وبخدمة المجتمع وبالتالي لا يمكن تعطيل المجلس النيابي".
وكانت الجلسة الماضية التي انعقدت في 29 أيلول قد تعطلت بسبب تطيير النصاب، ولكن من دون أن يقفل المحضر، إذ ناقش المجلس النيابي 9 بنود من أصل 17، وصوّت على 8 وأقرّ 7، فيما سحبت الحكومة مشروع القانون حول منحها صلاحية تعديل غرامات السير.
وتشمل البنود السبعة استضافة المكتب العربي لريادة الأعمال الزراعية، وتعديل قانون النقد والتسليف للسماح بطباعة فئات جديدة من العملة اللبنانيّة، والانضمام إلى اتّفاقية حماية وتعزيز تنوّع أشكال التعبير الثقافي، وتعديلات الشراكة بين القطاع العام والخاص: المرافق العامة رهنٌ للمصارف، وفتح اعتماد لتغذية المنح الشهرية لمتقاعدي القطاع العام، والإجازة للحكومة الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي خارج نطاق الولاية الوطنية.
تسجيل مواقف وشعبوية
وقد نوقش البند التاسع وفق الترتيب الوارد في جدول أعمال الجلسة السابقة، المتعلق بالقرض المخصص لإعادة الإعمار، ولم يُقّر، ومن المتوقع أن يتصدر جلسة الغد نظرًاً لأهميته، وتحديدًا بالنسبة إلى الثنائي أمل - حزب الله، وذلك لعدة اعتبارات.
وتوازيًا، يشير عضو كتلة التنمية والتحرير النائب الدكتور قاسم هاشم في حديث لـ"المدن" إلى أن الجلسة التشريعية يوم غد تأتي "استكمالا للجلسة التي تم تطيير نصابها، ولم يقفل فيها المحضر، ولا تزال مفتوحة لحين إنهاء الجلسة، وتصبح المواد التي تم إقرارها جاهزة للتعاطي معها كقوانين منجزة بعد توقيعها وفق الأصول واعلانها في الجريدة الرسمية".
ويشدد على أن هذا الموضوع يجب التعاطي معه من هذه الزاوية، وليس من باب المزايدة وتسجيل المواقف والشعبوية، أما الاستمرار لتعطيل الجلسات كما حصل فهو ليس في مصلحة أحد لأن القوانين التي تقر ليس في مصلحة فريق او لجهة سياسية معينة".
ويعتبر أن "الاستمرار في تعطيل الجلسات سواءً من باب محاولة الضغط لتغليب مصلحة فريق على اخر في هذا الوقت بالذات، فهو في غير محله ولا يصب في مصلحة أحد ولا في مصلحة البلد بشكل أو بآخر، لأن الظروف التي نمر بها غير طبيعية وتتطلب التعاطي بمرونة وفتح الآفاق أمام وحدة الموقف الداخلي في مواجهة التحديات التي يمر بها لبنان".
إلى ذلك، سيحضر تكتل لبنان القوي الجلسة، ويؤكد عضو التكتل النائب أسعد درغام لـ "المدن" التوجه للمشاركة بالجلسة، وما من داعٍ للمقاطعة أو عدم المشاركة، على حد تعبيره.
أما البنود المتبقية للنقاش في جلسة غد الثلاثاء، فتشمل قرض بـ 250 مليون دولار لإعادة الإعمار، وإلغاء اتّفاقية ضريبية مع السودان، وإلغاء قانون الانضمام إلى معاهدة التعاون بشأن البراءات الصادر عام 2002 والإجازة للحكومة بالانضمام إلى هذه المعاهدة من جديد بصيغتها المعدّلة، وتعديل قانون النفايات الصلبة، وإخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد، وإعادة عناصر ورتباء سبق أن سرّحوا من الضابطة الجمركية، واقتراح لتعزيز حماية المستهلك ضدّ البنود التعسفية: إرساء نظام غرامات إدارية، وتسوية أوضاع العناصر الفارين من قوى الأمن الداخلي منذ العام 2019، وتعديل على قانون الإعفاءات للمتضررين من العدوان الإسرائيلي، وتعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة لفتح المجال أمام الإعلان لبعض المنتجات.
كما يبدو أن "شد الحبال" سيستمر بين رئيس المجلس والنواب المقاطعين للجلسات التشريعية، لحين البت بمستقبل اقتراح القانون الرامي إلى تعديل قانون الانتخاب لاقتراع المنتشرين لـ 128 نائبًا. ومن ناحية أخرى، لا يبدي جزء كبير من المنتشرين حماسة لتسجيل أسمائهم على قائمة المقترعين، فالأرقام ضئيلة حتى الآن. وعليه، الجميع في سباق مع الوقت والمهل.. فمن سيفوز في السباق؟
