في موازاة الجمود السياسي، أكدت مصادر عسكرية أنّ لجنة الميكانيزم تواصل اجتماعاتها الدورية وتستعد لعقد اجتماع جديد يوم الأربعاء المقبل، بحضور الموفدة الأميركية مورغن أورتيغوس، وذلك لمتابعة تفاصيل وقف الأعمال العدائية والبحث في تثبيت الاستقرار الميداني.
يأتي ذلك في وقت يترنّح طرح رئيس الجمهورية جوزاف عون بشأن المفاوضات بين لبنان وإسرائيل تحت وطأة المزاجية الإسرائيلية، في ظل متغيرات متسارعة يشهدها الشرق الأوسط عقب اتفاق غزة. طرح عون ملف التفاوض مع إسرائيل، تاركًا تحديد شكله وآلياته للمرحلة اللاحقة،غير أنّ الجانب الإسرائيلي أسقط المبادرة، من دون الدخول في مناقشتها، في وقت لم يتدخل الجانب الأميركي لدعم الطرح كما كان متوقعًا، رغم الوعود السابقة التي تلقاها رئيس الجمهورية.
قراءة عون للمشهد الإقليمي ومحاولة التهدئة
مصادر مطّلعة على الملف أكدت لـ"المدن" أنّ تصريحات الرئيس عون لم تكن عبثية، بل جاءت نتيجة قراءة دقيقة لما يجري في الإقليم، ورغبة واضحة في تهدئة الأجواء وإعادة الاستقرار إلى لبنان. إلا أنّ هذا التوجّه لم يلقَ تجاوبًا من الجانب الإسرائيلي، الذي – بحسب المصادر – لا يرغب في أي مسار تهدئة قد يخفف الضغط على لبنان أو يتيح له التقاط أنفاسه سياسيًا وأمنيًا.
مبادرة رئيس الجمهورية، التي وُصفت بأنها حجر الأساس في مسار ممكن نحو الاستقرار، جاءت بعد تشاور مع رئيسَي مجلس النواب والحكومة. وقد اشترط عون للانتقال إلى مرحلة التفاوض تطبيقاً لاتفاق وقف إطلاق النار عام 2024، بما يشمل إطلاق الأسرى اللبنانيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، ووقف الغارات الجوية.
لكنّ الجانب الإسرائيلي، وفق مصادر قريبة من قصر بعبدا، رفض هذه الشروط بالكامل، معتبرًا نفسه الطرف المنتصر في المعادلة الحالية، وله وحده حق فرض الشروط. المصدر ذاته أشار إلى أنّ الوسيط الأميركي لم يقدّم أي ضمانات حقيقية، فيما المجتمع الدولي يتعامل بلامبالاة تجاه التصعيد الإسرائيلي، الأمر الذي يعرقل أي تقدّم نحو الحل.
ضغوط إسرائيلية ورسائل سياسية
في السياق نفسه، كشفت المصادر أنّ الطائرات المسيّرة الإسرائيلية تواصل تحليقها المنخفض فوق المناطق اللبنانية، في رسائل ضغط سياسي وعسكري موجهة إلى كلٍّ من الرؤساء الثلاثة – عون، بري، وسلام. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، إذ سبق أن استخدمتها إسرائيل خلال عهد الرئيس إميل لحود لتحقيق أهداف مشابهة، في المقابل، يعمل الجيش اللبناني على تنفيذ المرحلة الأولى من خطته لحصر السلاح بيد الدولة جنوب نهر الليطاني، في خطوة اعتُبرت متقدمة على طريق تثبيت الاستقرار الأمني.
ويشهد القصر الجمهوري سلسلة اجتماعات تشاورية بين عون وبري، لبحث الملفات الحساسة، وعلى رأسها موضوع المفاوضات مع إسرائيل. وبحسب مصادر مطّلعة، يُبدي بري ليونة ملحوظة في التعاطي مع هذه الملفات، مدركًا حساسية المرحلة وخطورة الأوضاع في الجنوب اللبناني، الذي يشكل الثقل الأكبر لطائفته. أما رئيس الحكومة نواف سلام، فقد أبدى هو الآخر إيجابية واضحة تجاه خطوات الرئيس عون.
آلية المفاوضات المقترحة
من جهة أخرى، طرح الرئيس بري فكرة أن تُجرى المفاوضات – في حال استئنافها – عبر لجنة وقف الأعمال العدائية القائمة أصلًا. لكن مصادر مطلعة على عمل الميكانزم أوضحت لـ"المدن" أنّ هذا الطرح هو بمثابة تعبير بري على أنّ الميكانزم هو الحد الأقصى لما يمكن أن يقدّمه لبنان في الظروف الحالية، وهو رسالة واضحة بعدم القبول بأي تفاوض مباشر مع إسرائيل.
اللجنة المذكورة، المؤلفة من ممثلين عسكريين عن الجهات الخمس، تملك صلاحيات تقنية محدودة، ما يستدعي – وفق المصادر – توسيع إطارها بإضافة دبلوماسيين أو سياسيين إذا ما تقرر تطويرها إلى قناة تفاوضية فعلية. ويُعتبر هذا الطرح من بري محاولةً لتحقيق "أفضل الممكن" بأقل الخسائر في ظل ميزان القوى غير المتكافئ.
