في سياق احتدام النقاش حول مسار الإصلاح الانتخابيّ وتثبيت مبدأ مشاركة غير المقيمين، انفجر سجالٌ سياسيٌّ جديدٌ أمس عقب تصريحاتٍ لرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي اعتبر فيها أنّ "إعادة طرح قانون الانتخاب يهدف إلى عزل طائفة، وهذا ما لن نسمح به"، وأنّه "لا يحق للحكومة أن ترسل قانونًا إلى مجلس النوّاب في ظلّ وجود قانونٍ سارٍ". وقد قوبل كلامه بسلسلة ردودٍ من قوى المعارضة النيابيّة، أكّدت أنّ توسيع حق الاقتراع ليشمل المغتربين إنّما يعزز المساواة السياسيّة ويعيد وصل ما انقطع بين الدولة وأبنائها في الانتشار.
قال رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميّل، في رسالةٍ إلى برّي على "إكس": "دولة الرئيس، بأي قاموسٍ تعتبر ممارسة مئات آلاف اللبنانيّين المغتربين، من كل الطوائف والمناطق ودون أي تمييز، حقهم الدستوري في تقرير مصير بلدهم، عزلًا لطائفة؟" وأضاف: "من يحاول عزل الطائفة عن بقيّة اللبنانيّين هو من يرفض منطق الدولة والمساواة، ويتمسك بسلاحه وبارتباطه الأيديولوجي بإيران، رغم تخلّيها عنه في أصعب الأوقات." وختم: "رأيك لا يمنحك الحق في منع المجلس من حسم هذا النقاش بجلسةٍ عامّة، فالمجلس هو الذي يمثل جميع اللبنانيّين، وهو من يملك القرار."
القوّات تُعلّق
بدورها، أصدرت الدائرة الإعلاميّة في حزب "القوّات اللبنانيّة" بيانًا جاء فيه ردًّا: "أوّلًا، قال الرئيس برّي إنّ "ما يحاولون طرحه في قانون الانتخاب يهدف إلى عزل طائفة، وهذا ما لن نسمح به". من المستغرب اعتبار تصويت المغتربين شكلًا من أشكال العزل، فيما غير المقيمين ينتمون إلى كل الطوائف دون استثناء، أمّا حرمانهم من التصويت في دوائر نفوسهم لجميع نوّاب الأمّة، كما يفعل الرئيس برّي، فهو العزل بعينه.
ثانيًا، من المستهجن وصف ممارسةٍ دستوريّة بدأت تشق طريقها لأوّل مرّة بأنّها "عزلٌ لطائفة"، فيما الانقلاب المتكرر على هذه الممارسة هو الذي عزل الدولة وطوائفها وشعبها على مدى خمسةٍ وثلاثين عامًا.
ثالثًا، إنّ الإشارة إلى "وفدٍ نيابيٍّ آخر بوجهة نظرٍ مختلفةٍ سيزور المسؤولين قريبًا" تذكر بأساليب نظام الاحتلال السوريّ يوم أنشأ "اللّقاء التشاوريّ" لمواجهة "لقاء قرنة شهوان". ونذكر بأنّ السبب الرئيسي لزيارة الوفد النيابي للمسؤولين هو الامتناع عن الاحتكام إلى المؤسّسات والنظام الداخلي للمجلس والأعراف المتّبعة، والمسألة ليست وفدًا في وجه وفدٍ، بل استمرارًا في رفض وضع اقتراح القانون المعجل المكرر لإلغاء المادّة 112 على جدول الهيئة العامّة لتقرر الإلغاء من عدمه، علمًا أنّ وفد قوى المعارضة يمثل الأكثريّة في مجلس النوّاب.
رابعًا، القول إنّ "الحكومة إذا أرسلت تعديلاتٍ على القانون النافذ تطرح بعد مناقشة القوانين الثمانية الموجودة" باطلٌ من أساسه، إذ لا وحدة موضوعٍ بين مشروع الحكومة المعدل للقانون النافذ وبين اقتراحات القوانين الجديدة، فلا رابط بين الأمرين، وكلامه لا يستقيم قانونًا ولا دستورًا.
خامسًا، وأمّا القول إنّ "الحكومة لا يحق لها إرسال قانونٍ إلى مجلس النوّاب بوجود قانونٍ ساري المفعول" فهرطقةٌ دستوريّةٌ صريحة، لأنّ من واجبات الحكومة الأساسيّة أن تقدم مشاريع قوانينٍ وتعديلاتٍ على القوانين النافذة متى اقتضت الحاجة.
سادسًا، ومن يسمع الرئيس برّي يقول إنّ "أي خروجٍ من الميكانيسم هو نسفٌ للقرار 1701 ولاتّفاق تشرين الثاني 2024 الذي وافقت عليه الحكومة" يظنه من أكثر المتمسكين بالتطبيق، بينما الواقع أنّ الانقلاب على القرار 1701 أدّى إلى "حرب الإسناد"، والانقلاب على اتّفاق 27 تشرين الثاني مددها، والانقلاب على اتّفاق الطائف استدعى صدور القرارات 1559 و1680 و1701 واتّفاقيّة 27 تشرين. والختام واحد: "المطلوب أن تحتكر الدولة وحدها السلاح"، تنفيذًا للدستور الذي لم يطبقْ منذ خمسةٍ وثلاثين عامًا."
وفي السياق نفسه، أكّد عضو تكتّل "الجمهوريّة القويّة" النائب غسّان حاصباني أنّ "تعديل القوانين أمرٌ طبيعيٌّ في الحياة التشريعيّة، وما من قانونٍ منزهٍ عن الأخطاء، إنّما الهدف من تطوير النصوص القانونيّة والدستوريّة هو تحسين الأداء وبناء الدولة لا تسجيل المواقف السياسيّة أو المزايدات." ودعا، في حديثٍ إلى "صوت كل لبنان"، إلى تعاون السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة لتحديث القوانين بما يخدم المصلحة الوطنيّة، مشيرًا إلى أنّه "في حال لم يدرجْ قانون الانتخابات على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة يوم الثلاثاء، فإنّ كتلة "الجمهوريّة القويّة" ستتّخذ قرارها بعد التشاور، ولن توفر وسيلةً لضمان مناقشته وإقراره."
وردًّا على برّي، كتب النائب نديم الجميّل على "إكس": "من حول طائفةً بمعظمها إلى طرفٍ مشبوهٍ في نظر الدول العربيّة والغربيّة، ومن زج بها في حروبٍ لا علاقة لها بها، ودمر بيوتها واقتصادها ومجتمعها، هو من قام فعليًّا بعزل الطائفة، لا من يطالب اليوم بحق المغتربين في التصويت للنوّاب المئة والثمانية والعشرين." وأضاف: "إنّ ضمان حق جميع اللبنانيّين في انتخاب نوّابهم ليس إلّا تأكيدًا على المساواة بين أبناء الوطن جميعًا." وتابع سائلًا: "فأين كان هذا "العزل" بين عامي 2018 و2022، حين كنتم، في ظل القانون نفسه، تهيمنون على البلاد والعباد؟"
