بالتوازي مع الملف الأمني والعسكري الذي يشغل بال السلطة اللبنانية والشعب في آنٍ واحد، يبرز ملف الانتخابات النيابية المقرّر إجراؤها في أيار من العام 2026. وكلّما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسةٍ تشريعية، تبدأ التساؤلات حول ما إذا كانت ستتضمّن نقاشًا حول قانون الانتخابات، وصولًا إلى مرحلة التصويت وإمكان تبنّي اقتراح عددٍ من القوى بجعل تصويت المغتربين يشمل النواب المئة والثمانية والعشرين، بدلًا من اقتصاره على ستة نواب عن الخارج يمثّلون قارات آسيا، أوروبا، أفريقيا، أوقيانوسيا، والأميركيتين الشمالية والجنوبية.
وبعد الجدل الذي شهِدته الجلسة الأخيرة وانسحاب عددٍ كبيرٍ من النواب، ما أدّى إلى فقدان النصاب وتعطيل التشريع، وتمكّن عدد من النواب من تأمين عريضةٍ موقّعة من 67 نائبًا تدعو بري إلى طرح موضوع قانون الانتخابات على جدول الأعمال، معلنةً تأييدها تصويت المغتربين لجميع النواب كما كان الحال في العامين 2018 و2022، دعا بري إلى جلسةٍ عامةٍ تشريعية يوم الثلاثاء المقبل لمتابعة درس مشاريع واقتراحات القوانين التي كانت مُدرجة على جدول أعمال جلسة 29 أيلول. فهل ستتضمّن هذه الجلسة حلولًا تتعلّق بقانون الانتخاب الجديد؟ وهل أثمرت النقاشات في هذا الشأن؟
موقف الرئاسة الثانية: لا جديد تحت شمس قانون الانتخاب
مصادر على علاقةٍ بالرئاسة الثانية وأجوائها قالت لـ"المدن" إنّه لا جديد يُذكر في ما يتعلّق بموضوع قانون الانتخابات، الذي يعتبره رئيس المجلس محسومًا ويكرّر عبارته الشهيرة بشأنه: "بعد الإنجيل والقرآن". وبالتالي، فإن الجلسة المقبلة ستكون جلسةً تشريعيةً بحتة، مخصّصة لمتابعة درس مشاريع القوانين التي عطّل فقدان النصاب مناقشتها في الجلسة الماضية. أما تصويت المغتربين، فسيبقى محصورًا بالنواب الستة كما هو وارد في القانون الذي أقرّته الغالبية التي تعترض عليه اليوم، رغم أنّها كانت قد اعتبرته في حينه إنصافًا للمغتربين وضمانًا لحقوقهم، قبل أن تسعى اليوم إلى الانقلاب عليه، لأنه لم يعد يخدم مصالحها السياسية، ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص مع ثنائي "أمل – حزب الله" لاعتباراتٍ تدركها هذه القوى جيدًا.
وحول ما إذا كانت هناك نيةٌ لتعطيل الجلسة المقبلة للمجلس في حال عدم إدراج البند المتعلّق بالقانون الانتخابي، تؤكّد المصادر أنّ الرئاسة الثانية تأمل ألّا يحدث ذلك، لأنّه سيؤثر سلبًا على التشريع وعلى القوانين التي تهمّ الشعب اللبناني. وردًا على سؤال "المدن" حول إمكان ابتكار حلٍّ يوازن بين متطلّبات الفريقين، واحتمال طرح بند القانون في الجلسة المقبلة، قال عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قبلان قبلان: "الجلسة للتشريع، ولا جديد على مستوى القانون". وبذلك، تسقط كلّ التخمينات التي تحدّثت عن احتمال بروز حلٍّ في الساعات الأخيرة قبل انعقاد الجلسة، يتعلّق بقانون الانتخابات.
"القوات اللبنانية" في مواجهة جديدة مع بري
على الضفّة المقابلة، تتصدّر "القوات اللبنانية" جبهة المطالبين بتعديل القانون الانتخابي ليشمل تصويت المغتربين لكلّ النواب، وهي تستعدّ مجدّدًا لمواجهة الرئيس نبيه بري، الذي تعتبره يعطّل من غير وجه حق، بحسب رأيها، إمكان تعديل القانون بعدم طرحه على جدول أعمال الجلسة، وتجاهله رأي النواب المؤيّدين للتعديل. والسؤال المطروح: هل ستقاطع القوات اللبنانية جلسة الثلاثاء المقبل؟
عضو كتلة "الجمهورية القوية" النائب فادي كرم أشار في حديثٍ إلى "المدن" إلى أنّه "طالما لم يتغيّر أيّ شيء، وطالما أنّ الرئيس بري مصرّ على عدم طرح التعديل على قانون الانتخابات، فإنّ القوات اللبنانية لن تغيّر موقفها، ولن تحضر الجلسة التشريعية، لأنها بذلك تنسجم مع قناعاتها". ويأتي هذا الموقف التزامًا بما أعلنه رئيس حزب القوات سمير جعجع من |أنّ النواب هم من يقرّرون التشريع، أي الأغلبية النيابية، وليس رئيس المجلس وحده. وبالتالي، فإنّ مقاطعة جلسة الثلاثاء هي القرار المتّخذ من جانب القوات اللبنانية ما لم يطرأ أيّ تغيير في الأيّام المقبلة.
قوى أخرى على الخط ذاته
وعلى الخطّ نفسه، تسير القوى السياسية الأخرى التي تؤيّد المقترح ذاته، معتبرةً أنّ الرئيس بري يعطّل إرادتها وإرادة الأغلبية – كما ترى – وبالتالي فهي ستقاطع الجلسة التشريعية المقبلة، من دون أن يعني ذلك الامتناع عن الحضور رمزيًا أو تسجيل موقفٍ اعتراضي، بهدف رمي المسؤولية على الفريق الآخر وتجنّب اتهامها بتعطيل العمل التشريعي.
لا حلول في الأفق... والانتخابات في مهبّ التجاذبات
إذًا، لا حلول واردة في ما يخصّ قانون الانتخابات وملفّ الاستحقاق النيابي المقبل بشكلٍ عام، ولا بوادر تدلّ إلى إمكان تغيّر موقف الرئيس نبيه بري، وهو أمر يبدو واضحًا حتى لدى القوى التي تعارضه، إذ تدرك جيدًا أنّ الضغوطات لن تؤثّر عليه – كما أكّدت مصادره لـ"المدن". والسؤال المطروح اليوم: هل ستعمد القوى المعارضة إلى مقاطعة "المطبخ التشريعي" ظنًّا منها بأنّها بذلك تضغط على بري وتلقي اللوم عليه؟ وهل فعلاً أصبحت الانتخابات النيابية المقبلة في دائرة الخطر، وسط تضارب الآراء رغم الإجماع الظاهر على إجرائها في موعدها المحدّد، والرفض القاطع لأيّ فكرةٍ تؤدّي إلى تأجيلها؟
