في سياقٍ سياسيّ يَشي بتوتّرٍ متصاعد على الجبهة الشماليّة، كشَفَت صحيفة "جيروزالِم بوست" الإسرائيليّة أنّ "الجيشَ الإسرائيليّ أجرى تدريبًا لمدّة 30 ساعة خلال الأسبوع الماضي، للتمرين على المعارك الدفاعيّة على امتداد الحدود الشماليّة، استعدادًا لمحاولة هجومٍ شبيهٍ بـِ "7 تشرين الأوّل" قد يأتي من لبنان".
ووفق التقرير، "تدرّبت القوّات في أحد السيناريوهات على القدرة على الردّ على هجومٍ مفاجئ يستهدف مدينة نهاريا، حيث يسكن عشراتُ الآلاف، في حال حاول مسلّحون التسلّل جوًّا وبرًّا وبحرًا للسيطرة على المدينة". كما أفادت الصحيفة بأنّ "الجيش تعامل مع محاولات مُحاكاة للسيطرة على بلداتٍ إضافيّة في شمال إسرائيل، ومنشآتٍ عسكريّة، ومواقعَ استيطانيّة على طول الحدود".
وأوضحت "جيروزالِم بوست" أنّ "التمرين دخل مساء الأربعاء مرحلته الثانية؛ إذ انتقل الجيش من الدفاع إلى الهجوم داخل الأراضي اللبنانيّة، وخلال الليل طُلِبَ من القوّات التدرب على سيناريوهاتٍ تتعلّق بمنع تهريب رهائن من داخل إسرائيل إلى لبنان". ونقلت عن ضابطٍ كبير قوله: "هناك أماكنُ فشلت فيها كتائبُ إسرائيليّة فشلًا ذريعًا في أداء مهامّها، واضطرّت الوحدات أحيانًا إلى استبدالها أثناء التمرين أو التعافي من انتكاساتٍ كبيرة"، مضيفًا بشأن سيناريو نهاريا وهجماتٍ أخرى في الجليل أنّ "التدريبات شملت تنسيقًا مُكثّفًا مع سلاح الجوّ، إلى جانب اشتباكاتٍ صغيرة وكبيرة في مواقع مختلفة".
وفي قراءةٍ لميزان القوّة، ذكرت الصحيفة أنّ "السؤال يبقى مطروحًا حول ما إذا كان "حزبُ الله" ما زال قادرًا على تحدّي إسرائيل في سيناريو مُتطرّف"، لتنقل عن ضابطٍ كبير قوله: "في هذه المرحلة، هل يمكنهم تنفيذ شيءٍ مشابهٍ لما تدرّبنا عليه، كما فعلوا من قبل؟ على الأرجح لا، لكنّ نقطة انطلاقنا هي الاستعداد للاحتمالات السهلة والصعبة، ولا يمكننا التنبّؤ بما سيحدث". كما أقرّ الجيش، وفق الصحيفة، بأنّ "أيّ هجومٍ لـِ "حزب الله" قد يكون مُفاجئًا"، في حين شدّد الضابط على أنّ "قدرات الحزب تضرّرت بشدّة، لكنّه لا يزال يُحاول". وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أنّ "منظّمي التدريب وضعوا سيناريوهاتٍ على أساس قدرات الحزب قبل الحرب، حتّى بالغوا في تقدير قوّته لاختبار الجاهزيّة". وخَتَم الضابط مُفصِّلًا: "لقد جاؤوا من البحر، من اتّجاهاتٍ متعدّدة، وليس فوق الماء فقط. في البحرِ مهمّةُ البحريّة إيقافُهم، وعلى البرّ تمنحُنا عملياتُنا المستمرّة داخل لبنان ميزتَين: مسحٌ قصيرُ المدى لمنع إعادة بناء "حزب الله"، وتنظيمٌ طويلُ المدى لمنطقةٍ عازلةٍ أمنيّة تُصعّب عليهم شنَّ هجمات".
في المقابل، رسمت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسيّة صورةً مُعاكسةً في العلن ومقلِقةً في الميدان؛ إذ قالت إنّ "حزبَ الله يعمل حاليًا على نحوٍ شبه كامل تحت الأرض"، مُشيرةً إلى أنّه "يعيد بناء هيكلِه القياديّ وقوّتِه العسكريّة بسرّيةٍ تامّة، خصوصًا بعد عامٍ على عملية "البيجر" الإسرائيليّة". ووفق ما أوردته الصحيفة، فإنّ الحزب "يُظهِر موافقةً ظاهريّة على مسار نزع السلاح، في حين يسير فعليًّا بخلاف ذلك في معاقِله الأخرى"، وهو "يُرمّم صفوفَه وقدراتِه من دون أن تُدَمَّر بالكامل، ويُعيد توزيعَ المسؤوليات العسكريّة لإضفاء مزيدٍ من السريّة على طبيعة المهامّ والقادة، وقد بدّل طبقةً قديمةً من القيادات بجيلٍ ثانٍ وثالثٍ أكثر قدرةً على مواكبة التطوّر التكنولوجيّ". كما تفيد الصحيفة بأنّه "قلّص اتصالاتِه الخارجيّة، وأرسل مقاتلين لم يشاركوا في الحرب إلى معقله في البقاع، ولا تزال له صِلاتٌ داخل بعض الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة، وجهاتٍ أُنيط بها أصلًا ملفّ نزع سلاحه".
لبنانيًّا، تتقاطع هذه المؤشّرات مع سجالٍ داخليّ حول حَصر السلاح بيد الدولة. فقد كانت الحكومةُ اللبنانيّة قد قرّرت حصرَ السلاح بيدها وحدَها، ووضعَ الجيشُ اللبنانيّ خطّةً من خمس مراحل لسحب السلاح، في خطوةٍ سارع "حزبُ الله" إلى رفضها. وأكّد رئيسُ الحكومة نواف سلام، الخميس، أنّ "لبنان ملتزمٌ بإنهاء عمليّة حصر السلاح جنوبَ نهر الليطاني قبل نهاية العام"، مُطالبًا في المقابل بأن "تقومَ إسرائيل بواجباتها والتزاماتها لجهةِ الانسحاب من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة، ووقف اعتداءاتها المستمرّة".
سياسيًا، توحي اللغةُ الإسرائيليّة الّتي تجمع بين إعلانِ الأضرار الّتي لحقت بقدرات "حزب الله" والتحذير من مفاجآتٍ محتملة، بأنّ تل أبيب تُبقي هامشَ التصعيد مفتوحًا، وتُحضّر روايتَها لعمليّاتٍ وقائيّة أو هجوميّة أوسع. وفي المقابل، يُظهر الخطابُ اللبنانيّ الرسميّ تمسّكًا بمسارِ "حصر السلاح" جنوب الليطاني، مع اشتراطِ التزامِ إسرائيل بالانسحاب ووقف الاعتداءات. وبين هاتين الروايتين، تتشكّل بيئةُ حافةِ الهاوية: تدريباتٌ مُكثّفة، وسيناريوهاتٌ هجوميّة ودفاعيّة، وسباقٌ محموم على "الجهوزيّة" قد يرفع منسوبَ المخاطر على الحدود اللبنانيّة ـ الفلسطينيّة في الأسابيعِ المقبلة.
