صندوق واحد أم ستة؟ الرئاسة تُحرّر قانون انتخاب المغتربين

بتول يزبكالخميس 2025/10/23
مجلس النواب (مصطفى جمال الدين)
تجاوز السجال حدود الصياغات الإجرائية. (مصطفى جمال الدين)
حجم الخط
مشاركة عبر

يقف لبنان على مسافة سبعة أشهرٍ فقط من استحقاق ربيع 2026، فيما قانون الانتخاب محشورٌ في عنق زجاجةٍ لا يضيق فقط بضغط الوقت، بل بتصميمٍ واضحٍ على إبقائه عالقًا عند عقدة اقتراع اللّبنانيّين في الاغتراب. الخصومة هنا ليست تقنيّةً ولا لوجستيّة، بل سياسيّةٌ صرف، من جهةٍ "الثنائيّ الشيعيّ" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" المتمسّكان باستحداث ستّة مقاعد للمغتربين تقاسم مناصفةً بين المسلمين والمسيحيّين، ومن جهةٍ مقابلةٍ معارضةٌ واسعةٌ تريد للمغتربين أنّ يقترعوا لـ128 نائبًا من أماكن إقامتهم وفق قيودهم في لوائح الشطب. في الحالتين نحن أمام تعديلٍ لازمٍ للقانون، لكنّ الفرق أنّ التعديل الأوّل يعيد إنتاج مشكلةٍ ويمدّ في عمر الأزمة، فيما الثاني يحسم الإشكال ويفتح صناديق الخارج على التمثيل الكامل لا الرمزيّ. وفوق هذا كلّه، ثمّة واقعٌ دوليٌّ وإقليميٌّ يضغط لإنجاز الانتخابات في موعدها، بوصفها "ممرًّا إلزاميًّا" لإنعاش الشرعيّة وإعادة تشكيل السّلطة، ما يجعل خيار التأجيل شبه مستحيل، إلّا إذا قدّمت الذرائع على أنّها قدرٌ لا فكاك منه.

 

عقدة الاغتراب: شكل الخلاف ومضمونه
تجاوز السّجال حدود الصياغات الإجرائيّة. رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يدعو الحكومة إلى إصدار مراسيم تطبيقيّةٍ تفعّل تمثيل الاغتراب بستّة مقاعد مخصّصةٍ مناصفةً بين المسلمين والمسيحيّين، متمسّكًا بالإبقاء على القانون النافذ. في المقابل، يرى رئيس الحكومة نواف سلام أنّ هذه المراسيم يجب أنّ تخرج من البرلمان في جلسةٍ تشريعيّةٍ خاصّة، انطلاقًا من أنّ الصلاحيّة في هذا الباب تشريعيّةٌ لا تنفيذيّة. وهنا تستعاد المادّة 112 من القانون النافذ، وقد باتت عنوانًا لمعركة الإلغاء. اقتراحٌ "معجّلٌ مكرّر" حمل تواقيع نوّابٍ من صفّ الأكثريّة الجديدة، يقضي بشطب هذه المادّة بما يسمح للمغتربين بالاقتراع للـ128 نائبًا. خصوم رئيس المجلس يغْمزون من قناته ويتّهمونه بإحجامٍ "غير مبرّر" عن إدراج الاقتراح على جدول أوّل جلسةٍ تشريعيّة، معتبرين أنّ إبقاءه في الأدراج يكاد يتحوّل عمليًّا إلى مدخلٍ لتطيير المهل ومن ثمّ ترحيل الانتخابات.
من جهةٍ ثانية، فإن رئيس الجمهوريّة جوزاف عون خرج في الأيّام الماضية برسالةٍ واضحةٍ إلى الداخل والخارج، "نحن مع حقّ المنتشرين بأن يكون لهم الدور التشاركيّ مع المقيمين في القرار السياسي"، مذكّرًا بما قاله أمام الجالية اللبنانيّة في نيويورك، "أبناء الانتشار شركاء في القرار من خلال صندوق الاقتراع". الرئيس شدّد على ثابتتين، أوّلًا إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها "من دون أيّ تأجيل"، وثانيًا وجوب مشاركة المنتشرين في الاقتراع. وإذ أحال إلى المعوّقات التقنيّة "الجدّيّة" التي عرضتْها وزارة الداخليّة بشأن اقتراع ممثّلين عن "القارّات الستّ"، شدّد على أنّ مهمّته الدستوريّة "السهر على احترام الدستور"، وأنّ على النوّاب "تثبيت هاتين المسلمتين". في هذا السياق استقبل وفدًا نيابيًّا واسعًا من موقّعي اقتراح تصويت المغتربين للـ128 نائبًا، بينهم غسّان حاصباني، وأشرف ريفي، وملحم رياشي، وميشال معوّض، والياس حنكش، وجورج عقيص، وميشال الدويهي، ووضّاح الصادق، ومارك ضو، للاستماع إلى ملاحظاتهم ودوافعهم السياسيّة والقانونيّة.

 

حبشي: "لا تأجيل لساعةٍ واحدة… والستّة غير قابلةٍ للتنفيذ"
النائب أنطوان حبشي، العائد من لقاء بعبدا، يضع في حديثه إلى "المدن" خلاصةً صريحة، "اللقاء كان إيجابيًّا جدًّا، لمسنا لدى الرئيس استعدادًا حقيقيًّا وفعليًّا ليس لأنّنا نطلب فحسب، بل لأنّه مقتنع". ينقل حبشي عن الرئيس أنّه التقى الجالية اللبنانيّة في نيويورك وسمع مطلبًا واضحًا بتصويت المنتشرين "للنوّاب الـ128"، وأنّه وعد بطرح الأمر مع رئيس الحكومة "وإدراج البند على جدول الأعمال".

ويرى حبشي أنّ "لا اختلاف" بين مقاربة الرئاسة ووزارة الداخليّة لجهة التشخيص التقنيّ، "وزير الداخليّة تحدّث عن صعوباتٍ تتعلّق بالنوّاب الستّة، واعتبر أنّ الأمر غير ممكن، وهذا لا يعني أنّ رئيس الجمهوريّة وافقه على الخيار السياسيّ للمقاعد الستّ، بل كان واضحًا بسؤالٍ بسيطٍ ومعبّر، ماذا تعني القارّة السادسة، هناك خمس قارّات، فهل المحيط المتجمّد قارّة، ومن سيمثّلها". وبالنسبة إلى حبشي، لا يهدف السؤال إلى التهكّم بقدر ما يكشف "الاستحالة العمليّة" لإجراء انتخاباتٍ على قاعدة ستّة مقاعد موزّعةٍ طائفيًّا وقاريًّا، ما دامت التفاصيل التنظيميّة "تكاد تكون غير ممكنة"، فيما "تنظيم اقتراع المغتربين في أماكن إقامتهم على لوائح القيد الأصليّة حصل سابقًا ونجح، وقد بدأ التسجيل فعلًا".

وأبعد من التقنيّة، يضع حبشي الخلاف في سياق "خطف الإرادة"، "منذ عام 1992 إلى اليوم، حين يكون هناك قانونٌ معجّلٌ مكرّر، تعقد 4 جلسات تشريعيّة، ولا يطرح القانون في الأربع مرّات على الهيئة العامّة. من يمنع طرح التعديل اليوم يذهب عمليًّا إلى تأجيل الانتخابات بشكلٍ غير مباشر". ويضيف، "رئيس الجمهوريّة أكّد ثابتة عدم تأجيل الانتخابات ليومٍ واحد، وهذا ما نتوافق عليه. المسألة بسيطة، يدرج الاقتراح على جدول الأعمال، تعقد الجلسة، تطرح الحجج، ويصوّت النوّاب الذين يفترض أنّهم يمثّلون إرادة الشعب".

ويسخر حبشي من "فكرة التسويات الرماديّة" حين يتعلّق الأمر بالمبدأ، "هل نقبل بحلٍّ وسطيّ، مطلبنا هو اقتراعٌ للـ128 نائبًا، وهو أقصى أمنياتنا، وقد حصل ذلك مرّتين، ويجب أن يصبح ثابتًا لا حالةً ظرفيّة، المغتربون يريدون المشاركة في تقرير مصير البلد، لا تقرير مصير فقمةٍ في المحيط المتجمّد". وبالنسبة إلى اقتراح النائب غسّان سكاف بتأجيل الانتخابات إلى 15 تمّوز "إتاحةً لمشاركة المغتربين"، يردّ، "لا يجب تأجيل الانتخابات ساعةً واحدة، هذا استحقاقٌ دستوريّ، ومن أجل انتظام المؤسّسات علينا أن نتعلّم إجراءه في موعده".

أمّا في الآليّات، فيرى حبشي أنّ الباب العمليّ "اليوم" هو الحكومة، "السلطة التشريعيّة معطّلةٌ بطريقة إدارة الرئيس برّي للمجلس، وهذا خطفٌ لإرادة الناس، وعليه، فإنّ الحكومة تستطيع أن تقدّم مشروع قانونٍ تعديليًّا يحيل اقتراع المنتشرين إلى الـ128 نائبًا، وهذا مسارٌ يلتفّ على التعطيل، وعدد النوّاب المؤيّدين فوق 67، والخطوات التنفيذيّة جاهزة، وإذا لم تستجب الحكومة أو رئاسة المجلس سنمضي إلى تنسيقٍ مع قوىً معارضةٍ عدّة لاتّخاذ خطواتٍ إضافيّة".

 

مارك ضو: "توسيع المشاركة… لا تأجيل للمواعيد"
من جهته، النائب مارك ضو، أحد الموقّعين على الاقتراح وعضو الوفد النيابيّ إلى بعبدا، يضع الأمر في عناوين أربعة. أوّلًا، عن لقاء الرئيس، "نعم، لمسْنا استعدادًا فعليًّا لدفع الملفّ قدمًا عبر إحالة مشروع قانونٍ معجّلٍ إلى مجلس النوّاب، والرئيس قادرٌ عمليًّا على تشجيع الحكومة لإعداد مشروعٍ سريعٍ لتصويت المغتربين، رغم التجاذبات". ثانيًا، عن الاتّهام بأنّ فتح ملفّ الاغتراب تمهيدٌ للتأجيل، "لا، بالعكس، اقتراع المغتربين ضمانةٌ لتوسيع المشاركة ورفع الشرعيّة التمثيليّة، لا جسرًا للتعطيل". ثالثًا، عن اقتراح التأجيل إلى 15 تمّوز، "لسنا مع التأجيل، الوطن يحتاج انتقالًا برلمانيًّا يواكب العهد ويطلق ديناميّةً إصلاحيّةً بعيدةً عن تركيبة المجلس الحاليّة، وأيّ تمديدٍ للمواعيد هو التفافٌ على المهل الدستوريّة". رابعًا، عن الخطوات التالية، "مباشرةً، زيارةٌ لرئيس الحكومة وطلب تقديم مشروع قانون، مع استمرار الضغط في المجلس وحشد تأييد المغتربين والمواطنين في لبنان ضدّ تعطيل الرئيس برّي لتعديل القانون".

ويقرأ ضو، في حديثه إلى "المدن"، المعركة على أنّها "اختبار صدقيّة" لمقولة الإصلاح، "من يريد إصلاحًا لا يخاف من صندوقٍ يفتح في سيدني أو أبيدجان أو باريس، القاعدة واضحة، مواطنٌ واحد، صوتٌ واحد، صندوقٌ واحد، وقيدٌ واحد، وهذا ما يجعلنا أمام مجلسٍ يعكس حقيقة المجتمع السياسيّ اللبنانيّ، لا توازنات غرفٍ مغلقة".

وبين الذرائع التقنيّة والحجج السّياسيّة، يبرز "الامتحان التقنيّ" لاقتراع النوّاب الستّة في الاغتراب. تقرير وزارة الداخليّة، الذي استند إليه الرئيس في إشارته إلى "المعوّقات والصعوبات"، يفتح أسئلةً واقعيّة، كيف تقسّم القارّات، من يمثّل "القارّة السادسة"، كيف يحدّد التوزيع الطائفيّ داخل مقاعد مشتقّةٍ من جغرافيا غير متجانسة، كيف تدار الحملات والرقابة وإجراءات الفرز والنقل وحلّ النزاعات، وكيف يضمن تكافؤ الفرص بين قوائم تنشط في دوائر الداخل وأخرى في "دوائر قاريّة" واسعة. هذا كلّه، بحسب معارضي خيار "الستّة"، يضيف طبقةً من التعقيد الإداريّ فوق تعقيداتٍ سياسيّةٍ وماليّةٍ لا يحتملها البلد ولا الوقت. في المقابل، الاقتراع للـ128 نائبًا من أماكن السكن في الخارج سبق أن اختبر في جولتين انتخابيّتين، مع ثغراتٍ يمكن معالجتها بقراراتٍ تنفيذيّة، لا بتفكيك منطق القانون.

ولا شكّ أنّ الضغط الدوليّ حاضرٌ بقوّة، فالمجتمع الدوليّ يربط بين انتظام الاستحقاقات الدستوريّة وبين أيّ مسار دعمٍ ماليٍّ أو إصلاحيٍّ جدّي. "تطيير" الانتخابات سيضع الطبقة السياسيّة كلّها في موقع المساءلة. ويدرك اللاعبون ذلك، لذا يتحرّكون داخل هامشٍ محدودٍ بين رغبتهم في تعديل قواعد اللعبة ومخاوفهم من كلفة مواجهةٍ مع الخارج. هنا يكمن "المشترك" بين ضفّتي الخلاف، الجميع يريد الانتخابات "على وقتها"، لكنّهم يختلفون على كيفيّة إدخال الصوت الاغترابيّ إلى المعادلة. ومن يملك القدرة على إدارة التناقض إلى تسوية، الرئاسة إذا استطاعت أن تجمع الحكومة والمعارضة على مشروعٍ واضح، والشارع السياسيّ الذي يرفع كلفة التعطيل.

 

ماذا بعد؟
الخطوة العمليّة الأكثر مباشرةً، كما يردّد حبشي وضو، هي زيارة رئيس الحكومة بطلبٍ واضح، مشروع قانونٍ حكوميّ يحيل اقتراع المنتشرين إلى الـ128 نائبًا ويعالج في متنه كلّ ثغرات التجربة السابقة، التسجيل، مهل الشحن، الرقابة، معايير شفافيّة الفرز، دور وزارة الخارجيّة مقابل الداخليّة، وتحديدًا كيفيّة إدارة "مراكز كبرى" بدل عشرات المراكز الصغيرة حيث أمكن. وبالتوازي، ضغطٌ نيابيٌّ منظّمٌ لاستدعاء الجلسة والتصويت، مع إبقاء قنوات التواصل مفتوحةً مع الرئاسة لتسريع المراسيم الإجرائيّة فور إقرار النصّ.

وعلى خطٍّ موازٍ، تسعى المعارضة إلى حشد تأييدٍ أوسع في صفوف الرأي العامّ الاغترابيّ والداخليّ، لأنّ معركة القانون هي أيضًا معركة رواية، هل مشاركة المغتربين "تفصّل" على قياس ستّة مقاعد "تزينيّة"، أم تكرّس قاعدة شراكةٍ كاملةٍ في اختيار كلّ المجلس. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث