"اقتراع المغتربين في الخارج لم يعد فكرة واردة". بهذه العبارة لخّصت مصادر نيابية الأجواء السائدة في أروقة المجلس النيابي، حيث يتجه المزاج السياسي العام نحو إسقاط فكرة اقتراع المغتربين في بلدان الاغتراب، والطلب منهم الحضور إلى لبنان للمشاركة في الانتخابات النيابية.
في هذا السياق، برز اقتراح لافت قدمه النائب غسان سكاف، قد يشكّل مخرجاً للأزمة، ويقضي بتأجيل تقني للانتخابات النيابية لمدة شهرين تقريباً، وهو ما يتيح للمغتربين السفر إلى لبنان والإدلاء بأصواتهم لمرشحي المقاعد الـ 128، بدلاً من حصرهم بالمقاعد الستة المحددة في الدائرة 16.
سكاف: “تسوية بإقصاء المغتربين”
في حديث خاص لـِ "المدن"، أوضح النائب غسان سكاف أنه لا يوافق على مبدأ تأجيل الانتخابات، لكنه قدم اقتراحه "كمخرج لحل مسألة اقتراع المغتربين”، قائلاً: "التسوية بإقصاء المغتربين متّفق عليها بين الفرقاء السياسيين، وأنا لا أؤيد التأجيل المطلق".
سكاف أعلن عن فكرته بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة يوم الخميس، وأعاد طرحها علناً يوم الأحد في البقاع. وللإشارة إلى مدى تنسيقه مع بري، قال سكاف لـِ ”المدن”: “معقول أطلع وأحكي هيك من على منبر عين التينة من دون أن يكون الرئيس بري على علم بالموضوع؟"
وأكد سكاف أنه ناقش الاقتراح أيضاً مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، وسيلتقي اليوم رئيس الحكومة لإطلاعه على التفاصيل ومناقشة الملف معه. ولفت إلى أن أغلبية القوى السياسية أيّدت الطرح، بالرغم من أن بعضها يفضل تأجيلاً كاملاً للانتخابات، مفضّلاً عدم تسميتها بالقول: “المجالس بالأمانات”.
ويستعد سكاف لتقديم اقتراح قانون إلى المجلس النيابي يتضمن تأجيلاً تقنياً للانتخابات، مع صرف النظر عن الدائرة 16، وهو ما يسمح للمغتربين بالحضور إلى لبنان والمشاركة في التصويت خلال عطلتهم الصيفية.
موقف الكتل: تباين بمرونة واضحة
مصادر من كتلة التنمية والتحرير أكدت لـِ ”المدن” أن الرئيس نبيه بري متمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها، وعبّر للنائب سكاف عن رفضه “تأجيل الانتخابات ولو لساعة واحدة”. وأضافت المصادر: “لسنا متمسكين بالدائرة 16؛ بل القوات اللبنانية هم من دعموا هذا الطرح سابقاً”. أما على خط القوات اللبنانية، فأظهر بعض نواب كتلة الجمهورية القوية مرونة في التعاطي مع الملف، لكن النائب جورج عدوان كان حاسماً في تصريحه لـِ ”المدن”:
“ثابتون على موقفنا برفض أي تأجيل، ولو ليوم واحد، وندعم اقتراع المغتربين للـ 128 نائباً”، مضيفاً:
“لن نسير في أيّة تسوية حتى الآن، ولا اتفاق واضح مع الرئيس بري”. في السياق نفسه، مصادر قريبة من حزب الله أوضحت لـِ ”المدن” أن اقتراح سكاف لا يزال “مجرد فكرة”، وفي حال تحوّله إلى اقتراح قانون رسمي، قد يُناقش داخل المجلس النيابي. وأكدت أن الحزب يتمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها، ووفق القانون الحالي.
النائب وضاح صادق رأى أن تأجيل الانتخابات لشهرين قد يحمل بعض الدوافع الإيجابية، لكنه شدد على رفضه إلغاء حق المغتربين بالاقتراع من الخارج، وأعلن رفضه الدخول في أيّة تسوية حول الملف. أما النائب الياس حنكش، فأكد أن اقتراح سكاف قد يشكل حلاً جزئياً يعيد للمغتربين جزءاً من حقوقهم، مضيفاً: “نحن ماضون في معركة إلغاء المقاعد الستة المخصصة للاغتراب، وقد قدّمنا قانوناً بهذا الشأن، ومستمرون في هذا التوجه”.
وسواء اعتُبرت فكرة سكاف مخرجاً فنياً أو تسوية سياسية ناعمة، فمن الواضح أن حدّة التوتر حول ملف اقتراع المغتربين بدأت تنخفض تدريجياً، في حين تُنسج خيوط تسوية في الكواليس لإيجاد حل “واقعي” لهذا الملف المعقد، وسط محاولة لعدم الإخلال بمبدأ إجراء الانتخابات في موعدها.