عن رسائل اتفاق غزة للبنان

مهند الحاج عليالأحد 2025/10/19
غارات إسرائيلية على جنوب لبنان (Getty)
لدى إسرائيل اعتبارات أمنية غير مرتبطة بحسابات نتنياهو فحسب (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

اتفاق وقف النار في قطاع غزة كان للفلسطينيين بمثابة حبل نجاة لإنقاذ ما تبقى، بعد سنتين على حرب مُدمرة. تحقق نتيجة مسارين، الأول هو المطالب الأساسية لحكومة بنيامين نتنياهو، والثاني هو الوساطة السياسية للإدارة الأميركية الحالية (بدفع عربي) وخطوطها الحمراء.

 

ماذا يُخبرنا الاتفاق؟

أولاً، لدى إسرائيل اعتبارات أمنية غير مرتبطة بحسابات نتنياهو فحسب، بل ستنسحب على المرحلة المقبلة حتى لو لم يكن رئيساً للوزراء. تريد إسرائيل منطقة عازلة لا تخلو فقط من السلاح، بل من السكان أيضاً. هذا ينطبق على قطاع غزة، وعلى لبنان وسوريا كذلك. إنها استراتيجية دولة على ارتباط بالخلاصات العسكرية والأمنية لاعتداءات 7 أكتوبر.

هذا الصنف من الاستراتيجية اختبرناه مع الضربات العسكرية المفتوحة على سوريا، بغض النظر عن تغيير النظام هناك أو اسم رئيس الحكومة في إسرائيل. منذ عام 2012، اعتمد الجيش الإسرائيلي سياسة الساحة المفتوحة في سوريا والتعامل الاستباقي مع "التهديدات" قبل نشوئها. وربما بات بإمكاننا الاستنتاج بأن إسرائيل قررت اليوم تعميم استراتيجيتها السورية على لبنان (منذ عام 2023)، وكذلك قطاع غزة، حين تتوافر فيه الظروف لاستئناف الضربات الاستباقية وإعادة رسم الترتيبات القائمة فيه. 

هذه سياسة ستُلازمنا لفترة طويلة، وهي بمثابة احتلال طويل الأمد، وعن بُعد، وستحول دون أي تعافٍ حقيقي لهذه الدول القابعة في مراحل انتقالية، للاستجابة لاستنتاجات أمنية صرف.

 

ثانياً، الاتفاق استبعد المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة لمصلحة الدور الأميركي المباشر. ذلك أن المرحلة الثانية من الاتفاق تشمل دوراً أميركياً مباشراً في الإشراف على المرحلة الانتقالية في قطاع غزة، من خلال إدارة تضم حوالى 200 شخص. هذا ما يتسرب عن المرحلة الثانية للآن. 

والحقيقة أن اتفاق وقف النار في لبنان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يشرح هذا الدور المعروف بالميكانيزم، أي الآلية، وهي عملية تقودها الولايات المتحدة كضامن. ما تعلمناه عن هذا الدور خلال الشهور الماضية هو أن التنسيق الثنائي بين إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ضمنه الترتيبات والوعود بينهما (رسالة الضمانات)، يتفوّق على وظيفة الضامن المنوط بواشنطن. الأخيرة لا تعتبر نفسها ضامناً بين حليف منتصر عسكرياً مثل إسرائيل، من جهة، وبين خصوم مهزومين مثل لبنان وتنظيم "حزب الله" فيه. لهذا لن يُدين الدور الأميركي الخروقات في لبنان عبر تسجيلها وطلب تجنبها بشكل جدي، بل سيكون الميكانيزم امتداداً للعلاقة الأميركية-الإسرائيلية، يغض النظر عن الضربات اليومية في سياق التنسيق الثنائي. ولهذا أسباب كثيرة، منها أن الضغط على إسرائيل يتطلب تدخلاً رئاسياً أميركياً، وهذا نادر الحدوث ولا تتوافر شروطه دورياً. 

 

ثالثاً، في خيارات حركة "حماس" رسائل لحليفها "حزب الله". المفارقة أن "حماس" بدأت هذه الحرب بعملية واسعة لم يكن "حزب الله" على دراية بحصولها، لناحية التوقيت والحجم، ولكنها جرّته إليها متردداً بفعل استراتيجية "وحدة الساحات"، وهي اليوم تُنهيها بالموافقة مبدئياً على نزع سلاحها، وتُحرجه أمام خيارات مماثلة لبنانياً. ولكن ما يأتي لاحقاً لا يختلف كثيراً لناحية أهمية تأثيره. إن قررت حركة "حماس" تجنّب عملية نزع سلاحها، وخاضت مواجهة انتحارية مكلفة، أو لو أحبطت إسرائيل المرحلة الثانية بعمليات لها، سيتأثر "حزب الله" بنتائج أي مسار.

خلاصة كل رسائل اتفاق غزة، أن السياسة مؤجلة لمصلحة إجراءات أمنية وعسكرية. وهذا خطير في عواقبه لأن الحلول الأمنية على الطاولة لا بدائل لها، ولا هامش فيها لتسوية منطقية ومتدرجة مع من يريد في دمشق وبيروت ورام الله طي هذه الصفحة الانتقالية بدل أن تصير حكماً مؤبداً كما الحال اليوم. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث